| أفاق اسلامية
*تحقيق: يوسف بن ناصر البواردي
يستقبل العالم الإسلامي بأكمله غداً بمشيئة الله تعالى العشر الاواخر من شهر رمضان المبارك بعد الانتهاء من العشرين التي سلفت, وإن المسلم الكيس الفطن من يقدر لهذه الأيام قدرها فهي أعظم ايام السنة ففيها ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر من حرم خيرها فقد حرم الخير ومن لم يغفر الله له فيها فمتى يغفر له؟!
وفي هذه العشر الأواخر ينقسم الناس إلى فريقين (فائز وخاسر) فمشمر يشد مئزره متوجهاً إلى المسجد للاعتكاف والمناجاة أسوة بالنبي الكريم صلى الله عليه وسلم ومشمر للاسواق للمعاكسات وتصيد الفتيات وشتان بين الفريقين!, ومع نفحات هذه الأيام وروحانياتها نقف لنستلهم معانيها وفوائدها على المسلم وما هو المطلوب منه لكي ينال الفوز بها من خلال إسهاب أهل العلم في فضل هذه الأيام المباركة.
أيام العتق من النيران
في البداية يقول فضيلة مدير عام فرع الرئاسة العامة بمكة المكرمة الشيخ جابر بن محمد الحكمي: إن للعشر الأواخر من رمضان مزية عن غيرها من أيام الشهر ففيها فضل عظيم فهي التي قال عنها النبي صلى الله عليه وسلم إن فيها العتق من النار حيث قال صلى الله عليه وسلم أوله رحمة وأوسطه مغفرة وآخره عتق من النار وفيها ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر والعمل الصالح فيها يعدل العمل في ألف شهر فيجب على المؤمن أن يغتنمها ويكثر فيها من نوافل الطاعات ومن أعظمها قيام آخر الليل فيما يعرف بصلاة القيام ففضلها عظيم لا سيما وأنها في آخر الليل وثوابها كبير فالرب جل وعلا ينزل كل ليلة إلى السماء الدنيا إذا بقي ثلث الليل الآخر فينادي ويقول هل من مستغفر فأغفر له هل من تائب فأتوب عليه هل من سائل فأعطيه سؤاله كما ثبت في صحيح مسلم عن جابر بن عبدالله رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول إن في الليل ساعة لا يوافقها رجل مسلم يسأل الله خيراً من أمر الدنيا والآخرة إلا أعطاه الله إياه وذلك كل ليلة وفي صحيح مسلم أيضاً عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول من يدعوني فاستجيب له ومن يسألني فأعطيه ومن يستغفرني فأغفر له وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ينزل الله إلى السماء الدنيا كل ليلة حين يمضي ثلث الليل الاول فيقول: أنا الملك أنا الملك من ذا الذي يدعوني فأستجيب له من ذا الذي يسألني فأعطيه من الذي يستغفرني فأغفر له فلا يزال كذلك حتى يضيء الفجر .
ويسدي الشيخ الحكمي نصائحه لإخوانه الصائمين فيقول: يا أخي الصائم لا يفوتك هذا الأجر العظيم والثواب الجزيل فلعلك تحظى بساعة إجابة يتقبل الله فيها عملك ويجيب دعوتك فتسعد في الدنيا والآخرة، وإياك أخي المسلم من الكسل والبطالة والحذر الحذر من أن تمضي عليك هذه الأيام وأنت في بعد عن الله فإنها ايام لا تستعاض وأوقات إذا فاتت على المؤمن دون طاعة خسر خسارة عظيمة، ولعلك لا تدرك رمضان آخر حتى تعوض ما نقص وتتلافى ما فات, فالله الله يا أخي الصائم لا تلهك الدنيا فإنما هي أيام قليلة وتنقضي أيام هذا الشهر المبارك فاغتنمها فإنها ساعات لا تقدر بثمن.
