| مقـالات
أيام تمر متسارعة، في هذا الشهر الكريم، شهر رمضان شهر الخير والبركات، وما ذلك إلا أنه تأنس به النفوس وترتاح فيه القلوب، فهو شهر، منذ أطل، وعباد الله المؤمنون فرحون بمقدمه، مستبشرون بالعمل في أيامه ولياليه لما فيه من الجود والكرم,, والعرب تقول: ان أيام السرور قصار,.
فكان المسلمون بالأمس القريب، يهنئ بعضهم بعضاً بحلول هذا الشهر، ويتسابقون في أيامه ولياليه، بملازمة المساجد وتلاوة القرآن، والبذل والصدقات، وافطار الصائمين، والقيام في لياليه,, انها أعمال تعبدية متواصلة بدنية وقلبية، وذكر لله وتسبيح وتحميد، والفقير يعتبره فرصة يتحسن حاله حيث يجود فيه الموسرون من أيديهم الندية بالعطاء، وقلوبهم الحانية بالعطف.
هذا الشهر قد وصفه رسول الله بالكرم، وسماه شهر الصبر،أوله رحمة، ووسطه مغفرة، وآخره عتق من النار، لأنه شهر يضاعف الله فيه الحسنات، ويقيل العثرات، ولئن قاربت أيامه ولياليه النهاية فإنما تبقى منها، فرصة لمن قصر أن يستدرك, ولمن فاته شيء من العمل في أوله، ولم يتدارك وسطه، ففي آخره متسع، وفي سويعاته المتبقية، ميدان لمن أراد أن يتأسى برسول الله صلى الله عليه وسلم بشد المئزر، وفعالية النفس بالجود، والتعويض عما سلف من التقصير.
ان العامل لا يوفى أجره إلا عند انتهاء العمل، وان رمضان لم ينته بعد، فلعل قيام ليلة من لياليه الباقية، يختم الله لمن اغتنمها بالخاتمة الحسنة، قبولاً في الدعاء، وبركة في العمل، ومضاعفة للحسنات، وتكفيراً عن السيئات، فدعوة من قلب منيب إلى الله، وصدقة في حلال طيب، وبنفس مخلصة,, يحقق الله بها العتق من النار، ذلك ان لله كل ليلة من ليالي رمضان عتقاً من النار، وفي ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر، وقد حددها رسول الله صلى الله عليه وسلم في العشر الأواخر، وأكدها انها في أفراده، يعتق الله من النار خلقاً كثيراً، كما ورد أن الله جل وعلا، من كرمه بعباده، أنه يفيض عليهم رضوانه ومغفرته في آخر الشهر وفي ليلة العيد.
انها نعم كثيرة، وفضائل جزيلة من رب كريم في شهر الصوم، الذي جاد سبحانه فيه على الصائمين، بفرحتين: فرحة للصائم عند فطره، وفرحة بلقاء ربه، وان خلوف فم الصائم، أحب عند الله من ريح المسك,, كما خص الله جل وعلا بمكارم عديدة في هذا الشهر الذي يجب اغتنام ما تبقى من أيامه، ومن ذلك أن للصائمين باباً من أبواب الجنة اسمه الريان، ينادي عليهم في يوم المحشر، أين الصائمون؟ فإذا دخلوا معه، وتكامل عددهم اغلق لا يدخل معه غيرهم,.
قال بعض السلف: واعد الله موسى عليه السلام ثلاثين ليلة أن يكلمه على رأسها، فصام ثلاثين يوماً، ثم وجد من فيه خلوفاً فكره ان يناجي ربه على تلك الحال، فأخذ سواكاً فاستاك به، فلما أتى لموعد الله اياه، قال له: يا موسى أما علمت ان خلوف فم الصائم، أطيب عندنا من ريح المسك,, أرجع فصم عشرة أيام أخرى ولهذا كان دم الشهيد ريحه يوم القيامة كريح المسك، وغبار المجاهدين في سبيل الله ذريرة أهل الجنة، قال ابن رجب الحنبلي: ورد في حديث مرسل: كل شيء ناقص في عرف الناس في الدنيا، حتى اذا انتسب إلى طاعته ورضاه فهو الكامل في الحقيقة: خلوف أفواه الصائمين له سبحانه، أطيب من ريح المسك، وعري المحرمين لزيارة بيته، أجمل من لباس الحلل، ونوح المذنبين على أنفسهم من خشية الله، أفضل من التسبيح، وانكسار المخبتين لعظمته هو الجبر، وذل الخائفين من سطوته هو العز، وتهتك المحبين في محبته أحسن من الستر، وبذل النفوس للقتل في سبيله هو الحياة، وجوع الصائمين لأجله هو الشبع، وعطشهم في طلب مرضاته هو الري، ونصب المجتهدين في خدمته هو الراحة.
