| أفاق اسلامية
سخر الله تعالى لخدمة هذا الدين الحنيف العديد من المقومات البشرية والمادية والحياتية، وتكفل سبحانه بحفظ كتاب الله الكريم، ولعل من تلك المقومات البشرية اشخاصا وهبوا أنفسهم للدعوة الى الحق والجهاد في سبيله، فيسر الله تعالى لهم السبيل، فكانوا نبراسا لهذه الأمة ومعلما بارزا من معالمها وعلى أيديهم تحقق الفضل العميم، وكان ذلك بمختلف عصور الدعوة الاسلامية، وكان أولئك الاشخاص الكرام يقومون بعملهم وفق مقتضيات عصورهم وتطوراتها بما يحقق الغاية التي انتدبهم المولى سبحانه لإنجازها.
إننا نعيش في عصر يوصف بأنه الاكثر رقيا وحضارة مما سبق ولو من وجهات نظر معينة كما أننا نعيش في زمن اصبحت فيه العولمة واقعا واصبح العالم قرية صغيرة بفضل التقنيات التي قدمتها خدمات الحاسوب (الكمبيوتر) وشبكات المعلومات العالمية (الإنترنت)، ايضا هناك العامل الذاتي المتمثل بالتطور والثقافة التي حصل عليها الافراد والجماعات بحيث اصبحت العلوم مطلب الجميع كما ان توفر وسائل الاتصال والمواصلات الحديثة قد سهل من طرق الوصول لمختلف ارجاء المعمورة، فلقد اصبح العالم قرية صغيرة.
من هذه المنطلقات والتي يعرفها كلنا نستنتج ان الداعية، أو من يحمل قضية الدعوة الاسلامية والاسلام والمسلمين في عقله وروحه وعمله يجب عليه ان يتحلى بصفات عديدة تناسب صفات الداعية بشكل عام وتناسب وتوافق العصر والزمان وكانت بلادنا المعطاءة نبعا لأولئك الدعاة والشيوخ الافاضل على مدار العصور، وعلى ايديهم تحقق خير عميم ونصر الله دعوته.
واذا ما تحدثنا عن هذاالعصر بالذات، فلابد ان نذكر شخصا يشار إليه بالبنان انه لم يتجاوز الاربعين من عمره ولكن ما حققه وانجزه يفوق ذلك بكثير، فقد تجاوزت شهرته الآفاق وكثيرا ما حدثنا عنه أخوة لنا جاءوا من ارجاء مختلفة من البلاد الاسلامية وغيرها وحدثونا كيف ان الناس تترقب ظهوره على شاشات التلفزيونات وخصوصا في ايام رمضان المباركة, انه فضيلة الشيخ الدكتور عبدالرحمن بن عبدالعزيز السديس إمام وخطيب المسجد الحرام.
وفضيلة الشيخ الشاب من مدينة البكيرية في منطقة القصيم تلك المنطقة المعروفة بإنجابها للعديد من حماة الدين ورجالات الدعوة والفقه الكبار.
يعتبر الشيخ السديس احد الدعاة الكبار فلقد حباه الله بعلم غزير ومعرفة كبيرة شاملة فكان القرآن الذي يسكن صدره وعقله نورا له وللناس من حوله كما كان العلم الشرعي الصحيح الطيب علما نافعا للناس كل الناس وحتى لغير المسلمين الذين صادفهم في مشوار عمله المبارك.
يحمل فضيلة الشيخ شهادة الدكتوراه في العلوم الشرعية كما انه يشرف على العديد من رسائل الماجستير والدكتوراه في جامعة ام القرى بمكة المكرمة ولكنه فوق كل هذا وبعيدا عن الشهادات ومعانيها هو الشخص الذي وضع نصب عينه هدف خدمة الدعوة الاسلامية وابراز الصورة الصحيحة للإسلام التي ارادها الله لنا نحن المسلمين ولديننا الحنيف بعيدا عن كل تشويه او تحريف او بدعة فكان عمله خالصا لوجه الله وهيأ الله له ما مكنه من تحقيق ذلك سواء من الصفات الشخصية التي حباه الله بها او من حيث المحيط والبيئة التي كانت تتلقى منه وتعطيه فكان العطاء والكرم والجود وبنفس الوقت الثقافي في خدمة دين الله وشرعه الحنيف.