الاعتكاف
بعد ذلك يبين لنا فضيلة الشيخ د صالح بن فوزان الفوزان عضو اللجنة الدائمة للإفتاء الأعمال التي كان الرسول صلى الله عليه وسلم يفعلها في العشر الأواخر من رمضان لكي نتأسى بأسوته عليه الصلاة والسلام فيقول: من الأعمال التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يختص بها العشر الأواخر: الاعتكاف، وهو لزوم المسجد للعبادة وعدم الخروج منه إلا لحاجة ضرورية، ثم يرجع إليه حيث كان صلى الله عليه وسلم يعتكف في هذه العشر قطعاً لأشغاله، وتفريغاً لباله، وتخليا لمناجاة ربه وذكره ودعائه، فيجب على المسلم الاجتهاد في هذه العشر التي هي ختام الشهر، والتي هي أرجى ما يكون لموافقة ليلة القدر، وليكثر المسلم من الجلوس في المساجد للذكر وتلاوة القرآن إذا لم يتمكن من الاعتكاف قال تعالى :وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين, الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين, والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون, أولئك جزاؤهم مغفرة من ربهم وجنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ونعم أجر العاملين .
ويضيف فضيلته: كان السلف الصالح يجتهدون في إتمام العمل وإكماله وإتقانه، ثم بعد ذلك يهتمون بقبوله ويخافون من رده، كما قال الله تعالى: والذين يؤتون ما ءاتوا وقلوبهم وجلة انهم إلى ربهم راجعون وقال تعالى: إنما يتقبل الله من المتقين ,, مشيراً إلى ان بعض الناس اليوم على عكس هذا، فمنهم من لا يتمم العمل، فقد رأينا من ينشطون في أول الشهر، ويفترون في آخره، حتى ربما يكسلون عن صلاة الجماعة، فهؤلاء لا يستفيدون من رمضان، ولا يتغير حالهم عما كانوا عليه قبله من الإساءة والعصيان، والذي تفوته المغفرة في رمضان يكون محروماً غاية الحرمان, فقد صعد النبي صلى الله عليه وسلم المنبر فقال : آمين، آمين، آمين , قيل يا رسول الله إنك صعدت المنبر فقلت آمين، آمين، آمين؟ فقال: إن جبريل أتاني، فقال:من أدرك شهر رمضان فلم يغفر له فدخل النار فأبعده الله, قل آمين, فقلت آمين ، ومنه من يسهر الليل على لغو الكلام أو جمع الحطام، وينام النهار عن أداء الصلوات في أوقاتها مع الجماعات، مع الأمن من عقاب الله.
ويوجه د, الفوزان نصيحة لعموم المسلمين لاغتنام هذه الأيام فيقول: أكثروا أيها المسلمون من التوبة والاستغفار في هذه الأيام، لتختموا بذلك شهركم وتستدركوا به تقصيركم، فإن الاستغفار ختام الأعمال الصالحة كلها، فتختم به الصلاة والحج وشهر رمضان وقيام الليل، وتختم به المجالس، والله قد أمر بالاستغفار، ووعد المستغفرين بالمغفرة إذا كان استغفارهم صادقاً ولم يكن استغفاراً باللسان فقط.
التنافس في الصدقات
د, فهد العصيمي المدرس بكلية المعلمين شارك في هذا الموضوع مشيراً إلى أهمية تحسس الفقراء والمساكين وصرف الزكاة المفروضة لهم أو من صدقات التطوع خاصة هذه الأيام، فالفقراء والمساكين لابد من العناية بهم هذه الأيام التي تضاعف فيها الحسنات فليحرص المسلم على تحسس الفقراء والمساكين في حيه وفي أقاربه وذويه وكذلك في مشارق الأرض ومغاربها قال تعالى: والذين هم للزكاة فاعلون وقال تعالى: مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم وما ورد عن رسولنا صلى الله عليه وسلم أنه قال: ما نقصت صدقة من مال بل تزده بل تزده بل تزده ، ويقف ملكان في كل صباح أحدهما يقول اللهم أعط منفقاً خلفاً والآخر يقول اللهم أعط ممسكاً تلفاً، ويضيف فضيلته مؤكداً أن لنا إخواناً في كل مكان في العالم الإسلامي هم بأمس الحاجة إلى الوقوف منا مشيراً العصيمي أن الله قد يدفع عنا فتناً ويدفع زلازل ويدفع عنا مسلطين ويدفع عنا براكين ويدفع عنا مشكلات بسبب صدقاتنا وبسبب أعمالنا الخيرية التي ننقذ بها المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها الذين ابتلاهم الله بالفقر والجوع والحروب ونحوذلك من الآفات، فقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث العظيم : (إن الصدقة لتطفئ غضب الرب وتدفع ميتة السوء).
