| شرفات
العين تنظف بواسطة الدمع الذي يفرز عبر المجاري الدمعية الموجودة خلف الجفن الأعلى للعين، وذلك لطرد ذرات الغبار، وقتل الميكروبات,, وتفرز الدموع بغزارة عندما تكون هناك حساسية في العين, اما عند البكاء فهي تفرز بمعدل سريع, ويوجد في كل عين من عيون الإنسان غدة دمعية واحدة تقع خلف الجفن فوق العين، وتسحب العين السائل الدمعي في كل مرة ترمش فيها, وعندما يحس الإنسان بشعور عاطفي، مثل الحزن، أو الغضب أو عندما يضحك,, فإن العضلات المحيطة بالغدة الدمعية تنشد، وتدفع بالدمع الى الخارج، وعندما يمر الدمع عبر كرة العين، فهو يخرج الى الخارج من الغدة الدمعية عبر مجريين دمعيين اللذين يفتحان في الركن الداخلي لكل عين, ويؤدي المجرى الدمعي الى كيس دمعي، ومنه الى التجويف الأنفي، حيث يمر على طول الأنف ويفتح فيه, وتجعل الدموع التي تخرج عبر هذه الفتحة أنف الإنسان يسيل عندما يبكي, والسائل الدمعي ملحي القوام بصورة عامة، ويحتوي على مواد تقاوم البكتريا، وعلى مواد بروتينية تساعد العين بمقاومة الأمراض التي قد تصيبها, كما أنه يقوم بترطيب قرنية العين حفاظاً عليها من الجفاف الذي يمكن ان يسبب في حالة حدوثه العمى.
قال أبوالطيب في قصيدة يمدح بها محمد عبيدالله العلوي:
1-
أحييتها والدموع تنجدني شؤونها والظلام ينجدها |
يقول العكبري في شرح هذا البيت: إحياء الليل: سهره، وترك النوم فيه, وأنجدت الرجل: أعنته, والشؤون، جمع الواحد: شأن، وهي مجاري الدمع, والمعنى: قال الواحدي: فلان يحيي الليل: يسهر فيه، وفلان يميت الليل: ينام فيه، لأن النوم أخو الموت, يقول: كان للدموع من الشؤون إمداد، ولليالي من الظلام إمداد, والمعنى: أن تلك الليالي طالت وطال البكاء فيها.
وقال المتنبي في قصيدة قالها في صباه:
2-
متلاحظين نسُحُّ ماء شؤوننا حذراً من الرقباء في الآكام |
يقول العكبري عن هذا البيت: السحّ: السكب, والشؤون, جمع شأن وهو مجرى الدمع, والآكام: جمع أكمة، وهي التل من القف، من حجارة واحدة, والمعنى: يقول على رواية الواحدي: تنظر الى (محبوبته) وأنظر إليها، وكلانا قد غلبه البكاء وستره خوفاً من الرقباء.
وقال الشاعر في قصيدة يعزي بها عضد الدولة وقد ماتت عمته:
3-
مِثلك يثني الحزن عن صوبه ويسترد الدمع عن غربه |
يقول العكبري عن هذا البيت: الغروب: جاري الدمع, وللعين غربان، مقدمها ومؤخرها, قال الأصمعي: يقال: بعينه غرب، إذا كان يسيل ولا ينقطع, والغروب: الدموع, والصوب: القصد, والمعنى: يريد أنك تقدر على دفع الحزن عن قصده، وتغلبه بالصبر، وترد الدمع الى قراره ومجراه، بأن تصرفه عن المجرى، وكيف لا تفعل هذا وأنت لا شبه لك.
وقال أبو الطيب في قصيدة يعزي بها سيف الدولة عن عبده يماك:
4-
وكم لك جداً لم تر العين وجهه فلم تجر في آثاره بغروب |
يقول العكبري في شرح هذا البيت: المعنى: يقول: كم لك من أب وجد لم تره عينك فلم تبك عليه، فهب هذا مثلهم لأنه غاب عنك، والغائب عن قرب كالغائب البعيد عهده, وقال الخطيب: ينبغي ان تتسلى عن (يماك) لأنه قد غاب عن عينك، كما لم تحزن لأجدادك الذين لم ترهم, وهذا المعنى مدخول، لأن اجداده لم يرهم ولم يعرفهم، وهذا قد رآه وعرفه ورباه.
