| شرفات
كانت ولازالت المملكة العربية السعودية تلعب دوراً حيوياً رائداً في المنطقة العربية والاسلامية وعلى المستوى العالمي ايضاً، وتمثل محوراً رئيسياً للعلاقات والاتصالات مع كل دول العالم قديماً وحديثاً، وكانت من أهم طرق التجارة العالمية عبر العام, وفي مؤتمر اتحاد المؤرخين العرب الذي عقد بالقاهرة مؤخراً تحت عنوان طرق التجارة العالمية عبر العالم العربي وشارك فيه العديد من المؤرخين والباحثين من المملكة العربية السعودية ومختلف الدول العربية ، ركزت العديد من المداخلات والمناقشات حول مكانة الجزيرة العربية وما تمثله من معبر تجاري منذ العصور القديمة ومروراً بالعصور الوسطى وحتى العصر الحديث .
طريق الحج والتجارة
أكد د, احمد علي الزيلعي استاذ الآثار الاسلامية بجامعة الملك سعود وعضو المجلس الاعلى للآثار بالمملكة في ورقته البحثيه بعنوان طريق الحج والتجارة اليمني عبر تهامة ، ان الجزيرة العربية شهدت منذ فجر التاريخ اتصالات مع كل الدول وكانت تجارة مكة تخرج لشتى مدن العالم القديم محملة بالبخور والورق والأحجار الكريمة والعطور وتعود محملة بمختلف بضائع العالم المتقدم في الهند والروم والفرس، فكان الخروج من مكة في رحلات تجارية امرا شاقا يجب ان تصحبه زعامة سياسية وان تسير القوافل على طرق معينة ومن هنا عرفت طرق الحج بين مكة واليمن وتحدث عنها الجغرافيون والمؤرخون وقد تنوعت تلك الطرق ومن اشهرها:
الطريق الساحلي محاز للبحر وصولاً لمكة, والطريق الاوسط من صنعاء حتى مكة, والطريق الاعلى من خلال سلاسل الجبال .
تجارة مكة وتحضرها
وأشار الطاهر الحسن ذراع في ورقته المعنونة (علاقة مكة التجارية بالبلاد المجاورة) إلى أن التجارة من أقدم الاساليب التي تشكل العلاقات بين الامم والشعوب العربية فقد كان لها انعكاسها الواضح في التاريخ العربي فاشتغل بها أهل الحجاز فدفعت مستوى معيشتهم وجعلتهم على اتصال بالعالم المتحضر من الفرس والروم فقد صدروا البخور والاحجار الكريمة والاصواف والرياحين واستوردوا المنتجات الصناعية كالحرير، وبدأت تجارة مكة تزدهر عقب الاتفاقيات التي اجرتها قريش ، مما مد نفوذ مكة مع الروم والبيزنطيين، ولم تقتصر على الروم والفرس بل امتدت تجارتهم للهند واليمن حيث صدروا القمح والدقيق والزيوت واستوردوا الجلود والرقيق، اللؤلؤ ، الأبانوس، القطن، الزعفران ثم امتدت تجارتهم للحبشة، وعندما احتل ملك الحبشة اليمن اصبحت مكة المركز التجاري الوحيد في تلك المنطقة ،وظهرت في تلك الفترة الزمنية نوع من التوحيد بين العرب عن طريق مكة التي دعت بواسطة تجارها الاثرياء الى وحدة وتعاون العرب ضد الاحباش والروم، ويُرجع الباحث قوة مكة التجارية في تلك الفترة لعدة اسباب منها:
عقود ايلاف ورجاله، موقع مكة في العالم القديم، سياسة الحياد التي اتبعها اهل مكة تجاه صراع الروم والفرس ، فقدان اليمن لدورها التجاري، فقدان البحرية الرومانية سيطرتها على البحر الأحمر، فشل الحبشة للاستيلاء على مكة ، التطور الحضاري السياسي لأهل مكة.
