| مقـالات
اعترف بأنه قبل اكثر من ربع قرن استهواني أدب الرحلات وان كان محدودا اذكر من اشهر من كتب في الرحلات في ذلك الحين انيس منصور في كتابه الشهير حول العالم في 200 يوم اذ شدتنا مشاهداته وملاحظاته وحول حياة الشعوب التي زارها في آسياو افريقيا بالذات وكانت بالنسبة لنا غريبة وعجيبة تلك العادات التي سجلها بحس الصحفي ولقطاته البارعة من اجل ان ينقلنا الى عمق الواقع الذي شاهده فيثير فينا التساؤل والتفكير حول تلك الخرافات التي تمارسها بعض الشعوب في هذه الدنيا نحن ايضا اندفعنا في السنوات الأخيرة إلى خارج الحدود بدافع الرغبة في الاستكشاف لولا ان نساءنا توقفن عند الواجهات التي تعرض بضائع جديدة عليهن او يصعب عليهن الحصول عليها بسهولة لغلاء اثمانها قبل توفر المادة التي اوجدتها مراحل القفزة الاقتصادية مما جعلهن في العودة يكتنزن شتى البضائع في حقائبهن المتعددة الاحجام ومع انحسار تلك المرحلة فان اكثر النساء ما زلن لا يعترفن بالشح المالي لدى الرجال وهذا له جانب نبتعد عنه في هذه المشاركة للرغبة في التركيز على مردود الرحلات ثقافيا واجتماعيا اذ ان شبابنا استمرأهم ايضا ركوب الطائرات حتى قبل تكون اسرة مستقرة لهم مندفعين خلف مظاهر المرح فتراهم في اماكن عامة مثل المقاهي يعبرون عن ارتياحهم عند سماع الموسيقى او الغناء بتحريك اعضائهم ورؤوسهم دليل الانسجام مع ادوات الطرب والحالة النفسية التي يعيشونها ومن البديهي ان لكل شعب من شعوب العالم طريقة للتعبير عن سروره مع اوقات المرح والرقص من اكثر حالات التعبير وان اختلفت الوسيلة فقد يكون الرقص مصحوبا باستعمال ادوات العنف كالاسلحة الخفية او المبارزة الجسدية.
على ان الرحلات لا تتوقف عند التكدس في المقاهي والكازينوهات انما لها جوانب ايجابية كما يفعل الغربيون الذين يدخرون الاموال طوال حياتهم للظفر برحلة حول العالم او المناطق السياحية التي يختارونها ثم يسجلونها كحصيلة طوال حياتهم ومتعة السفر هي في مشاهدة ما لم تألفه من الاماكن والعادات لا سيما الاطلاع على التراث الانساني الذي خلفته الاجيال الماضية وليس التركيز على اماكن اللهو ولعل المبدعين اكثر الناس حاجة الى تنمية مواهبهم بالاطلاع على ذلك التراث الانساني مشاهدة وليس قراءة فقط باعتبار الابداع موهبة تتناهى بالصقل المعرفي ولهذا فان المبدعين يحسدون رجال الصحافة الذين تقضي منهم التجوال في اقطار العالم وراء الحدث والاحداث لولا ان اهتمامهم ينصب على التحليل السياسي وليس الفني والثقافي الذي هو هاجس المبدعين باعتبار الثقافة ارث انساني ينتقل من مجتمع الى آخر عبر الاجيال وربما يعتبر الكاتب اورنست همنغواي اكثر الروائيين احتكاكا بالاحداث لانه اكتشف بأن موهبته الروائية تحتاج الى صقل تتيحها رحلاته المتعددة الى شعوب العالم رغم ان روايته الشيخ والبحر تعد من عيون الادب الواقعي ذات الطابع المأسوي عندما صور احاسيس ذلك الصياد في عرض البحر وهو يجابه شراسة اسماك القرش التي هاجمت صيده الثمين في البحر الذي هو عبارة عن سمكة ضخمة فنهشت لحمها ولم يتبق له منها سوى هيكلها العظمي في نهاية المطاف كما لا ننسى رائعة فكتور هيجو في سجن البؤساء الباستيل عندما صور معاناة السجناء والتي انتهت بقيام الثورة الفرنسية التي اطاحت بحكم الكنيسة وهاهو المبدع الكولومبي ماركيز الحاصل على جائزة نوبل للآداب ينتقل من مكان الى آخر بحثا ليس وراء الاثارة انما يصور خلجات الآخرين في المجتمعات الانسانية التي تتحكم فيها القوى الظالمة المسيطرة على مقدراتها وهكذا فان الابداع الخالد هو الذي يركز على معاناة الشعوب في شتى بقاع العالم وصولا الى المحلية فالتجسيد.
لا ينبغي ان يتفرغل في الخيال بعيدا عن الواقعية وان واكبتها الرومانسية المطلوبة كضرورة فنية.
|
|
|
|
|