| الاقتصادية
* حوار:د, زيد بن محمد الرماني
طغت الأنظمة الرأسمالية على النمط الاستهلاكي العالمي، فقد أصبح الفرد شخصية مستهدفة تجاريا في ظل المنظومة الاقتصادية التي باتت من أبرز ملامحها المعاصرة الاستقلالية والذاتية الى النرجسية والأنانية، نهمة للشراء، مندفعة وراء الجديد من السلع في حالة من الادمان مسلوب الارادة أمام هذه المغريات وللأسف بات واضحا ان هذا الأسلوب الغربي هو الأسلوب القدوة الذي ينشده غالبية الناس كتعبير عن مستوى تحضرهم فكريا وسلوكيا.
الدكتور زيد بن محمد الرماني عضو هيئة التدريس بجامعة الامام محمد بن سعود في حوار مع الدكتور عبدالرحمن بن محمد عسيري الأستاذ المشارك بقسم الاجتماع بجامعة الامام محمد بن سعود الإسلامية حول الموضوع مبيناً حيثياته وخلفيات مضامينه وفيما يلي نص الحوار:
* في بداية هذا الحوار نود أن توضحوا المقصود من النمط الاستهلاكي من وجهة نظر اجتماعية؟
نعم, لعل من أهم الصفات التي أفرزتها الحضارة ما يعرف بالنمط الاستهلاكي, حيث أصبح الفرد عبدا لشهواته ورغباته, فلا يستطيع كبح جماحها، ولا الوفاء باحتياجاتها المتزايدة.
وذلك بعكس الشخصية الاستهلاكية القروية، إذ القروي العادي والبدوي القانع يرضى من العيش بالكفاف، غالبا والضروري في مأكله ومشربه.
بيد انه ومع اتساع انتشار النمط الغربي في المعيشة في معظم أنحاء العالم الإسلامي أو ما يمكن ان يطلق عليه Westernization كأسلوب للتحضر، وURbanization أصبح الأسلوب الغربي هو الأسلوب القدوة الذي ينشده غالبية الناس، كتعبير عن مستوى تحضرهم فكريا وسلوكيا.
* يا ترى: ما هي مرتكزات المنهج الغربي المعاصر وموقفه من النمط الاستهلاكي؟
يعتمد الاسلوب الغربي بشكل مباشر على الرأسمالية المادية الاقتصادية، والانسان في ظل ذلك النظام لا يعدو كونه فأرا للتجارب، للمصانع التجارية ذات الأهداف الاقتصادية البحتة بكل المعايير, لذا، تتسابق المصانع من شتى الفئات لتسويق منتجاتها، وإغراء المستهلكين لشرائها وتملكها، غير آبهين بالأضرار الصحية أو الاجتماعية أو الاقتصادية التي قد تسببها بعض تلك السلع.
* نحن يا سعادة الدكتور في حاجة إلى أمثلة؟
مصانع السيارات، على سبيل المثال، أصبحت تنتج آلاف السيارات الكرتونية، التي لا يتجاوز عمرها الافتراضي أربعة اعوام، مما يجعلها لا تعدو كونها قبراً متنقلا، يدفع ثمنه الفرد برضى تام, ومن يبقى على قيد الحياة، فإنه بلا شك سوف يقوم باصلاح ذلك القبر المتنقل بكل مدخراته، أو جزء كبير منها.
* ماذا عن مصانع الأطعمة والمشروبات؟
تتسابق مصانع الأطعمة والمشروبات، من جانبها، في تقديم، للأسف، سمومها المزخرفة خارجيا، المليئة بالكيماويات والمواد الحافظة والملونة والمسرطنة داخليا، ليلتهمها الناس في شره ونهم، ومن ثم تبدأ رحلاتهم اليومية للعلاج والاستطباب فتبدأ المستشفيات الأهلية، في استفراغ الجيوب والإجهاض على ما تبقى في المخابئ.