الشاب ومنافسة النساء في الأسواق
وبعد هذا العرض الموجز لفضل هذه الأيام المباركة هل يليق بمسلم أن يبارز الله فيها بالمنكرات؟ حول بعض الأصناف من المسلمين هداهم الله يوضح الشيخ إبراهيم بن عبدالرحمن الدويش رئيس مركز هيئة الملز أنه ما إن تقدم علينا هذه العشر المباركة التي ينتظرها كثير من الناس بلهفة وشوق حتى نرى فيها بعض المتناقضات في أحوال فئة من شباب المسلمين؛ ففي الوقت الذي تكتظ فيه المساجد بالمسلمين على اختلاف فئاتهم وتوجهاتهم، نجد فئة من الشباب تتجه إلى الأسواق مستغلة توافد الناس عليها وخاصة النساء لشراء ما يحتاجونه للعيد من الملابس ونحوها، يترصدون محارم المسلمين ويتتبعون عوراتهم هدف الواحد منهم أن يظفر بإنشاء علاقة محرمة مع إحدى النساء بأي طريقة كانت ولا حول ولا قوة إلا بالله.
ويحذر الشيخ الدويش الشباب من تلك المعاصي فيقول : إن منافسة النساء في الأسواق شيء لا يليق بكم، وليست المعاكسة فخراً يا شباب, ألا تذكرون حديث النبي صلى الله عليه وسلم حين جاءه أحد الشباب وقال له: إني أحب الزنا فقال له المصطفى صلى الله عليه وسلم أترضاه لأمك؟ قال: لا، قال: أترضاه لأختك؟ قال: لا، قال: أترضاه لزوجتك؟ قال:لا، قال: كذلك الناس لا يرضونه لأمهاتهم ولا لأخواتهم ولا لزوجاتهم قال الشاب: فانصرفت من عنده عليه الصلاة والسلام وأكره شيء إلي الزنا , فأين تحكيم العقل يا شباب؟! إن الفخر والبطولة الحقة في اجتناب ما حرم الله، واتباع شرعه، ألم تجرب أن تحبس نفسك في طاعة الله وتلزمها باستغلال هذه العشر المباركات في قيام الليل مع المسلمين في بيوت الله؟.
ويواصل الشيخ الدويش تنبيهاته فيقول: ألم تتذكر وأنت مع نفسك أن الموت قد يفاجئك في اي وقت دون أن تكون مستعداً؟! ألم تفكر يوماً وأنت تقتنص غفلة بعض المسلمين عن نسائهم وبناتهم بالمعاكسة ومايتلوها من سلسلة من المحرمات ان ذلك قد يحصل لمحارمك من قبل بعض الشباب؟1 وهذا واقع مشاهد ألم تعلم أن من تتبع عورات المسلمين تتبع الله عورته، ومن تتبع الله عورته فضحه ولو في بيته كما قال عليه الصلاة والسلام.
والله إن رمضان فرصة لك لتعدل مسارك وتعود إلى ربك وتعلم أنك لم تخلق لمثل هذه السفاسف وانما خلقت لمهمة أعظم، يقول عز وجل : وما خلقت الجن والانس إلا ليعبدون ، فرمضان شهر التوبة وتصفية النفوس والعودة إلى الله :ففروا إلا الله إني لكم منه نذير مبين .