لقد تشرفت بلقاء الشيخ الفاضل بمناسبات عديدة وسعدت بلقاءات معه في بريطانيا وبلجيكا وساحل العاج والمجر ودول عدة بالاضافة للقاءاتنا في داخل مملكتنا الغالية وفي كل مرة اكتشف فيه المزيد وارى فيه أشياء وصفات تجعلني اكبره اكثر واكثر.
وبصراحة يجب ان أقول: ان مجالسة فضيلة الشيخ السديس لا تمر اطلاقا بدون فائدة ومنفعة تصب في خدمة الاسلام والمسلمين, انك لن تسمع منه الا العلم النافع الحسن الطيب، وعدا ذلك فهو ذو روح مرحة وصاحب نكتة طيبة وذواقة للشعر والادب يعرف الغث من السمين، واذنه مرهفة الحس، ووجوده في المجلس يضفي على المجلس جوا خاصا محببا لكل القلوب الطيبة، تلك هي صفات المعشر الطيب عند الانسان العالم، والتي تحلو وتجمل اكثر عندما يكون صاحبه داعية على قدر من العلم.
إن الشيخ السديس وأعرفه تمام المعرفة بأنه لا يحب الأضواء رجل فهم العصر، وعايشه، عرف خير الطرق والوسائل لنصرة الاسلام في هذا العصر، منبها من خلال خبراته وجولاته ان الدعوة في الغرب على سبيل المثال هي أمر شاق وتحتاج لتأهيل من نوع خاص للداعية كي يستطيع ان يخدم الاسلام بالشكل المطلوب وعلى المستوى المطلوب كما اكد على الداعية بأنه يجب عليه ان يقتحم مجالات الناس ويصبر على أذاهم ويصحح الصورة ويمد جسور التواصل مع الناس حتى لو كانوا مخالفين له وكان فضيلة الشيخ قدوة لنا في الرفق بالناس من اجل ان تصل الدعوة لغاياتها.
لقد حدد لنا الشيخ الكبير اصول وجذور المشاكل التي يواجهها المسلمون خصوصا في البلدان الغربية واعطانا الامثلة الحية لمواجهتها ومجابهتها بالشكل الذي يرضي الله تعالى ويأخذ بيد عباده الى السعادة في الدنيا والآخرة, هذا ما كان يحرص على ايصاله إلينا وذلك خلال الحوار الذي أجريته معه في الخارج ونشر مؤخرا في صحيفة (الجزيرة).
أليست ملاحظة جديرة بمنتهى الاعتناء والانتباه عندما نراه ينبه الى ان الناس في الغرب متعطشون للتأصيل العلمي الصحيح؟ أو عندما يؤكد لنا ضرورة وجود المرأة الداعية او يشير الى انه لا توجد حاجة اطلاقا لدعوات الأحزاب والعصبيات التي انتشرت مع الاسف الشديد في كثير من البلدان العربية والإسلامية!! تلك هي مبادىء من الاسس التي وجه إليها الشيخ الفاضل الذي حاول، وعمل على الجمع بين الاصالة والمعاصرة في العمل الدعوي وفي سعيه لتخريج دعاة وهو كبير الدعاة على مستوى العصروالزمان.
أمام شيخ جليل من امثال فضيلة الشيخ عبدالرحمن السديس لا نستطيع الا ان ندعو الله له كي يزيد الأمة من علمه وينفع به، فهو ذخر للإسلام والمسلمين، امد الله في عمره واجزل في عطاياه واكثر من امثاله لما فيه خير الدعوة في هذا الزمان وفي كل زمان وبنفس الوقت لا يسعنا الا ان نذكر تحديدا ما ذكره الشيخ الفاضل نفسه عندما اكد ان ما تحقق لم يكن ليتحقق لولا الدعم والتوجيه من أولي الأمر الذين حبا الله بهم هذه البلاد وعلى رأسهم وفي مقدمتهم خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز آل سعود حفظه الله ورعاه في حثه على الدوام لتخريج ودعم الدعاة بما يسمح بإيصال الدعوة الاسلامية الصحيحة الى كل أرجاء المعمورة.
نعم ذلك هو التوجيه المبارك الذي يؤدي الى عمل مبارك وتلك هي الميزة التي جعلت بلادنا حضنا دافئا للاسلام والمسلمين وجعلت من الداعية الذي يخرج من هذه البلاد داعية متميزا والحمد لله على الدوام.
alomari@1420yahoo.com
|
|
|
|
|