| أفاق اسلامية
* حوار: فهد بن راشد الغميجان
كان الرسل عليهم الصلاة والسلام في الماضي يدركون ماهية الرسالة النبوية ومدى أهميتها على البشرية والتي من أجلها، أوحى الله اليهم الوحي وأنزل عليهم الكتب, والدعوة الى الله هي الأمانة التي يحملون همها وتعريف الناس والأمم بوحدانيته وربوبيته سبحانه وبيان الحق وارشاد الناس واقامة الحدود ومن هذا المنظور يسرنا أن نوضح المزيد من جوانب هذا الموضوع باللقاء مع فضيلة الشيخ عبدالرحمن بن عبدالله الفريان رئيس الجماعة الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم بمنطقة الرياض، الذي أكد على عظم شأن الدعوة الى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأهمية ذلك من خلال الحوار التالي.
الفرق بين الدعوة والحسبة
** فضيلة الشيخ في البداية نود التعرف على حكم الدعوة الى الله وحكم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهل هما فرض عين على كل مسلم أم هما فرض كفاية ومتى يكونا فرض عين؟
* الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد، أما الدعوة الى الله فهي طريقة الرسل عليهم الصلاة والسلام كما ذكر الله عن كل نبي من الأنبياء انه يقول لقومه في مبدأ دعوته اعبدوا الله ما لكم من إله غيره ، وكذلك نبينا الكريم محمد بن عبدالله عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم يقول الله في حقه: قل هذه سبيلي أدعو الى الله على بصيرة أنا ومن اتبعنِ ، وبوجودهما ينتشر الاسلام وينقمع الباطل والضلال، فتارة يكونا فرض عين اذا عاين المسلم المنكر وهو يقدر على انكاره وتارة يكونا فرض كفاية اذا قام به البعض سقط عن الباقين، وأما تعريف الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فهو: الأمر بكل ما أمر الله به في كتابه وما أمر به رسوله صلى الله عليه وسلم في السنة، وأما المنكر فهو ما نهى الله عنه في كتابه أو نهى عنه نبيه محمد صلى الله عليه وسلم في السنة ومقصود الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أن يكون الدين كله لله وأن تكون كلمة الله هي العليا وقد قال الله تعالى في صفة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث .
حكمهما الوجوب إلا في هذه الحالة
ويستطرد الشيخ الفريان قائلاً: وهما واجبان على كل مسلم قادر اذا رأى المنكر أو سمعه ويكون فرض كفاية اذا وجد بمحضر من الناس وقام البعض به سقط الاثم عن الباقين، وان لم ينكر أحد أثم الكل، والدعوة الى الله فيها أجر عظيم قال صلى الله عليه وسلم فوالله لئن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم والدعوة الى الله تكون بالحسنى وقال تعالى: ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن وتختلف الحسبة عن الدعوة في القدرة ومفهوم القدرة على تغيير المنكر، أما الدعوة فهي بيان الحق ووعظ وارشاد الناس، والأمر بالمعروف لابد أن يصحبه التغيير للمنكر مع القدرة إن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن واقامة الحدود واجبة على ولاة الأمور وذلك يحصل بالعقوبة على ترك الواجبات أو فعل المحرمات مثل عقوبة قذف المحصنات ثمانين جلدة وقطع يد السارق وهناك عقوبات تعزيزية غير مقدرة تختلف مقاديرها وصفاتها بحسب كبر الذنوب وصغرها وبحسب حال المذنب وبحسب حال الذنب في قلته وكثرته وكبره وصغره، والتعزير أجناس فمنه ما يكون بالتوبيخ والزجر بالكلام ومنه ما يكون بالحبس ومنه ما يكون بالنفي عن الوطن ومنه ما يكون بالضرب، ومقدار التعزيز يكون دون أقل الحدود وقد يصل الى القتل على حسب نظر الامام, والدعوة الى الله باختيار والأمر بالمعروف الزام.
صفات وشروط أساسية
** وهل هناك صفات يشترك فيها الداعية والمحتسب وهل هناك صفات ينفرد بها أحدهما؟
* الحمد لله رب العالمين، هناك صفات وشروط لابد من توفرها في الداعية والمحتسب وهي العلم بما يدعو اليه فلا يجوز للجاهل أن يتصدى للدعوة أو للاحتساب وهو جاهل بالشرع, الشرط الثاني: التحلي بالأخلاق الطيبة وبما يدعو اليه فالرسول صلى الله عليه وسلم كان أحسن الناس خلقاً وكان يتصف بصفة الحلم والصبر على أذى الجهلة من الناس وشواهد ذلك كثيرة في سيرته صلى الله عليه وسلم, ثالثاً: التواضع فيجب على الداعية أن يكون متواضعاً بعيداً عن الكبر وقد قال الله تعالى معلماً لرسوله صلى الله عليه وسلم: ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك ولكن المحتسب لابد أن يعرف بقوته في الحق وأن لا يخاف في الله لومة لائم، وأفضل الشهداء رجل قام الى ذي سلطان فأمره ونهاه فقتله فهو شهيد فلابد للمحتسب أن تكون له هيبة حتى يخاف منه العصاة والمخالفون لأمر الله حتى يرتدع الظالم عن ظلمه.