ولأولياء النساء توجيه
بعد ذلك تحدث فضيلة رئيس مركز هيئة البطحاء الشيخ سعود بن محمد آل رشود مذكراً المسلمين الصائمين بأن أجواء الصيام والعبادة والصلاة توجب عليكم نصح نسائكم ومنعهن من كثرة التردد للاسواق وخاصة في هذه العشر المباركة والتي من المفترض أن تكون ليالي قيام وصلاة وعبادة وصلة بالله عز وجل وإن ما نلاحظه في الأسواق من مزاحمة النساء للرجال الأجانب في الأسواق والممرات فيما ليس له داع له وأمر يوجب الوقوف عنده وذلك بكثرة النصح لمن تولينا رعايته سواء الأولاد أو الفتيات أو غيره فإننا مسؤولون عنهم يوم القيامة وعن مدى محافظتنا عليهم لذا فإنه يلزمنا نصح نسائنا وبناتنا بالتذكير المستمر بأن ذلك لا يليق بالمسلمة المحتشمة فنحن خلقنا لهدف عظيم ألا وهو العبادة لله والتقيد بما أمر والابتعاد عما نهى.
ويتساءل الشيخ آل رشود فلماذا لا تبالي أختي المسلمة بهذه الأيام وقيمتها واستغلالها وتغتنم كل لحظة ودقيقة فيها؟! حيث انه لا ينبغي ولا يجوز شرعاً خروج المرأة المسلمة من منزلها للتمشي والتسكع في الأسواق ومزاحمة الرجال سواء المتجولين أو الباعة الذين في محلاتهم التجارية وقد قال الله تعالى: وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى وقال تعالى: يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين وكان الله غفوراً رحيما وقال صلى الله عليه وسلم: (أيما امرأة استعطرت ثم خرجت فمرت على قوم ليجدوا ريحها فهي زانية).
ويسترسل في حديثه عن المرأة في العشر الأواخر فيقول: وإذا ألقينا نظرة على حياة الأخت المسلمة في هذا الزمان فنجدها في بيتها ومجتمعها نرى كيفية قتل الوقت وضياعه بغير جدوى وفائدة وعدم استغلاله واستثماره فيما يرجع عليها بخيري الدنيا والآخرة فهذه أمام شاشة التلفاز وأخرى تطالع مجلة تتابع أخبار الفنانين والفنانات والمغنين والمغنيات وما نزل في الساحة من الازياء والموديلات, وأخرى همها التجوال والتنقل من سوق إلى سوق آخر لا لحاجة وإنما ضياع ومزاحمة للرجال والمراهقين وغيرهم وهذا ولله الحمد والمنة قليل, ألا تعلمين أيتها الأخت الفاضلة أنك ستسألين عن عمرك مرتين الأولى عن العمر عموماً والأخرى عن وقت الشباب خصوصاً, فأعدي للسؤال جواباً وللجواب صواباً, ثم اعلمي بارك الله فيك أن الله عز وجل ينظر إليك ويراقبك في كل وقت وزمان في السوق وفي كل مكان فهل ترضين أن يراك الله تفعلين ما نهى عنه رسوله الحبيب؟ وهل أيقنت أن كل ما تفعلينه صغيراً أو كبيراً مسجل عليك إن خيرا فخير وإن شراً فشر فالله عز وجل: يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور ثم هل ترضين أن تكوني سببا في وقوع مسلم في الحرام وسخط الرحمن ودخول النيران؟ فيا أختي الفاضلة احمدي الله عز وجل على أعظم نعمة أنعم بها عليك ألا وهي نعمة الإسلام فغيرك كافر وأنت مسلمة وغيرك يتخبط في ظلمات الشرك والضلال وأنت تهتدين بنور الإيمان وانه من مات على غير ملة الإسلام فهو خالد مخلد في نار جهنم.
|
|
|
|
|