ففي قوله: لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك: خلوف الفم: رائحة ما يتصاعد منه من الأبخرة لخلو المعدة من الطعام بالصيام، وهي رائحة متكرهة في مشام الناس في الدنيا، لكنها طيبة عند الله، حيث كانت ناشئة عن طاعته، وابتغاء مرضاته، كما ان دم الشهيد، يجيء يوم القيام يثغب دماً، لونه لون الدم، وريحه ريح المسك، وبهذا استدل من كره السواك للصائم، أو لم يستحبه من العلماء، وأول ما علمناه استدل بهذا عطاء بن ابي رباح، وروي عن أبي هريرة رضي الله عنه: انه استدل به، لكن من وجه لا يثبت، وفي المسألة خلاف مشهور بين العلماء وانما كره من كرهه في آخر نهار الصوم، لانه وقت خلو المعدة، وتصاعد الأبخرة.
وفي طيب ريح خلوف الصائم عند الله معنيان: أحدهما: ان الصيام لما كان سراً بين العبد وبين ربه في الدنيا، أظهره الله في الآخرة علانية للخلق، ليشتهر بذلك أهل الصيام، ويعرفون بصيامهم بين الناس جزاء لاخفائهم صيامهم في الدنيا لطائف المعارف 157 158 .
ومما يجب تداركه من مميزات شهر رمضان فيما تبقى منه: تلاوة القرآن، واطعام الطعام، والصلاة والناس نيام,, وأداء حق الصيام بالمحافظة عليه: أمراً بما يجب التمسك به، ونهياً عما يجب على الصائم الابتعاد عنه من الكذب والغيبة والنميمة والبهتان وقول الزور.
فاما تلاوة القرآن فقد كان السلف يتسابقون في هذا ليلاً ونهاراً في شهر رمضان، حفظاً وتلاوة وتجويداً وتدبراً لمعانيه، وفي حديث عبارة بن الصامت رضي الله عنه الطويل: ان القرآن يأتي صاحبه في القبر، فيقول له: انا الذي كنت أسهر ليلك، وأظمئ نهارك، وأمنعك شهوتك، وسمعك وبصرك، فستجدني من الاخلاء: خليل صدق، ثم يصعد فيسأل له فراشاً ودثاراً، فيؤمر له بفراش من الجنة، وقنديل من الجنة، وياسمين من الجنة، ثم يدفع القرآن في قبلة القبر، فيوسع عليه ما شاء الله من ذلك، قال ابن سعود رضي الله عنه: ينبغي لقارئ القرآن، ان يعرف بليله اذا الناس نائمون، ونهاره اذا الناس يفطرون، وببكائه اذا الناس يضحكون، وبورعه اذا الناس يخلطون، وبصحته اذا الناس يخوضون، وبخشوعه اذا الناس يختالون، وبحزنه إذا الناس يفرحون.
وأما اطعام الطعام فذلك بالحرص على تفطير الصائمين، لأن من فطر صائماً ولو على جرعة من ماء فله مثل أجره من غير أن ينقص من أجر الصائم شيء، وقد فهم هذا المدلول كثير من علماء المسلمين، فصاروا يؤثرون بطعامهم من جاء إليهم سائلاً على أنفسهم، فقد جاء سائل إلى الإمام أحمد فدفع إليه رغيفين كان يعدهما لفطره، ثم طوى وأصبح صائماً لانه لا يملك غيرها، وكان عبدالله بن المبارك رحمه الله: يطعم اخوانه وهم معه في السفر الحلوى بألوانها، وهو صائم، ويأتي فضل اطعام الطعام في رمضان لأن بعض الناس يكونون مشغولين بصيامهم عن مكاسبهم فيكون للطعام الذي يقدم لهم مكاناً في نفوسهم، واعانة لهم على صيامهم.
