| الثقافية
حيوية ونشاط وفرح وسعادة لا توصف يمتلكها سعد وفهد وزياد وعماد هذا الصباح الجميل,, عندما قرأوا اسماءهم في اللائحة الملصقة على بوابة المدرسة ضمن الطلبة الناجحين بتفوق,, فرحوا فرحاً جماً وكادوا أن يطيروا من الفرح حتى ان فهد لم يستطع أن يتمالك نفسه فانسابت دموع الفرح من عينيه,, مرت الأيام وهم في أسعد حال وراحة بال,, لا يوجد شيء يكدر صفو سعادتهم سوى شبح الفراغ الذي تملكهم خلال الاجازة الصيفية,, وأخيراً يقررون بأن يقضوا على هذا الفراغ القاتل,, فاتفقوا جميعاً بالقيام برحلة ونزهة استكشافية الى قرية مهجورة هجرها أناس قدامى كانوا يقطنون بها قبل مئات السنين، وكان هدفهم من هذه الرحلة التعرف على حياة الأجداد سابقاً.
وفي صباح يوم جميل مشرق بالآمال، اتجهوا الى تلك القرية التي تبعد عن مدينتهم ما يقارب 150كلم مصطحبين معهم مستلزمات الرحلة من خيام ومواد غذائية وكاميرات تصوير,, النهار يعلن عن قرب رحيله، والليل بدأ يرخي سدوله وها هم يقتربون من القرية شيئاً فشيئاً حتى وصلوا اليها أخيراً,, دخلوها وتجولوا بها قليلاً، منظرها كان مخيفاً جداً ومما زاد الخوف لديهم سكون الليل والهدوء الصامت الذي عم أرجاء هذه القرية.
سعد: كم أتعجب من هذه القرية,, يسودها صمت رهيب,, اعتقد انه لا وقت لدينا للنزول الآن.
زياد: لماذا؟ هل أنت خائف؟!
سعد: لم أقصد,, كنت أقصد انه لا وقت للنزول في هذا الليل الموحش لشد الخيام,, فعلينا النوم هذه الليلة في السيارة,, وغداً صباحاً نفعل ما نريد.
عماد: صدقت يا سعد، النعاس غلبني يجب أن نأخذ قسطاً من الراحة بعد رحلة طويلة شاقة.
فهد: لكم ما أردتم.
وبعد ساعة كاملة غرق الجميع في سبات عميق ما عدا فهد وسعد فدار بينهما حوار طويل حول حياة الأجداد في الماضي في هذه القرية، وأثناء الحديث,, سمعا صوتاً غريباً ومخيفاً يصدر بالقرب منهم.
سعد والخوف يأسره: يا الهي ما هذا الصوت الغريب! أسمعت ما أسمع؟!
فهد: سمعت,, ربما انه صوت بوم أو خفاش فهناك العديد من الطيور والحيوانات تظهر ليلاً,, وهذا أمر طبيعي فنحن نتواجد في قرية محاطة بأشجار كثيرة,, فلابد من سماع مثل هذه الأصوات، دع عنك الوساوس ولا تخف,
وقبل أن يستطرد فهد حديثه انبعث ضوء كالنار من ناحية الصوت مر من بين الأشجار بسرعة البرق ثم اختفى! .
سعد وفي حالة ذهول تام: يا الهي ما هذا الضوء الذي مر بسرعة البرق من بين الأشجار,, هل رأيت؟!
فهد ولأول مرة ينتابه الخوف: سمعت وليتني لم أسمع!,, ورأيت وليتني لم أر! ما الذي يجري هنا، لابد ان هناك مفاجأة مخيفة في هذه القرية كانت بانتظارنا,, فهذه أول ليلة وربما الليالي القادمة تظهر مفاجأة أخرى وتتضح الأمور.
وبينما فهد يتحدث دق جرس تلفونه المحمول، وكانت المفاجأة المدوية حينما فوجىء فهد على الطرف الآخر من المكالمة بصوت يهمس له قائلاً: ما الذي أتى بكم هنا,, اخرجوا من هذه القرية,, وفجأة انقطع الخط,,!
سعد: لماذا تنظر اليَّ هكذا,, ما بك,, أخبرني من المتصل؟
فهد: لا أعلم,, لكنه قال اخرجوا من هذه القرية,, وانقطع الخط!
