| مقـالات
أكثر من 40 الف سنة مرت من الزمن على بدء أول خطوة، عندما شهدت الأرض المباركة بداية حياة البشر أجمع, صورة من تعاقب القرون وشهادات من التاريخ,, الشاهد الحقيقي، الباقي لآثار الحضارات تزيدنا فخاراً ومجداً,, ويبقى الأثر يصل الماضي بالحاضر جيلاً بعد آخر, وشاهداً على أجيال وتاريخ سحيق وقريب, الآثار إذن برهان على سعي عبر التاريخ لصناعة التقدم والرقي,, وكفاح الإنسان ضد عوامل الزمن والطبيعة!!
والإنسان منذ ذلك التاريخ الموغل في القِدم صانع المجد والحضارة, كان له في هذه البقعة الخالدة صراعات وملاحم تركت تراثاً بالغ الأثر، يزداد مع الأيام تقدم الزمن عظمة وخلوداً.
وإذا كانت الحضارات العديدة قد تعاقبت على المكان,, فإن الآثار التاريخية تحفظ للزمن والأجيال آثاراً تحكي ما شهدته من نهضة وعمران,, (ليس فقط فيما تناقله الرواة والمؤرخون,, ولكن فيما لا يزال شاهداً يتحدى العدم).
في تراثنا الثقافي وآثارنا ومعالمنا التاريخية صور تروي للأجيال ملحمة كفاح إنساني نبيل,, ونماذج بطلها أجدادنا الأُول,, الى ان وصل الى عناية سعودية خاصة بطلها الإنسان السعودي قيادة وشعباً.
وندلف باباء التاريخ الى القيمة الحضارية التي تمثلها المملكة العربية السعودية، إنها في الحقيقة تعود الى أزمان موغلة في القدم,, ضاربة بجذورها في أعماق التاريخ,, ولاشك ان رموزنا السعوديين، حكام المملكة، قد أولوا عناية كبيرة بشأن هذه الشواهد, والصفحات الباقية للتاريخ المضيء، ولقد أولتها حكومة خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده الأمين اهتماماً علمياً خاصاً، انطلق من أسس وخطط تضمن للأجيال القادمة والأمم أجمع حفظ قصة هذا الإنسان وعظمة مجده، والى مثل هذا الاهتمام يشير شيخنا علامة الجزيرة حمد الجاسر حين ذكر في الجزء السابع السنة الثانية محرم 1388ه (نيسان 1968) من مجلة العرب الشهرية الجامعة عن العناية بالآثار التاريخية قائلا:(خطت وزارة معارفنا خطوة سيكون لها أثرها في حياة البلاد الثقافية من الوجهة التاريخية,, فقد اتفقت بعثة الآثار الدنماركية بأن تقوم بالبحث والتنقيب عن الآثار في المنطقة الشرقية لمعرفة الأماكن والمدن القديمة التي يرجع تاريخها الى عصور موغلة في القدم) ويستطرد صاحب مجلة العرب وهو يفصِّل الخبر ستقوم هذه البعثة في هذا العام بما يلي:
البحث عن مدينة (ثاج) الأثرية,, وتحديد موقعها والقيام بدراسة للمنطقة المجاورة لها دراسة وافية.
وفي (تاروت) البلدة الواقعة في الجزيرة المعروفة بهذا الاسم بقرب القطيف، تقوم البعثة بالبحث عن المدينة القديمة التي قامت (تاروت) على انقاضها، والتي يحدد علماء الآثار الألف الثالثة قبل الميلاد لزمن وجودها, وكذلك القيام بدراسة أثرية تامة لمنطقة القطيف عن مدن قديمة كانت موجودة في تلك المنطقة (1) .
وستقوم البعثة بمسح أثري كامل للمنطقة الساحلية الواقعة بين الظهران والعقير لمحاولة العثور على مدينة (الجرعاء) التي كانت من أهم المراكز التجارية بقرب الخليج خلال الألف الأول قبل الميلاد.
لقد تزايدت هذه القيمة سمواً ورفعة عندما خص الله الجزيرة العربية بأن جعلها مهبط الوحي ومهد الديانة الاسلامية السمحة، فانطلقت منها دعوة التوحيد، وزحفت جحافل الإيمان تنشر دين الله في كل مكان، هدى للناس ورحمة، ونوراً يغمر القلوب التي سبق ان اعماها الشرك والإلحاد!!