اما الاكثار من الصلاة والناس نيام، فذلك بالقيام مع الإمام حتى ينصرف الإمام من صلاته لما ورد ان من قام مع امامه حتى ينصرف كتب له قيام ليلة,, وقد روي عن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه انه قال: قام النبي صلى الله عليه وسلم بهم ليلة ثلاث وعشرين إلى ثلث الليل، وليلة خمس وعشرين إلى نصف الليل، فقالوا: لو نفلتنا بقية ليلتنا فقال: ان الرجل اذا صلى مع الامام، حتى ينصرف كتب له بقية ليلته,, خرجه اهل السنن، وحسنه الترمذي، وهذا يدل على أن قيام ثلث الليل، ونصفه وخاصة في العشر الأواخر، التي يختم بها رمضان، يكتب له قيام ليلة لكن مع الإمام,, وكان الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله يأخذ بهذا الحديث، ويصلي مع الإمام حتى ينصرف ولا ينصرف حتى ينصرف الإمام.
وأما أداء حق الصيام، فذلك بحفظ اللسان وحفظ البطن وحفظ الفرج,, فيحفظ اللسان عن الغيبة والنميمة وقول الزور، لأن أكثر ما يكب الناس في النار، حصائد ألسنتهم كما جاء في حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه، وقصة المرأتين اللتين كادتا تموتان عطشاً وجوعاً فأخبر عنهما رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأمر باحضار وعاء وأمرهما ان سقيا فيه فقاءتا دماً ولحماً عبيطا حتى امتلأ الإناء منهما,, وقال عليه الصلاة والسلام: لقد صامتا عما أباح الله وافطرتا على ما حرم الله,, وما أكثر ما يتساهل الناس في هذا الأمر، ويحسبونه هيناً وهو أمر قد عظمه رسول الله صلى الله عليه وسلم لانه يبطل الصيام، ويذهب أجره.
وحفظ البطن عن أكل الحرام، لأن الله لا يستجيب دعوته، كما جاء في حديث الأشعث الأغبر الذي يمد يديه إلى السماء يدعو ربه، وهو في السفر ومظنة اجابة الدعوة، ويقول: يا رب يا رب,, فأخبر صلى الله عليه وسلم باستفهام انكاري عن كيفية الاجابة له وقد تلبس بالحرام,, في مطعمه وملبسه وتغذيته,.
وحفظ الفرج عن الوقوع في المحرمات، مما يجب معه الابتعاد عن مسبباته ودواعيه، وعدم التساهل في نهار رمضان في اتصال الرجل بزوجته، فرغم انها حلال له إلا أنه يجب عليه اجتنابها، مثلما يجتنب الطعام والشراب.
وعدو الله ابليس حريص على أن يسول للإنسان ويفسد عليه عباداته,, لكنه ذليل مع العبد الصادق في ايمانه، الحريص على تقوية علاقته بخالقه: عبادة في أوقاتها، ومدافعه لأهواء النفس، ومكايد الشيطان، وذكراً لله واستغفاراً, فالإنسان مع عدو الله في مجاهدة مستمرة، وفي زمن الطاعات اكثر,, ولذا يجب الإكثار من الاستغفار.
قال الحسن البصري: قال ابليس سولت لأمة محمد المعاصي، فقطعوا ظهري بالاستغفار، فسولت لهم ذنوباً لا يستغفرون منها، يعني الأهواء، ولا يزال ابليس، يرى في مواسم المغفرة، والعتق من النار ما يسوؤه فيوم عرفة لا يرى أصغر ولا أحقر ولا أدحر فيه منه، لما يرى من تنزل الرحمة، وتجاوز الله عن الذنوب العظام، إلا ما رؤي يوم بدر، وروي انه لما رأى نزول المغفرة للأمة في حجة الوداع، يوم النحر بالمزدلفة أهوى يحثو على رأسه التراب، ويدعو بالويل والثبور، فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم مما رأى من جزع الخبيث,, كما انه اذا رأى المسلم يتلو القرآن، ثم مر بآية فيها أمر بالسجود، فخر ساجداً يقول ابليس: يا ويلاه أمرت بالسجود فامتنعت وأمر ابن آدم بالسجود فأطاع وسجد,.
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا دخلت العشر الأواخر من رمضان، شد المئزر وايقظ أهله، وكل صغير وكبير من أجل الصلاة، واغتنام الأجر فيما بقي من هذا الشهر، حيث ترتجأ ليلة القدر.