ورد في لسان العرب لابن منظور: الشأن: مجرى الدمع الى العين، والجمع أشؤن وشؤون, والغرب: عرق في مجرى الدمع يسقي ولا ينقطع، وهو كالناسور، وقيل: هو عرق في العين لا ينقطع سقيه, والغرب: مسيل الدمع، والغرب: انهماله من العين, والغروب: الدموع حين تخرج من العين, والغروب أيضاً: مجاري الدمع.
لقد أشار أبو الطيب المتنبي في أبياته الأربعة الى مجاري الدمع، وقد سبق وأن ذكرنا أن الدمع يخرج الى الخارج من الغدة الدمعية عبر مجريين دمعيين يفتحان في الركن الداخلي لكل عين.
من المعروف ان الجفنين الأعلى والأسفل للعين يحميانها من الجهة الامامية، وأن العين تسحب السائل الدمعي من الغدة الدمعية في كل مرة ترمش فيها الجفون, وهذا يبين العلاقة الوثيقة بين الجفون وحركتها والدموع.
قال أبو الطيب في قصيدة يمدح بها سيف الدولة:
أتاهم بها حشو العجاجة والقنا سنابكها تحشو بطون الحمالق |
يقول العكبري في شرح هذا البيت: الحماليق: جمع حملاق، وهو بطن جفن العين, والمعنى: يقول: أتاهم (سيف الدولة) بالخيل، وقد أحاطت به الرماح والعجاج، فهو حشو هذين، وحوافرها (حوافر الخيل) تحشو الجفون بما تباشر من الغبار, وقال ابن جني: تحشو الجفون بالغبار, وقال العروضي: أحسن من هذا أن الخيل تطأ رؤوس القتلى، فتحشو حماليقها بسنابكها,, أما أن يرتفع الغبار، فيدخل الجفون، فلا كبير افتخار فيه.
ورد في لسان العرب لابن منظور: الحملاق، والحُملاق والحُملوق: ما غطت الجفون من بياض المقلة, والحملاق: ما لزق بالعين من موضع الكُحل من باطن، وقيل: الحملاق باطن الجفن الأحمر الذي إذا قلب للكحل بدت حمرته, وحملق الرجل: فتح عينيه، وقيل: الحماليق من الأجفان ما يلي المقلة من لحمها، وقيل: هو ما في المقلة من نواحيها، وقيل: الحملاق ما ولي المقلة من جلد الجفن.
لقد أشار الشاعر في بيته هذا الى باطن جفن العين الملامس لمقلتها.
وقال المتنبي في قصيدة يمدح بها علي بن مكرم التميمي:
1-
أقلبُ فيه أجفاني كأني أعد به على الدهر الذنوبا |
يقول العكبري في شرح هذا البيت: المعنى: يريد: كما أن ذنوب الدهر لا تغنى كذلك أجفاني لا تفتر, وقال الواحدي: لكثرة تقليبي إياها كأني أعد على الدهر ذنوبه، كما أن ذنوب الدهر كثيرة لا تفنى، كذلك تقليبي لأجفاني كثير لا يفنى فلا نوم هناك.
وقال الشاعر في قصيدة يهجو بها ابن كيغلغ:
2-
وجُفُونُهُ ما تستقر كأنها مطروفة أو فُتَّ فيها حصرم |
يقول العكبري عن هذا البيت: المعنى: يقول: هو يحرك جفونه، يشير بهن الى العلوج، فتبقى كأنها قد أصيبت بقذي أو عصر فيها حصرم، لأنها لا تفتر من التحريك.
والحصرم كما ورد في لسان العرب: أول العنب، ولا يزال العنب ما دام اخضر حصرماً (اي حامضاً).
وقال ابو الطيب في قصيدة يمدح بها ابن العميد:
3-
أمر الفُؤاد لسانه وجفونه فكتمنه وكفى بجسمك مخبراً |
يقول العكبري عن هذا البيت: المعنى: يقول: لما سكت اللسان عن الإجابة بالوجد الذي في باطنك، وانقطع الدمع عن الجريان بأمر الفؤاد لهما دل على ما في بطنك نحول جسدك واصفرار لونك وإنما قال: الفؤاد وجعله آمراً، لأن الفؤاد ملك الجوارح كلها (؟).
وقال المتنبي في قصيدة يعزي بها سيف الدولة عن بعده يماك:
4-
وما كُلُّ وجه أبيض بمبارك ولا كل جفنٍ ضيقٍ بنجيب |
يقول العكبري عن هذا البيت: المعنى: يريد أنه كان (يماك) جامعاً بين اليمن والنجابة، وقد يكون الغلام نجيباً، ولا يكون مباركاً، وهذا كان نجيباً ومباكراً.