درجات الدعوة
** درجات انكار المنكر تندرج الى ثلاث درجات فهل للدعوة درجات مماثلة لذلك وأين موقع الدعوة من تلك الدرجات؟
* الحمد لله رب العالمين، نعم للدعوة الى الله درجات فيجب على الداعية ان يراعي ظروف المدعوين وما هي حالهم وهل عندك العلم بالأصول الثلاثة والتوحيد والفروض المعينة وفقه العبادات التي لا يعذر المسلم بجهلها مثل الطهارة والصلاة ويجب على الداعية البعد عما يفتن الناس في دينهم ويدخل عليهم الشك قال علي بن ابي طالب رضى الله عنه حدثوا الناس بما يعرفون أتريدون أن يكذب الله ورسوله وكل قوم على حسب حالهم وحسب الأمور التي تهمهم ومن ظهر فيهم بدعة معينة أو أمر معين وجب على الداعية التفصيل فيه وتوضيح الأمور وبيان الحق والدعوة اليه وبيان الباطل والتحذير منه.
أما الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فلابد أن تكون المصلحة فيه راجحة على المفسدة والله لا يحب الفساد بل كل ما أمر الله به فهو صلاح وقد أثنى الله على الصلاح والمصلحين قال تعالى: إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات كانت لهم جنات الفردوس نزلاً وشرط آخر وهو أن لا يحدث بانكار المنكر منكرا أكبر فحينئذ لا يجوز الانكار كما قال تعالى: ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدواً بغير علم فعلى الداعية أن يتقي الله في عباده وليس عليه هداهم وهذا هو معنى قوله تعالى: إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء وهو أعلم بالمهتدين فعلى المسلم أن يقوم بما يجب عليه فاذا قام المسلم بما يجب عليه من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كما قام بغيره من الواجبات لم يضره ضلال الضلال وذلك يكون تارة بالقلب وتارة باللسان وتارة باليد، فأما القلب فيجب بكل حال اذ لا ضرر في فعله ومن لم يفعله فهو على خطر وقال شيخ الاسلام بن تيمية: إن ترك انكار المنكر حتى بالقلب نوع من أنواع الردة ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم وليس وراء ذلك من الايمان حبة خردل وقيل لابن مسعود من ميت الأحياء؟ فقال: الذي لا يعرف معروفاً ولا ينكر منكراً وقد يغلط بعض الناس في تأويل الآية الكريمة وهي قوله تعالى: عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل اذا اهتديتم ويتأول الآية الكريمة كما قال أبوبكر الصديق رضى الله عنه في خطبته أيها الناس انكم تأولون هذه الآية على غير تأويلها، اني سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: إن الناس إذا رأوا المنكر فلم يغيروه أوشك أن يعمهم الله بعقاب منه أما المحتسبون اذا أمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر وأدوا الواجب بالنصيحة لكنه لم ينفع في الناس فحينئذ لا يضرهم ذلك واثمهم عليهم وهذا المعنى صحيح كما يدل عليه صريحاً حديث ابي ثعلبة الخشني قال سألت عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: بل ائتمروا بالمعروف وانهوا عن المنكر حتى اذا رأيت شحاً مطاعاً وهوى متبعاً ودنيا مؤثرة واعجاب كل ذي رأي برأيه ورأيت أمراً لا يدان لك به فعليك بنفسك ودع عنك أمر العوام فان من ورائك أياماً المتمسك بدينه كالقابض على الجمر له أجر خمسين، قالوا: منا أو منهم؟ قال: بل منكم لأنكم لكم أعوان وهو ليس له أعوان .
مهام المحتسب
* ما المهام التي يقوم بها القائم على احدى هاتين الشعيرتين؟
* يقوم الآمر بالمعروف بأمر العامة بالصلوات الخمس في مواقيتها ويعاقب من لم يصل ويتعاهد الأئمة والمؤذنين فمن فرط منهم فيما يجب من حقوق الامامة أو خرج عن الاذان المشروع ألزمه بذلك لأن الصلاة هي عمود الاسلام وأعظم شرائعه، ويأمر المحتسب بالجمعة والجماعات وبصدق الحديث وأداء الأمانة وينهي عن المنكرات من الكذب والخيانة وما يدخل في ذلك من تطفيف المكيال والميزان والغش ومن جملة المنكرات العقود المحرمة كالربا، والميسر، وبيع الغرر ويقوم المحتسب بكسر دنان الخمر وشق ظروفه، وكذلك يقوم المحتسب بمراقبة النساء في الأسواق والأماكن العامة ويأمرهن بالستر والحجاب الشرعي ويمنع الفساق من التحرش بالنساء ويقطع عليهم سبل الفساد.
تقوى الله وصيته للأولين والآخرين
** هل من كلمة أخيرة فضيلة الشيخ للدعاة والمحتسبين؟
* الحمد لله رب العالمين، نعم انني أوصي الجميع ونفسي بتقوى الله التي هي وصية الله لخلقه الأولين والآخرين كما قال تعالى: ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب من قبلكم وإياكم أن اتقوا الله وهي وصية نبينا محمد صلى الله عليه وسلم كما قال في حديث العرباض بن سارية رضي الله عنه لما وعظ أصحابه الموعظة البليغة قالوا: يا رسول الله كأنها موعظة مودع فأوصنا قال: أوصيكم بتقوى الله عز وجل والسمع والطاعة وان تأمر عليكم عبد فانه من يعيش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ واياكم ومحدثات الأمور فان كل بدعة ضلالة وأوصى اخواني بصلاح النية وأن يكون قصد الجميع رضى الله واتباع الشريعة وعلى الجميع التزود من العلم النافع والتعاون مع اخوانه المسلمين والغيرة لدين الله وحسن الخلق مع الناس كما قال الله تعالى: وقولوا للناس حسناً وقال تعالى: وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن .
|
|
|
|
|