تلك الليلة التي قال عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم: من قام ليلة القدر ايماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه وفي المسند عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه، ان النبي صلى الله عليه وسلم قال: من قامها ابتغاءها، ثم وقعت له غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر .
فهذه الليلة التي هي خير من ألف شهر، من حرمها وغيرها فقد حرم، قال الإمام أحمد رحمه الله فيها: بلغني ان رسول الله صلى الله عليه وسلم أري أعمار الناس قبله، أو ما شاء الله من ذلك، فكأنه تقاصر اعمار أمته، أن لا يبلغوا من العمل، الذي بلغه غيرهم، في طول العمر، فأعطاه الله عز وجل ليلة القدر، وجعلها من خصوصية أمة محمد صلى الله عليه وسلم، خيراً من ألف شهر، وروي عن مجاهد ان النبي صلى الله عليه وسلم ذكر رجلاً من بني اسرائيل، لبس السلاح يجاهد في سبيل الله ألف شهر، فعجب المسلمون في ذلك، فأنزل الله هذه السورة: ليلة القدر خير من ألف شهر الذي لبس فيها ذلك الرجل وقيل انه يوشع بن نون السلاح في سبيل الله ألف شهر,, قال النخعي: العمل فيها خير من العمل في ألف شهر,.
ولما سئل الضحاك رحمه الله: عن الحائض والنفساء، والمسافر والنائم، هل لهم في ليلة القدر نصيب؟! قال نعم كل من تقبل الله عمله، سيعطيه نصيبه من ليلة القدر، والمعول في العبادة والعمل على النية الصادقة والاخلاص في العمل المؤدى لا بالحضور وسهر الليل، وبحضور القلب عند أداء العبادة، لا بعمل الابدان مع القلب الغافل,, فقد جاء في الحديث: كم من قائم ليس له من قيامه إلا التعب والسهر، وكم من صائم ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش، لكن كل فرد في المجتمع الإسلامي يجب عليه الاجتهاد في العمل، والحرص على الامتثال واغتنام الفرص، وحضور القلب في العبادة، والخشوع في أدائها، والندم على ما سبق من التقصير، والتوبة من الخطأ والزلل، ألم يقل سبحانه وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداعي إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون (البقرة 186).
وفيما تبقى من رمضان ميدان واسع للعمل، وتدارك التقصير، فقد روى مسلم في صحيحه، حديثاً عن ليلة القدر، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: التمسوها في العشر الأواخر، فإن ضعف أحدكم أو عجز فلا يغلبن عن السبع البواقي .
وجاء في حديث أبي بكرة أنه قال عن ليلة القدر: ما أنا بملتمسها لشيء سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلا في العشر الأواخر، فإني سمعته يقول: التمسوها في تسع يبقين، أو سبع يبقين، أو خمس يبقين، أو ثلاث يبقين، أو آخر ليلة، وكان أبو بكرة رضي الله عنه: يصلي في العشرين من رمضان كصلاته في سائر السنة، فإذا دخلت العشر اجتهد ثم بعد ذلك أمر بطلبها في السبع الأواخر.
وقد اختلف الناس في ليلة القدر اختلافاً كثيراً، فقيل ليلة سبع وعشرين، وقيل ليلة تسع وعشرين، وقال الجمهور هي منحصرة في العشر الأواخر,, واختلفوا في أي ليالي العشر أرجى، فحكي أنها تطلب في جميع ليالي العشر أشفاعه وأوتاره، قال بذلك مالك والحسن وبعض الحنابلة، والدليل عمل قول النبي صلى الله عليه وسلم: التمسوها في تاسعة تبقى أو سابعة تبقى، أو خامسة تبقى، على تقدير كمال الشهر فتكون في الشفع، وان حمل على ما بقي منه حقيقة كان الأمر موقوفاً على كمال الشهر، فلا يعلم قبله، فان كان تاماً كانت الليالي المأمور بطلبها بها إشفاعا، وان كان ناقصاً كانت أوتاراً، فيوجب ذلك الاجتهاد في القيام في كل الليالي: الشفع والوتر,, وقال الأكثرون: بل بعض لياليه أرجى من بعض,, وان من حرص المسلم الا تفوت منه بقية الفرصة المتبقية من رمضان، لأن من أدلج ظفر وأدرك ما يريده,, وقد جاء في حديث ابن عباس رضي الله عنه المرفوع: لله في كل ليلة من شهر رمضان عند الافطار، ألف ألف عتيق من النار، كلهم قد استوجبوا النار فإذا كان آخر ليلة ظفر وأدرك ما يريده,, وقد جاء في حديث ابن عباس رضي الله عنه المرفوع: لله في كل ليلة من شهر رمضان عند الافطار الف الف عتيق من النار، كلهم قد استوجبوا النار فإذا كان آخر ليلة من شهر رمضان، اعتق الله في ذلك اليوم بعدد ما اعتق من أول الشهر إلى آخره، ولذا يجب اغتنام هذه الفرصة التي ان ضيعها الإنسان خسر خسارة لا تعوض.