وقال الشاعر في قصيدة يمدح بها سيف الدولة:
5-
شننت بها الغارات حتى تركتها وجفن الذي خلف الفرنجة ساهد |
يقول العكبري عن هذا البيت: الغارات: جمع غارة, والفرنجة: قرية بأقصى بلاد الروم, وشن الغارة: فرقها عليهم من كل وجه, والمعنى: يقول: لما فرقت الغارة على بلاد الروم، ولم ينم احد خوفاً منك، وإن كان على البعد منك، فالقريب يخافك، والبعيد يخافك، فهو ساهد: أي ساهر لا ينام من خوفك.
وقال ابو الطيب في قصيدة يمدح بها سيف الدولة:
6-
كأن الجفون على مقلتي ثيابُ شققن على ثاكل |
يقول العكبري في شرح هذا البيت: الثاكل: المرأة التي تفقد ولدها, والمعنى: يقول: الجفون كأنها شقت على مقلتي، شبه قلة التقاء جفونه على مقلته، واشتغاله بما يُذر به عبرته، بثياب مشقوقة على ثاكل موجعة، ووالهة مفجعة، وشبه مقلتيه في حزنهما بتلك الثاكل في وجدها، وتبعيد السهر لما بين جفونها، بتشقيق الثاكل حداداً، وهذا مما شبه فيه شيئان, بشيئين، وهو من أرفع وجوه البديع.
وقال المتنبي في قصيدة يمدح بها سيف الدولة، وقد ورد رسول الروم يطلب الهدنة:
7-
تنام لديك الرسل أمناً وغبطة وأجفان رب الرسل ليس تنام |
يقول العكبري عن هذا البيت: المعنى: إن الرسل تنام عندك آمنة تتفيأ ظلك، مستبشرة بمشاهدة فضلك، وأجفان الملوك الذين بعثوهم إليك ساهرة، لما تتوقعه من خيبة رسلهم, والمعنى: الرسل تنام آمنة لما تحسن إليهم، وهم آمنون بمقامهم عندك، والذين بعثوهم يخافونك لأنهم ليسوا على أمان منك، فلا تنام أجفانهم خوفاً منك.
وقال الشاعر في قصيدة قالها في صباه
8-
أبلى الهوى أسفاً يوم النوى بدني وفرق الهجر بين الجفن والوسن |
يقول العكبري في شرح هذا البيت: النوى: البعد, والوسن: النوم, والاسف الحزن, والمعنى: يقول: أدى الهوى بدني الى الأسف والهزال يوم الفراق، وبعد هجر الحبيب بين جفني والنوم، وإبلاء الهوى البدن أن يذهب قوته ولحمه، لما يورد عليه من شدائده, وخص يوم النوى، لأن اشد ما يكون الوجد والألم يوم الفراق, وقال الواحدي: الهوى عذب مع الوصال، سم مع الفراق.
لقد تطرق شاعر العربية الفذ في أبياته الثمانية السابقة الى الجفن، ففي بيته الأول اشار الى حركة جفونه وتقليبها وربط حركتها بحالته النفسية، وفي بيته الثاني ذكر استمرار حركة جفون ابن كيغلغ، والمعروف ان الجفون دائمة الحركة الا في حالتي النوم والمرض,
اما في بيته الثالث فقد بين ان انقطاع دموعه من جفونه كان بأمر فؤاده (عقله)، وفي البيت الرابع ذكر ابو الطيب ضيق الجفون، وهذا يدل على صغر العين وقرب ما بين الجفنين, وربط الشاعر في بيته الخامس ما بين اطباق الجفنين في حالة النوم، وبين عدم حدوث ذلك عندما يكون الإنسان في حالة من الخوف والترقب,, وفي بيته السادس بين ان الجفنين غطاء لمقلة العين.
أما في بيته السابع فقد ربط كما فعل في بيته الخامس بين النوم واغماض العين والخوف والأمن، فالخائف لا ينام ولا يغمض عينيه بعكس من يشعر بالأمن والطمأنينة، وبين شاعرنا في بيته الثامن ان العاشق المحب إذا هجرته محبوبة ذهب النوم عن جفونه.
د, عبدالرحمن بن سعود بن ناصر الهواوي
|
|
|
|
|