سعد: أكاد أجن وأفقد أعصابي,, لقد نفد صبري هيا نرحل من هذه القرية المشؤومة,, ماذا تنتظر؟
عندها قرروا الهروب من القرية,, ولكن هناك مفاجأة أخرى لم تكن بالحسبان,, السيارة لا تعمل اطلاقاً,, حاول فهد صاحب السيارة عدة مرات تشغيلها لكن لا أمل في ذلك .
سعد وقد انهار تماماً: يا الهي ما هذا التغير المفاجىء الذي حل بنا,, لقد حاصرنا الخوف من كل جانب.
فهد: يمكن لأي شيء أن يتغير وهذا الذي لم نكن نتوقعه اطلاقاً.
ساد صمت رهيب بين الاثنين وما هي الا لحظات حتى غرقا في نوم عميق دون أن يشعرا بذلك .
وفي صبيحة اليوم التالي استيقظ فهد وسعد على ضحكات زياد وعماد اللذين استيقظا باكراً وجهزا الخيام والافطار.
زياد مخاطباً فهد وسعد: صباح الخير,, هيا استيقظا، الافطار جاهز.
اجتمع الكل على الافطار، عندها تحدث فهد وسعد بما جرى لهما من أحداث مخيفة في أول ليلة فتصاعدت ضحكات زياد وعماد اللذين لم يصدقا ما حصل.
فقال زياد بكل ثقة: لقد استيقظنا باكراً هذا الصباح وتجولنا في هذه القرية كثيراً، وقمنا بتصوير العديد من المناظر التراثية,, ولم يحدث معنا ما حدث لكم.
عماد: يبدو انكم منذ البداية لا تريدون المجيء الى هنا، فاخترعتم تلك الأحداث الوهمية وتمثلتم بالخوف لكي نذهب الى ديارنا.
قاطعه فهد قائلاً: اذا كنتم لا تصدقون فابقوا هنا هذه الليلة، أما أنا وسعد فسوف نذهب الى أهالينا.
سعد: لا وقت للمشاجرة الآن,, فلنبدأ باصلاح السيارة هذا هو الأهم.
اتجهوا جميعاً الى السيارة وحاولوا اصلاحها عدة مرات لكن لا جدوى، فتجولوا بالقرية قليلاً لعلهم يجدون مساعدة من أحد قبل حلول الظلام، وأثناء تجوالهم فاذا بسعد يصرخ وينادي قائلاً:
سعد: يا الهي,, لقد وجدت شيئا مخيفاً,, هلا أتيتم؟!
فهد: ماذا هناك؟!!
سعد: انظروا ماذا وجدت تحت هذه الشجرة، ملابس ممزقة عليها بقع من الدماء.
عماد مندهشاً: ما هذا المنظر المزري.
زياد: لقد كنتم صادقين بما حدث لكم في الليلة الماضية,, لنخرج من هنا قبل أن يحل الظلام.
سعد: أعتقد ان وجودنا هنا غير مرغوب فيه,, لنرحل من هنا حالاً.
فهد: ولكن كيف؟ فالسيارة تعطلت وتلفوني المحمول لا يعمل منذ هذا الصباح، ولا أعرف ما هو السبب لقد حاولت مراراً وتكراراً الاتصال لكن دون جدوى، ولا يوجد في هذه القرية ما يدل على وجود أناس هنا، لقد تجولنا فيها كثيراً ولم نجد أحداً على الاطلاق نطلب منه المساعدة.
عماد: يجب أن التقط صوراً لهذا المنظر المخيف قبل أن نذهب.
سعد: هيا,, ماذا تنتظرون,, لنتجه الى السيارة ونحاول في اصلاحها لعلها تعمل هذه المرة.
اتجهوا الى سيارتهم التي تركوها بعيدة عنهم فبرغم المسافة الطويلة التي بينها وبينهم لم يصلوا اليها الا قبل حلول الظلام ببضع دقائق,, وهناك كانت المفاجأة الكبرى التي لم تخطر ببال أحد منهم,, السيارة ليست موجودة لقد اختفت !
فهد مندهشاً وبصوت عال: أين سيارتي,, أنا متأكد انها هنا,, أين اختفت؟! من الذي أخذها؟!
لم يستطع فهد أن يكمل حديثه فاستلقى على الشجرة التي خلفه فبكى بكاء مراً وهو يردد: يا الهي ما الذي يجري بحقنا .
زياد: لقد اختطفت، وشخص ما قام باختطافها,, لكن من هو يا ترى؟! ياله من جبان.