* وماذا عن أسواق الأثاث والأدوات المنزلية؟
أسواق الأثاث وأدوات المنزل لا تختلف عن سابقتيها, بل لقد أصبحت بيوت الكثير منا لا تعدو كونها حوانيت لبيع الأثاث، تزدحم غرف المنازل وردهاته بالعديد من قطع الأثاث التي استهلكت جزءا كبيرا من ميزانية الأسرة دون الحاجة الى جزء كبير منها.
والأدهى من ذلك ان الكثير من الأسر تقوم بتجديد ذلك الأثاث سنويا تقريبا.
* وماذا عن دور وسائل الاعلام في ذلك؟
يفترض أن وسائل الاعلام خاصة البرامج التليفزيونية والاذاعية تقوم بدور الترفيه والتثقيف والتوعية, بيد أن لغة التجارة سيطرت على تلك الوسائل، فأصبحت البرامج التلفزيونية تمول من قبل التجار, ولذا، فهي لا تخدم سوى مصالحهم، أو الدعاية لسلعهم، حتى أصبح أطفالنا في سنوات عمرهم الغضة يتغنون بتلك السلعة أو ذلك المصنع, ولا يعرفون من الحياة سوى كيفية الحصول على مثل تلك السلع التي يشاهدونها يومياً وتدغدغ أحلامهم الغضة البريئة.
* بعد هذا لنا أن نتساءل عن موقع الفرد في ظل النموذج الغربي؟!
إذا نظرنا الى الأسلوب الغربي في المعيشة الذي فرضته علينا الحضارة الغربية الحديثة، نجد أن الفرد هو محور الاهتمام، والفردية هي الغاية، ولذا، فالفرد لا يفكر إلا في راحته شخصيا، مما يجعله يصرف الغالي والنفيس في سبيل الحصول على كل ما يريد، دون أن يفكر في أخيه الذي يعاني الفاقة والجوع والمرض.
* ولنا ان نتساءل عن مدى تأثر المجتمعات الإسلامية المعاصرة بالأسلوب الغربي المادي؟
إن الفرد المسلم في عالم الرأسمالية الحديثة أصبح يستهلك أكثر مما يحتاج شاء ذلك أم أبى، فقد أصبح معظم الناس مسلوبي الارادة أمام مغريات الحياة الحديثة.
وأصبح الفرد متمحورا حول ذاته وشهواته غير عابئ باخوانه الفقراء المحتاجين، والذي لو تصدق بجزء يسير مما يصرفه على أمور ثانوية جدا لما كان في العالم الإسلامي محتاج أو فقير.
وللأسف، فقد أصبح أطفالنا ينشؤون منذ نعومة أظفارهم على الاستقلالية والتمركز حول الذات.
فمنذ أن يولد الطفل يصبح محل اهتمام الأسرة حيث تُنشئه على أن لا يهتم بشيء آخر سوى بذاته، ومن بعد دراسته ومستقبله، وهذا مكمن الخطر والخطأ.
فبدلا من أن يكون الطفل في مجتمعنا المسلم عضواً فاعلاً مساهماً في مساعدة أسرته، نجد الأسرة جميعها من أب وأم وإخوة خدما لذلك الطفل لمساعدته في تحقيق ذاته ومستقبله.
فيا ترى ما النتيجة لذلك، ان النتيجة واضحة حيث ينشأ هذا الطفل جحودا منكرا لكل القيم، أنانيا لا يفكر إلا في نفسه ولا يهتم بسواها، لا يتوانى عن إزاحة أي شيء من طريقه أو من يقف عقبة في تحقيق مراده.
هذه أبرز ملامح الشخصية الاستهلاكية المعاصرة: استقلالية، ذاتية، نفعية، نرجسية، أنانية، ناكرة للجميل والمعروف، نهمة، شرائية، اندفاعية، بل ربما يصل صاحبها الى حالة أشبه بالادمان، فالانهيار.
ختاماً فإني أقول ان النمط الاستهلاكي الذي أفرزته الحضارة الحديثة ليست إلا جزءا من النظام الاقتصادي الغربي الذي جعل المادة كل شيء ومن أجلها تكون التضحية بكل شيء، ومن ثم، فعلى إخواني الحذر من هذه الشخصية ومن ذلك النمط!!.
|
|
|
|
|