| أفاق اسلامية
وظيفة المحتسب من الوظائف القديمة في المجتمع الاسلامي، بل ان بعض المصادر تشير الى ان العرب قد عرفوا هذه الوظيفة في الجاهلية.
كما كان الرسول صلى الله عليه وسلم يأمر الباعة في السوق بتوخي الأمانة وعدم الغش واستعمل سعيد بن العاص بعد الفتح على سوق مكة, واستمرت الوظيفة تتطور في المجتمعات الاسلامية.
وقد أفاضت كتب النظم وخاصة نهاية الرتبة في طلب الحسبة لعبدالرحمن الشيزري ت 589ه ، ومن أخذ عنه مثل ابن الأخوة وكتابه معالم القربة في أحكام الحسبة ت 729ه ، في تناول وظيفة المحتسب، والمهام التي عليه القيام بها، لصيانة المجتمع الاسلامي والحفاظ على الشريعة الاسلامية والحرص على أن تطبق تعاليمها في كافة مجالات الحياة اليومية وذلك عن طريق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهي الدعامة الأساسية لوظيفة المحتسب.
جاء في بعض الكتب التاريخية ذات العلاقة بالاحتساب والمحتسب أن وظيفة صاحب السوق كانت هي التسمية الأولى لوظيفة المحتسب، وسابقة عليها، وقد وجدت وظيفة صاحب السوق في القرنين الثاني والثالث الهجريين، ففي بردية ترجع الى ذلك التاريخ يأتي ذكر صاحب السوق .
واستناداً الى السجلات والوثائق المعاصرة يتضح ان وظيفة المحتسب كانت من الوظائف الدينية التي لا تسند الا لوجوه المسلمين, وكان للمحتسب نواب في الأسواق وجميع الأعمال لمساعدته في أداء وظيفته، التي تتلخص في مراقبة الأسواق وما يمارس فيها من نشاطات من قبل التجار وأرباب الحرف والمعايش.
كما كان يشرف على مراقبة الآداب العامة ومنع تعرض الشباب للنساء، أو اختلاء رجل بامرأة ليست بذات محرم, ويراقب نظافة الأسواق والطرقات والماء الذي يحمله السقاؤون، ومراعاة الرفق بالحيوان ومراقبة المكاييل والموازين وضبط عيارها منعاً للغش، وغير ذلك من الأمور ذات الطابع الديني والاقتصادي والاجتماعي.
ويفهم من بعض الروايات المعاصرة ان المحتسب كان يراقب الأسواق بواسطة مجموعة من العرفاء يطلق عليهم عرفاء الأسواق ، كل عريف منهم خبير بالصنعة التي يشرف على مراقبتها, وكان لكل طائفة من الصناع وأرباب الحرف عريف يشرف على أمورهم، ويشترط منه بجانب الأمانة والصدق، أن يكون على دراية بأمور الطائفة التي يشرف عليها وبما تمارسه من أعمال حرفية أو صناعية, وكان يمكن للعريف أن يمارس النشاط التجاري في السوق مع غيره من أرباب الحرفة التي ينتمي اليها، وفي الوقت نفسه يمارس معهم وظيفته في مراقبتهم,
يقول المقريزي رحمه الله: في كتابه إغاثة الأمة بكشف الغمة : وكان لعريف الخبازين دكان يبيع الخبز بها , وكان العريف اذا لاحظ خروجاً على القواعد المتبعة في السوق في تنظيم عمليات البيع والشراء، أو حدث تدليس أو غش ان استدعى أعوان الحسبة , وكان مهمتهم معاونة المحتسب والعرفاء في تأدية واجباتهم في مراقبة الأسواق وكان المحتسب أو العريف يملك من السلطات ما تخوله فرض العقوبات المالية، ويقوم أعوان الحسبة بمساعدته على التنفيذ بحق المخالفين في الأسواق, كما كان هؤلاء العرفاء لهم صلاحيات خاصة على أبناء حرفتهم، وكانوا بمثابة الواسطة بين أصحاب الحرفة وأجهزة الدولة.
وتذكر المصادر التاريخية وظيفة أمناء السوق ويبدو انهم بمثابة معاونين للمحتسب، اذ كان من صلاحيات المحتسب الوظيفية استخدام النواب عنه في جميع أنحاء الدولة، بحيث يطوف نوابه على أرباب الحرف والمعايش, كما كان المحتسب في الوقت نفسه يوزع وقته في الاشراف على الأسواق، ويطوف نوابه على أرباب الحرف والمعايش، بيد أن بعض الأسواق ونتيجة لكبر حجمها وكثرة نشاطها، كان المحتسب يضطر أن يقيم بها نائباً عنه اقامة دائمة لضبط عمليات التجارة والبيع والشراء.
ومن الجدير بالملاحظة ان الغلاء وارتباك الأسواق واضطرار الدولة ممثلة في المحتسب الى التدخل لضبط الأسعار، كان يتركز آنذاك على سلعة رئيسية هي الحبوب وخاصة القمح الذي يمثل الغذاء الرئيسي لعامة الناس، وكان نقص الغلال يمثل مشكلة خطيرة تلزم تدخل المسؤولين في الدولة لتوفيرها خوفاً من وقوع المجاعات وما يتبعها من الأوبئة، واضطراب حالة الأسواق ووقوع حوادث السلب والنهب من جانب جموع الجائعين.
وأخيراً أقول: ان وظيفة المحتسب مهمة قديماً وحديثاً، وتتأكد في هذا الزمن الذي شاع فيه الغش والتدليس, يقول الدكتور عبدالمنعم سلطان في كتابه الأسواق في العصر الفاطمي : لقد ازدهرت الحياة الاقتصادية وغدت قوافل التجار تروح وتجيء وأقيمت الأسواق العامة بمختلف السلع، كل هذا أدى الى أن يكون للسوق محتسب وللمحتسب وظائف وسلطة، هذا في ما سبق, وتتأكد أهمية المحتسب في هذا العصر الذي اختلط فيه الحلال بالحرام.
د, زيد بن محمد الرماني
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
|
|
|
|
|