| أفاق اسلامية
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
هذا الحديث أخص به الناس الذين خرجت عاطفتهم وحماسهم عن الحد الشرعي فأعانوا بحسن نية على زيادة الجراح والتفرق في الأمة، ان الشائعات والاخبار المكذوبة تلك الآفة التي تسري في الناس فتقلب الحق باطلاً والباطل حقاً، وتجعل الميت حياً وتنقل الحي الى عالم الاموات، فكم من خبر كاذب شاع بين الناس ولاكته السنتهم ومصدره أفاك اثيم أو صحيفة سيارة او اذاعة مضللة او غير ذلك من الجهات القائمة على البهتان والافتراء والسخرية بعقول الاخرين وما أكثر الناس الذين يروون اخباراً فإذا سألتهم من اين لكم هذه الاخبار وعمن رويتموها؟؟ اسقط في ايديهم او تلعثمت السنتهم وتباطأت كلماتهم ولم يتفوهوا بجواب مقنع حتى لأنفسهم لأنهم في الحقيقة لم يأخذوا من مصادر دقيقة، بل مجرد اوهام تجمعت من هنا وهناك,, ان نقل الاخبار وتبليغها فن دقيق لا يحسن الخوض في غماره الا قلة من الناس اذ يحتاج الى فطنة وتيقظ ثم الى تثبت وحفظ ثم الى امانة.
ان الشائعات بمعناها الاصطلاحي: عبارة عن اقوال او اخبار او احاديث يختلقها البعض لأغراض خبيثة ويتناقلها الناس بحسن نية دون التثبت من صحتها او التحقق من صدقها.
وتتولد الإشاعة عادة من خلال احدى ثلاث حالات:
1 من ايجاد خبر لا أساس له من الصحة.
2 من تلفيق خبر لجزء منه نصيب من الصحة.
3 من المبالغة الجسيمة في نقل خبر ينطوي على بعض العناصر الصحيحة.
هذا وقد يصبح المرء الصالح مطية يروج بعض الاخبار الشائعة المكذوبة من حيث لا يدري فهو يتقبل الاخبار أيا كان مصدرها بدون وعي ولا نظر ولقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من اشاعة اخبار لم يتثبت صدقها من كذبها, فعن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان الله حرم عليكم عقوق الامهات، ووأد البنات، ومنعاً وهات وكرّه لكم قيل وقال وكثرة السؤال واضاعة المال اخرجه البخاري ومسلم,وعن ابي هريرة رضي الله عنه قال ,, قال رسول الله صلى الله عليه وسلمكفى بالمرء اثما ان يحدث بكل ما سمع رواه ابو داود باسناد صحيح, افيجوز بعد هذا كله ان يكون الانسان أذناً يسمع من كل احد دون تأن وتثبت, افيجوز ان ينتقص العلماء والعباد والوعاظ لمجرد اقوال الوشاة ممن لا يخافون الله عز وجل او لا يعرفون بالتحري والتثبت والعدالة.
ان الاسباب التي تؤدي إلى انتشار الشائعات كثيرة منها فصاحة قول المشيع وحسن منطقه ولهذا قال الله عز وجل في وصف المنافقينوإذا رأيتهم تعجبك اجسامهم وان يقولوا تسمع لقولهم ومن اسباب انتشارها: كون المشيع ممن تميل اليه النفوس اما بسبب الصحبة او التحزب او التمشيخ او غيرها، فلا يتأكد السامع من الخبر وقد يكون موضوع الاشاعة ينطوي على شيء من الأهمية بالنسبة للمتحدث والمستمع وتروج الاشاعات في المجتمعات ويكون الدافع لها هو الفضول وهذا هو حال اغلب المروجين لها فان الكثير من هؤلاء فتون بأن يصغي الناس لحديثه وقد يكون قصد المشيع للخبر الشماتة بصاحبه وقد يكون لقطع اوقات المجلس بذكرها واحيانا يكون بدافع النصح لذلك المشاع عنه ولاشك ان هذا خطأ كبير.
ولاشك ان هذه الامة تمتلك ولله الحمد والمنة اعظم منهاج في تنقيح الاخبار والمرويات فلقد جاء الامر بالتثبت في قبول الاخبار في آية عظمى من كتاب الله قال الله تعالىيا أيها الذين آمنو ان جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا ان تصيبو قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين قال العلامة السعدي رحمه الله تعالى: فأمر سبحانه بالتثبت واخبر بالاضرار المترتبة على عدم التثبت وان من تثبت لم يندم واشار الى أن الميزان في ذلك قوله تعالىان تصيبوا قوماً بجهالة ومن كان غير ذلك فهو الاحمق الطائش الذي ماله الا الندامة، واحوج الناس الى هذا الامر: الولاة على اختلاف مراتبهم وطبقاتهم واهل العلم على تفاوت درجاتهم وذلك يحتاج الى اجتهاد وتمرين للنفس وتوطين لها على ملازمة التثبت مع الاستعانة بالله, الفتاوي السعدية.
ومن الامور الخفية التي قد يغفل عنها بعض الافاضل الاقتصار على عدالة الناقل وامانته دون النظر الى اتقانه وضبطه وكلاهما في غاية الاهمية ولهذا قال الامام مالك رحمه الله ان هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذونه لقد ادركت سبعين ممن يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عند هذه الاعمدة واشار الى المسجد فما اخذت عنهم شيئاً وان احدهم لو اؤتمن على بيت مال لكان امينا الا انهم لم يكونوا من اهل هذا الشأن.
وبالطبع ان من افضل الطرق لدفع الشائعات عدم الاستعجال في قبولها وعدم ترديدها مع تذكير ناقلها بالله وتحذيره من القول بلا علم ومن الطرق ايضاً عدم اظهار التعجب والاهتمام عند سماعها كفيلة بوأدها في مهدها واخماد ذكرها والله المستعان، ومصادر الاشاعات الكذب.
وان من اقبح الكذب الكذب في العلم كما يفعل بعض الناس بنقل فتاوى اهل العلم بدون ضبط لها او تأكد منها وفي هذا جناية عظيمة واضلال للناس.
|
|
|
|
|