مكة تعاملت بالنقود
قبل الإسلام
وتطرقت د,زنوبة مرسي استاذ التاريخ بورقة حول النشاط التجاري المكي قبل الاسلام واستمراراً لدور مكة التجاري الذي جاء نتيجة عوامل عددية باعتبارها منتصف طريق القوافل في بلاد الشام ووجود البيت الحرام بها فاصبحت مسيطرة على تجارة الشمال والجنوب وكانت من ابرز رحلاتها رحلتا الشتاء والصيف، واصبحت منافسة للحبشة تجاريا وتفوقت عليها واصبحت مركزاً تجاريا في المنطقة بجانب مركزها الديني مما دفع ابرهة ملك الحبشة بمحاولة غزو مكة والقضاء على سيطرتها ولكنه فشل في ذلك، وذكر المؤرخون ان مكة تعاملت بالودائع والامانات والصكوك وتعاملوا بالنقود الرومانية والفارسية والمصرية حينذاك.
وقدم د, ابراهيم المزيني استاذ التاريخ بجامعة الامام محمد بن سعود ورقة عن الاسواق والمراكز التجارية في رحلات ابن جبير والتي قدم خلالها رصدا لملامح الحياة التجارية في المنطقة العربية التي قدم اليها خلال رحلته التي قام بها من 578ه الى 581ه سجل خلالها ملاحظات في شكل مذكرات يومية تكشف احوال الاسواق والسلع واساليب التعامل والعلاقات والطرق التجارية وبعض انواع المهن والاسواق التجارية التي يتعامل معها التجار العرب وقد قسم الأسواق الى سنوية وموسمية واسبوعية ويومية .
ووصف الاحتكارالتجاري لبعض التجار وبعض مناطق الضرائب المرتفعة وبعض السلع التجارية لبعض الاقطار العربية في تلك الفترة وطبيعة التعامل النقدي الذي كانت من ادواته النقدية الدنانير والدراهم وهما العملتان السائدتان في ذلك الزمان واكد على وجود الميزان التجاري في الاسواق وأول ما وجد كان في مدينة قوص بمصر .
وتتويجاً للابحاث السعودية المقدمة قدم د,عبدالعزيز العمري ورقة عن النشاط التجاري في الجزيرة العربية في عهد الرسول عليه السلام وكيف ساد مفهوم الامن في تلك الفترة وكيف كان النشاط التجاري من اهم ادوات الدعوة الاسلامية وساعد على نمو وانتشار الاسلام في الهند وافريقيا وبلاد الفرس والرومان.
مداخلات أخرى
وتنوعت المداخلات في المؤتمر والتي تناولت مختلف العلاقات التجارية القديمة في العديد من بقاع العالم العربي ففي مداخلته اشار د, حمود محمد النجيدي استاذ التاريخ بجامعة الامام محمد بن سعود الى طريق الحدير واهميته التجارية ، وهو الطريق الذي يربط بين الصين واوربا عبر شرق آسيا، والذي كان له دور حضاري في ربط شرق آسيا بغربها وساهمت في نقل ثقافات الشرق للغرب والعكس،وترجع الأهمية القصوى لهذا الطريق في نقل حضارة الاسلام الى وسط وغرب آسيا,وقدمت د, نعمه مرسي أستاذ التاريخ الاسلامي ورقة عن تجارة الهند في عهد السلطان علاء الدين الخليجي الذي حكم الدولة الخليجية بالهند (689ه الى 719) والذي اطلق على نفسه الاسكندر الثاني فاتح العالم، بسبب ازدهار التجارة في عهده وخاصة علاقة التجارة مع مكة التي اعتبرها شريانا حيويا لتجارته عبر المنطقة العربية ، فكانت ترسل القوافل لمكة محمله بالبضائع والمنتجات الهندية ومنها الى الحبشة واليمن وشمال افريقيا فكانت مركزا لتوزيع التجارة الهندية حين ذاك والتي ازدهرت في عهد السلطان علاء بسبب النظام الاداري والقانوني الذي وضعه بجانب المؤسسات المالية والتجارية محاكاة بما كان سائداً في مكة ذلك الوقت.
محمد حسن
|
|
|
|
|