وإنما كان يوم الفطر من رمضان عيداً لجميع الأمة، لأنه تعتق فيه أهل الكبائر من الصالحين من النار، فيلتحق فيه المذنبون بالأبرار، كما أن يوم النحر هو العيد الأكبر، لان قبله يوم عرفة وهو اليوم الذي لا يرى في يوم من الدنيا أكثر عتقاً من النار منه، فمن اعتق من النار في اليومين فله يوم عيد، ومن فاته العتق في اليومين فله يوم وعيد لطائف المعارف ص 202 .
وأد البنات:
ذكر الله سبحانه وأد البنات عند الجاهليين في سورة التكوير، وقال بعض المفسرين انهم يئدونها خوف العار، أو مخافة أن تشاركهم المطعم والمشرب، ومع هذا فإنه يوجد من العرب في الجاهلين من لا يقوم بهذا العمل، فقد ذكر المبرد في كتابه الكامل: ان صعصعة بن ناجيه، لما أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلم، قال: يا رسول الله اني كنت أعمل عملاً في الجاهلية، أفينفعني ذلك اليوم، قال وما عملك؟ قال: اضللت ناقتين عشراوين، فركبت جملاً، ومضيت في طلبهما، فرفع لي بيت حريد فقصدته فإذا شيخ جالس بفناء الدار، فسألته عن الناقتين؟ فقال: ما نارهما؟ فقلت: ميسم بني دارم، فقال: هما عندي وقد أحيا الله بهما قوماً من أهلك من مضر، فجلست معه لتخرجا إلي فإذا عجوز قد خرجت من كسر البيت، فقال لها: ما وضعت، فإن سقبا شاركنا في أموالنا، وان كانت حائلاً وأدناها، فقالت العجوز: وضعت انثى فقلت: اتبيعها؟ قال: وهل تبيع العرب أولادها، قلت: انما اشتري منك حياتها، ولا أشتري رقها، قال: فبكم؟ قلت: احتكم، قال: بالناقتين والجمل، قلت: ذاك لك على أن يبلغني الجمل واياها.
قال: ففعل، فآمنت بك يا رسول الله، وقد صارت لي سنة في العرب، على أن اشتري كل موؤودة بناقتين عشراوين وجمل، فعندي إلى هذه الغاية ثمانون ومائتا مؤودة فقد أنقذتها.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا ينفعك ذلك، لأنك لم تبتغ به وجه الله، وان تعمل في اسلامك عملاً صالحاً تثب عليه .
وذكر ان النعمان غزا تميماً لما منعوه الاتاوة، وهي الأديان، حيث وجه لهم أخاه الريان بن المنذر، فاستاق النعم وسبى الذراري، فأتاه القوم، وسألوه النساء، فقال النعمان: كل امرأة اختارت أباها ردت إليه، وان اختارت صاحبها تركت عليه، فكلهن اختارت أباها، إلا ابنة لقيس بن عاصم، فإنها اختارت صاحبها عمرو بن المشمرج، فنذر قيس بن عاصم، ان لا تولد له بنت إلا قتلها.
ويقول من وأد فعلناه أنفة، وقد أكذب الله قولهم هذا، بما أنزل سبحانه في القرآن الكريم، وقال ابن عباس رضي الله عنهما في تأويل قوله تعالى: وإذا الموؤودة سئلت بأي ذنب قتلت (التكوير 8 9 وكانوا لا يورثون ولا يتخذون الا من طاعن بالرمح، ومنع الحريم، يريد الذكران,, ولم يكن الوأد في العرب كلها، وانما كان في الجاهلية في تميم بن مر ثم استفاض في جيرانهم وقال قوم آخرون بل كان: في تميم وقيس وأسد وهذيل وبكر بن وائل، ولذا دعا رسول الله على مضر (الكامل: 1:287 289).
|
|
|
|
|