| شرفات
اكدت بعض الدوائر العلمية المعروفة في الولايات المتحدة على امكانية الاعتماد على كمبيوتر جديد مكون من انابيب تحمل حمض D.N.A والتي تمكن هذا الكمبيوتر من حل مليارات العمليات الحسابية المعقدة بسرعة كبيرة تجعل الحاسبات الآلية المتعارف عليها اليوم تصاب بالاغماء، وتوصف بالخمول والكسل.
وتتفرع تلك الانابيب التي بعضها فارغ، وبعضها الآخر ممتلئ بالحمض النووي الى عدة تفرعات لكي تضيف شيئاً الى انبوبة ما، او تخلط محتويات اكثر من انبوب معاً,, وبذلك سيقدم وجود الدوائر الكهربائية المصنوعة من مادة السليكون، او الاجزاء المغناطيسية التي تختزن المعلومات والمعروفة باسم الذاكرة كذلك سينعدم وجود شاشة العرض او حتى مفاتيح التشغيل,.
كل تلك التصورات كانت من ضمن الاطروحة التي قدمها العالم الاميركي ليورناد اولمان وهو مدرس الحاسبات الآلية في جامعة سوث كاليفورنيا .
حيث انه اكد لزملائه منذ حواولي عامين كيف استطاع حل لغز رياضي بواسطة هذه الانابيب,, وعملياً طريقة حل هذا اللغز معروفة باسم طريقة هاملتون ، وبالرغم من بساطة هذا اللغز لدرجة ان اي تمليذ لم يتجازو الرابعة عشرة يستطيع حله بالطريقة التقليدية الورقة والقلم ، الا ان امكانية نجاح حل هذا اللغز بواسطة الانابيب المملوءة بالحمض النووي اطلقت شرارة ساطعة في سماء البحث العلمي في الولايات المتحدة.
ايد عدد قليل من زملاء اولمان تلك التصورات واعتبروها حلم المستقبل الذي يجب السعي من اجل تحقيقه، ومن ناحية اخرى ابدى بعض العلماء المتخصصين شكوكهم في امكانية تلك الانابيب انجاز تلك العملية بسرعة تزيد عن سرعة الحاسبات الآلية المصنوعة من السيليكون.
أسلوب تفكير متطور
ركز عالم الفيزياء التطبيقية بيتر كابلان الباحث في معهد برينستون بولاية نيوجيرسي على ضرورة بحث العلماء عن طريقة اخرى، ونموذج افضل لحل تلك العمليات الحسابية بواسطة الحاسبات الآلية,, حيث إنه خلال ال 20 عاماً التي مضت، كان علماء الاحياء الجزيئية من تطوير مجموعة الطرق لتكوين شرائط حمض D.N.A وتوصلوا الى طرق فاعلة للتعامل معها مثل تقطيعها او نسخها، او توصيلها ببعض، او حتى عزل شرائط تحمل سلسلة محددة من الجزيئات.
ويقول كابلان ان التحدي الحقيقي لعلماء الكمبيوتر هو تطبيق هذا التصور النظري على ارض الواقع حيث إنه وضح ان بواسطة هذا الكمبيوتر الجديد تماماً، سيكون الانسان قادراً على انهاء مليارات العمليات الحسابية المعقدة وفي وقت واحد وداخل انبوبة واحدة محتوية على الحمض النووي هذا بالاضافة الى تخزين كمية كبيرة من المعلومات داخل قارورة صغيرة واحدة، بحيث تزيد كمية تلك المعلومات ملايين المرات على المعلومات التي يمكن تخزينها في دائرة اكبر الحاسبات الآلية المستخدمة في يومنا هذا,.
لماذا الاعتماد على ال D.N.A؟؟
يعود الاعتماد على الحمض النووي D.N.A بالذات الى ان الابحاث العلمية التي تمت في مجال الهندسة الوراثية وعلم الوراثة قد اثبتت ان هذا الحمض عبارة عن كمبيوتر طبيعي او بمعنى اصح هو بمثابة مستودع طبيعي في اجسام الكائنات الحية يحمل كمية هائلة من المعلومات التي تحدد صفات هذه الكائنات، وتمايز أنواعها والفروق بين افرادها.
وبشهادة جميع العلماء في المجال الجديد، كان اولمان اول من حاول استئناس هذه الخاصية الفريدة في هذا الحمض وبالتالي استخدامها في مجال حل المسائل الحسابية المختلفة,, مما يؤكد لنا انه اذا امكن فعلاً عمل كمبيوتر قابل للتشغيل من هذه الطريقة، فانه سيعتمد بصفة اساسية على الخصائص الذاتية لهذا الحمض النووي.
ومن اهم هذه الخصائص، ان الD.N.A يتكون من شريطين طويلين، يمكن ان يتصلا ببعضهما ويلتحما في شريط واحد، عندما يقتربان من بعضهما.
حيث ان كل شريط يتكون من اربعة جزيئات يطلق العلماء عليها اسم قواعد وهذه القواعد تحدد عادةً بالحروف أ,ب,ج,د والقاعدتان أ،د يوجد بينهما تجاذب كيماوي، وكذلك بين القاعدتين ب،ج وعلى ذلك فاذا كان لدينا شريط مكون من القواعد أ,ب,ج,ب فان الشريط الذي يمكن ان يتكامل معه يتكون من القواعد د,ج,ب,ب سوف يلتحم معه.
