| مقـالات
الشخصية هي جملة السمات الجسمية والانفعالية والاجتماعية التي تميز الشخص عن غيره, ولكن متى تبدأ شخصية الطفل بالتكوّن؟ إنه سؤال يثير حيرة الكثيرين إذ يرى بعض العلماء ان الطفل يبدأ بسؤال نفسه منذ المراحل الاولى من حياته التي يطلب فيها الطعام أو يبحث عن حنان أمه: كيف ستكون له شخصية قوية؟
وقد تعترض الآباء الكثير من المتاعب اثناء تربيتهم لأطفالهم وخاصة عندما يتم الطفل عامه الثاني، وتدور أكثر المتاعب حول الأكل والشرب والتدريب على التبول والتبرز ومحاولة تدريبه على السلوك الصحيح وقد يكون الطفل من النوع الذي يسبب المتاعب في هذه الأمور كلها او بعضها وعندما يدخل الاهل في معركة ما مع طفلهم فإنه يحاول ان يعاند بصورة مبالغ فيها حتى ينتقم لجرح كرامته, ويظل يعلن ثورات الغضب من وقت لآخر أو يحاول أن يكون حاد المزاج أو يعلن أنه خائف بصورة قد تزعج الأهل, ومما يزيد من خطر هذه الألوان من المقاومة ان الأهل يشعرون بالتعب والضيق أمام تصرفات هذا الطفل, وعلى الرغم من ان الأهل متفهمون لواجباتهم تماما ويبذلون كل جهد واهتمام بالطفل إلا انهم يشعرون بالذنب تجاه طفلهم من شدة التوتر والضيق ويريدون إنهاء الحرب معه, السؤال الذي يطرح نفسه الآن هو: هل هنالك ما يؤكد ان ملامح الشخصية الانسانية تتحدد عندما يصل الطفل إلى عامه الثاني أو عندما ينهي عامه الثالث؟
يرى بعض علماء التربية انه ليس هنالك ما يؤكد ان ملامح الشخصية الانسانية تتحدد في خطوط واضحة عندما يصل الطفل إلى عامه الثاني او عندما ينهي عامه الثالث، فهنالك طفل هادىء وبشوش ويظل قادرا على الاحتفاظ بحب الناس لسنوات عديدة, وهنالك طفل آخر يمتلىء بالغيرة ويلج بشكل دائم لتحقيق مطالبه وتبدو عنده الرغبة في الاستقلال عن الآخرين منذ البداية, وهنالك طفل ثالث شديد الحذر يحاول ان يعرف تفاصيل ما هو مقبل عليه ولا يحاول ان يفعل شيئا جديدا إلا بعد التأكد من قدرته على النجاح, هنالك طفل يتميز بالاندفاع والاقتحام ولا يبالي بأي خطر, انه شجاع إلى درجة الحماقة، مقدام دائما ويملك روح المغامرة ويشعر بمنتهى السعادة كلما كانت المغامرة جديدة, وقد نجد طفلا في الثالثة من العمر يتصف بالاتزان والثقة بالنفس في اي موقف بينما نجد طفلا آخر يصيبه الجزع والخوف والجبن لاقل مغامرة مثيرة وقد نجد طفلا اجتماعيا حلو المعشر يتقبله الناس بحب ويكون في الوقت نفسه شقيق له مختلفا عنه تماما ويهرب من الناس ويخاف الغرباء ويصاب بالاكتئاب لمجرد وجوده وسط جماعة من الناس في الوقت الذي يستطيع فيه هذا الطفل الهارب من الناس ان يختار اصدقاء له لكنه يحب ان يلتقي بكل واحد بمفرده، لانه لايشعر وسطهم بالراحة, ويشعر بالسرور عندما يكون وحيدا وقد تمر خمس سنوات وهذه الصفات والعادات موجودة لدى هؤلاء الاطفال ولكنها قد تتغير بعد ذلك, ومما يدعونا إلى التفكير هو: هل هذه الصفات تولد مع الطفل ام يكتسبها من البيئة المحيطة به؟ والحقيقة ليست هنالك اجابة نهائية عن هذا السؤال ولكن هنالك دراسات وأبحاث حول هذا السؤال, ولكنها قليلة وتتناول بعضا من الموضوعات العامة من أمثال الحيوية الزائدة والهدوء والانطواء والجرأة والتردد والحذر والشجاعة, وهي صفات تنمو باستمرار في مراحل النمو لكن من الصعوبة بمكان ان نقيم الدليل أو البرهان بأن هذه الصفات كانت موجودة من لحظة الميلاد، فالطفل الحديث الولادة ليست له مظاهر سلوك ممكن ان تتضح من خلالها شخصيته، فهو في الاسابيع الاولى ينام، يصرخ، يرضع ويناغي,,, الخ.
أما ان يصرخ بعنف أو برقة فهذا يعتمد طبعا على مدى جوعه ولكن الشيء الذي يجب ان نؤمن به إيمانا قاطعا ان العادات الاجتماعية المحدودة جدا مثل الطيبة والخبث والأمانة وتحمل المسؤولية او التهاون في القيام بالواجب كل ذلك من العادات التي لا تعد موروثة على الاطلاق إنما يتعلمها الطفل ويكتسبها خلال خبرات الحياة, وهذه العادات الاجتماعية مختلفة تماما عن المزاج الذي يولد به الطفل.
وقد يصاب الطفل بالقلق في نهاية عامه الثاني أو الثالث ولكن ليس معنى ذلك ان شخصيته لن يصيبها التغير فيما بعد, إن الحقيقة التي نعرفها جميعا هي ان الانسان يتغير من وقت لآخر ولا أحد يتجمد في قالب محدد, والواضح جدا في فترات الطفولة الاولى هو ان الطفل لا يحتفظ بنفس الشخصية لفترة طويلة، فهنالك مراحل ينمو فيها ويتطور ويتحرك ويحتك بالمجتمع, وهو في حركته هذه قد يهتز من الداخل وقد تؤثر فيه الظروف المحيطة به من الخارج, ولهذا فإن شخصية الطفل تظل في رحلة كأنها القارب الذي يسير على سطح من المياه الهادئة.
إلا أن الطفل يسعى إلى الاستقلال في الفترة الواقعة ما بين عامه الاول وعامه الثالث, ويبدأ باعطاء مؤشرات لذلك من خلال تمرده وعناده أحيانا والتعبير عن قوة إرادته ثم تهبط هذه الموجة من التمرد والعناد لتبدأ مرحلة من الطاعة والهدوء والاقتناع, وبعد ان يمر العام الثالث فإن الطفل يبدأ بمحاولة التشبه بوالديه وتبدو بصمة الاب واضحة على الصبي وتصبح الفتاة مرآة لأمها, إن التقليد والرغبة في تقمص شخصية الكبار يعدلان في شخصيات الاطفال ولكن بنسب مختلفة ترتفع في بعض الحالات وتقل في حالات اخرى, ولكن حينما تبدأ مرحلة المراهقة يرفض ان يكون المراهق نسخة لابيه ويقلد اصدقاءه وكذلك الفتاة, ومما سبق نرى ان شخصية الطفل لا يمكن ان تستقر وتستمر كأي لوحة رسمها فنان وعلقت على الجدار بل تحدث فيها الكثير من التغيرات والتجددات والاضافات, والمسألة متوقفة على آلاف المؤثرات التي يتأثر بها الطفل اثناء مراحل نموه.
د, سلوى مرتضى
|
|
|
|
|