وقد خلّفت هذه الحضارات التي قامت على أرضنا الخالدة تراثاً غنيا تمثّل في كم هائل من آثار الامم البائدة التي بقيت رغم الزمن شاهداً حياً على آثار هذا الإنسان البنّاء وتوجهه المشهود الى إثراء العلوم لتقدم البشرية.
لقد أثبت المؤرخون أن عمليات الاستيطان البشري في الجزيرة العربية تعود الى عصور ما قبل التاريخ، حيث اتضح اخيرا ان بعض مناطق مستوطنات العصور الحجرية القديمة في شرق وجنوب شرق الجزيرة العربية يرجع تاريخها الى حوالي 40 ألف سنة، وقد أصبح يقيناً ان شرق الجزيرة العربية ساهم مساهمة فعّالة في قيام إحدى الحضارات الأولى للانسان وهي التي ازدهرت في بلاد ما بين الرافدين بجنوب العراق، والمشهورة بحضارة (سومر) ودل على ذلك وجود أطلال المستوطنات المنتشرة في المنطقة الشرقية من المملكة والتي يعود تاريخها الى اكثر من ألف عام سابقة لقيام (سومر)، كما ان ما ذهب اليه عدد من علماء الأجناس البارزين بأن الجزيرة كانت مهد الساميين الأوائل، شاهد آخر يثبت دورها في تكوين حضارات شعوب تلك الأمة في مختلف أرجاء الشرق القديم.
وكانت آثار (القرية) و(العلا) و(تيماء) و(الفاو) محل اهتمام المؤرخين وعلماء الآثار الذين بحثوا اصول الحضارة في كل منها وقرروا بعد تاريخها وعمق نشأتها,, وأن حضارات الدادانيين واللحيانيين والأنباط وغيرهم قد ارتفعت على ما كان قائماً من حضارة وعمران ومدنية.
كما ان النقوش والكتابات التي وجدت في بلدة القريات يرجّح انتماؤها الى القرن الثالث عشر قبل الميلاد,, فقد دلت هذه الكشوف على وجود حصون منيعة وطرق تجارية كانت تسلكها قوافل البخور والصمغ العربية,, وأظهرت الكشوف أن تجارة البخور والأطياب استمرت في العهود الإغريقية والرومانية على أيدي الأنباط الذين عمروا المنطقة التي تعرف اليوم بمدائن صالح وجعلوها مخازن للسلاح والمؤن.
كما كشفت التنقيبات عن وجود مستنقعات ملح كانت قديماً بحيرات مياه عذبة، إذ عثر على ضفافها على أدوات صيد كان يستعملها مرتادو هذه الاماكن، كما عثروا على أوان فخارية شبيهة بالتي عرفت في بلاد ما بين النهرين، وكانت تنتهي الى حضارة العبيد الذين نشروا آثارهم على سواحل الخليج العربي وفي فيافيه الداخلية, وكانت العلا وتيماء محطتين كبيرتين على طريق قوافل البخور.
وقد ازدهرت في شبه الجزيرة العربية ايضا حضارة مدين قوم النبي شعيب، حيث قضى النبي موسى عشر سنين من عمره قبل ان يرسل الى فرعون مصر, وفي العلا قامت حضارة ثمود قوم النبي صالح وآثارها بارزة في مدائن صالح الى اليوم.
ومما يؤكد سلامة هذه التوجهات وسيرها نحو الهدف المنشود، ما ذكره عالم الآثار السعودي المعروف أ,د, د, سعد بن عبدالعزيز الراشد في إطار حديثه عن عالم الحفريات الأثرية العالمي البروفيسور الدكتور جون الكسندر، الاستاذ بجامعة كمبردج ببريطانيا، والذي اجرى اكثر من سبعين حفرية أثرية على مدى أربعين سنة مضت، إذ يقول: (من المهم جدا إجراء الحفريات في المملكة وإبراز آثارها؛ لأنها من اقدم مواطن الاستيطان البشري على الكرة الارضية, وأنه مهما اجريت الدراسات والحفريات في العالم كله فإنها ستظل قاصرة؛ لأن هناك حلقات مهمة لا تزال غير معروفة, ومن أهم هذه الحلقات تاريخ الحضارة في المملكة العربية السعودية, ومن الصعب ان نعطي صورة عن الحضارة البشرية دون أن نعرف تطورها في المملكة وبخاصة في عصور ما قبل التاريخ فالحضارات سلسلة مترابطة الحلقات يكمل بعضها الآخر).
|
|
|
|
|