واذا كان لدينا شريطان أ,ب,ج,ج و أ,د,أ,ج فانهما لن يلتحما معاً.
وجدير بالذكر ان علماء الاحياء الجزيئية استطاعوا ان يوفروا البيئة اللازمة لتشجيع شرائط هذا الحمض النووي التي تتكامل مع بعضها على الالتحام ببعضها، عن طريق التحكم في المحلول الكيماوي الذي يوضع به الحمض النووي داخل انبوبة الاختبار.
بالاضافة الى قدرتهم على ابتكار شرائط من هذا الحمض تتكون من اي سلسلة مطلوبة من القواعد تتناسب مع انواع المسائل المطلوب حلها.
كذلك كان العلماء قد تمكنوا من ايجاد مجموعة من الطرق والبدائل لاستخدام D.N.A في العمليات الحسابية حيث يقوم بعضهم بتحويل المعلومات التي تحمل الشرائط الى شفرة رقمية شبيهة بتلك المستخدمة في الحاسبات الالكترونية وذلك عن طريق التعامل مع شرائط الحمض النووي على انها سلسلة مكونة من الرقمين صفر، واحد.
لذلك فإنك تستطيع ان تحول الرقم 110100 الى ستة شرائط من حمض D.N.A متصلة من نهاياتها ببعضها البعض.
ويجوز اعتبار اول ا على انه سلسلة من القواعد أ,أ,ب,د,ج وثاني ا على انه السلسلة ج,ج,ج,دأ وهكذا,.
وبعد ظهور عملية التشفير هذه بفترة قصيرة، اعلن احد العلماء انه بواسطة هذا التشيفير الرقمي يمكن حل المشكلة المعروفة باسم مسألة الرضا الحسابية ,.
حيث إنه وضح ان الحاسب الآلي التقليدي المصنع من السيليكون لا يستطيع حل هذا النوع من المسائل الا عن طريق تتبع كل الطرق التي ممكن ان تؤدي الى الحل المطلوب,, الواحدة تلو الاخرى.
ان هذه الطريقة لا بأس بها اذا كان عدد المتغيرات محدود, ولكن اذا بلغ عدد المتغيرات 12 مثلاً فان المسألة ستصبح غير قابلة للحل,, وحتى الحواسيب الفائقة السرعة ستحتاج الى اسابيع، او ربما سنوات لكي تستكشف كل الاحتمالات الممكنة للتوصل الى الحل.
اما كمبيوتر حمض D.N.A فانه يستطيع ان يقتحم هذه المسألة، ويحللها بطريقة مختلفة تماماً,, حيث ان المرء يستطيع ان ينشئ شرائط من هذا الحمض تتناسب مع جميع الحلول الممكنة، ثم تبدأ عملية الحل بالتوازي، في وقت واحد وفي جميع الانابيب، عكس اسلوب الواحدة تلو الاخرى، ولهذا يتم اختصار مدة كبيرة من الزمن, وتعرف هذه الطريقة باسم الاستخلاص ,, فاذا كانت المسألة محتوية على متميزين فقط ولنقل س،ص فان الحلول الممكنة يجري تمثيلها رقمياً هكذا ,,،01،10،11 بافتراض ان 01 يمثل س = صفر ، و ص =1 ,.
ويمكن عن طريق عملية الاستخلاص استبعاد كل شرائط الحمض النووي التي تمثل 1،11 وهكذا يتم التخلص من كل الشرائط التي تعبر عن 01 و 11 ولا يتبقى في انبوبة الاختبار الا الشرائط المطلوبة التي تعبر عن 00 و 10 .
التفوق الواضح ل D.N.A
من الواضح ان حل مسائل الرضا هو المجال الذي ستبرز فيه كمبيترات الحمض النووي D.N.A والذي ستتفوق فيه ايضاً على الحاسبات الآلية التقليدية,, حيث انه في الحاسبات الآلية التي تستخدم السيليكون، يستغرق حل كل عملية حسابية جزءاً من الف على الثانية الواحدة، اما في كمبيوترات الحمض النووي فان عملية الاستخلاص ستكون بطيئة وقد يستغرق حل كل عملية حسابية دقائق او حتى ساعات، الا ان كمبيوتر الحمض النووي يستطيع تأدية عدد كبير جداً من العمليات التي في الاساس هي عمليات استخلاص في انابيب اختبار منفصلة عن بعضها مستقلة في وقت واحد، وفي حين ان الحاسب الآلي المعروف يؤدي هذه العمليات بالدور والتالي اي الواحدة تلو الاخرى.
كما انه في الكمبيوترات العادية يزداد في الاداء بزيادة عدد المتغيرات تزايداً كبيراً، اما في كمبيورات الحمض النووي فان هذه الزيادة ستشكل فرقاً زمنياً بسيطاً بشكل لا يذكر.
ولكي تصبح فكرة هذا الكمبيوتر الجديد في متناول ايدي الناس، سيمضي العلماء فترة طويلة وسنين عديدة من البحث العلمي والتنفيذ العملي من اجل التأكد من كفاءة هذا الكمبيوتر الفريد وازالة جميع الشكوك والتحفظات التي قد تعترض مسيرة هذا الابتكار المميز.
|
|
|
|
|