سعد والدموع تنهمر بغزارة: لقد انتهت حياتنا,, يجب أن نستسلم لواقعنا كما تستسلم الشياه لذئب جائع.
عماد: دعونا نفكر قليلاً اننا في مأزق كبير وخطر، يجب أن نفعل شيئاً,, فقد حل الظلام ولن يفيدنا البكاء.
وبينما فهد يفكر بحل فجأة وبدون مقدمات دق جرس تليفونه المحمول,, فاندهش الجميع والكل ينظر لوجه الآخر بدهشة واستغراب ويتساءل كيف عادت الروح لهذا التلفون بعدما كان متعطلاً تماماً ؟!
سعد: لنرى من المتصل لعله أحد من الأهل أو الأصحاب يريد الاطمئنان علينا.
فهد: حاضر,, سأرى من المتصل,, نعم,,
واذا بصوت مخيف قائلاً وبكل ثقة: اني أترك لكم الخيار الآن,, الحياة أو الموت، وقطع الخط .
فهد وقد فقد اعصابه: آلو,, آلو,, من المتحدث، أجب يا جبان,, آه لقد تعطل التلفون مرة أخرى.
سعد: أخبرنا من المتصل، وماذا قال لك؟!
فهد: لا أعرف من هو، لكنه يهددنا كما هددنا في الليلة الماضية ويقول أترك لكم الخيار، الحياة أو الموت، انه لحدث في غاية الغرابة، من هذا الشخص؟ وماذا يريد منا؟! وكيف حصل على رقم التلفون؟!!
زياد: لابد ان المتحدث هو الذي قام باختطاف السيارة,, آه لو أمسكت به لأقطعنه ارباً ارباً.
وقبل ان يكمل زياد حديثه فاذا بأصوات مخيفة تتعالى من القرية وبالقرب منهم .
عماد وبكل خوف: ما هذه الأصوات,, ماذا أسمع؟!
زياد: شيء غريب يحدث هنا,, اسمع الصوت ولكني لا أرى شيئا.
سعد: هيا بنا نهرب,, ماذا تنظرون؟!
هربوا جميعهم والخوف يمتلكهم ويحاصرهم من كل جانب,, وفجأة ظهر بصيص الأمل الذي خفف من خوفهم قليلاً واستبشروا خيراً عندما وجدوا سيارتهم أمام مقبرة مخيفة تتوسط هذه القرية,, انطلقوا مسرعين باتجاه السيارة, وعندما ركبوا لفت نظرهم عبارة مخيفة كتبت ببقع من الدماء على الزجاج الأمامي وتقول هذه العبارة: سأعطيكم مهلة كافية للخروج من هنا حتى طلوع الشمس,, والا فالموت بانتظاركم.
أرادوا الهروب لكن السيارة ما زالت متعطلة وغير قابلة للعمل,, فارتفع صدى صراخهم في جميع أنحاء القرية مخلفاً وراءه مصيراً مخيفاً ينتظرهم.
وفي هذه اللحظة استيقظ فهد من منامه على صوت المنبه المزعج فزعاً خائفاً، وبعد أن مسح عرقه واسترد أنفاسه استلقى على فراشه وهو يقول: يا الهي ما هذا الحلم المخيف، الحمد لله انه كان حلما لا حقيقة.
واذا بأمه تدخل عليه قائلة: ما بك يا بني,, لم تصرخ؟
فهد: لا شيء يا امي,, فقد كان كابوساً مخيفاً,, لقد حلمت حلماً مخيفاً جداً أيقظني من منامي!
الأم: استعذ بالله ولا تخف يابني ان هذه الأحلام لا مكان لها على أرض الواقع، هيا انهض واغتسل حال ما أجهز لك الافطار,, فلم يبق سوى نصف ساعة على توزيع الشهادات.
وعندما استيقظ فهد من فراشه، فاذا بجرس تليفونه الجوال يرن,, فتوقف لبضع دقائق ينظر لتلفونه نظرات خوف واستغراب ثم مد يده ببطء وتردد باتجاه التلفون، وهنا كانت المفاجأة الحقيقية عندما فوجىء فهد على الطرف الآخر من المكالمة بصوت غريب لأول مرة يسمعه.
قائلاً: مبروك النجاح يا فهد,, ثم ضحك قليلاً وقال: ربما يتحول حلمك الى أرض الواقع في يوم من الأيام,, وفجأة انقطع الخط,, .
فهد عبدالله الراجحي البكيرية
|
|
|
|
|