| شرفات
مازالت العولمة كظاهرة موضوعاً لكثير من الجدل، فما هي العولمة,,، وما هي أشكالها وأبعادها الاقتصادية والثقافية وهل هي بالفعل شكل من اشكال الرأسمالية أم هي مرحلة حديثة تفوق الرأسمالية، وهل هي شباك الدول المتقدمة للسيطرة على حركة الاقتصاد العالمي، أم هي سفينة نجاة للدول النامية لتلحق بركب التقدم العالمي وتصبح على أعلى مستوى دولي، وهل هي عملية ثقافية لخلق ثقافة امبريالية واحدة مسيطرة أم هي عملية تبادل ثقافات وخبرات متوزانة,,؟، هذه التساؤلات كانت محور المؤتمر الدولي الذي نظمته منظمة التضامن الافريقية الآسيوية بالقاهرة في شهر نوفمبر بعنوان الثقافة في القرن الحادي والعشرين آفاق التجديد واحتمالات التردى: والذي شارك فيه باحثون من كل دول العالم.
العولمة والإنتاج الثقافي
حول العولمة والإنتاج الثقافي تحدث في البداية السيد ياسين مشيرا إلى ان التقدم في الإنتاج الثقافي في جميع دول العالم مع الفارق الواضح بين العالم المتقدم غرباً والدول النامية وبجانب التطور السريع لشبكة المعلومات الكونية واستخدام الاقمار الصناعية في مجالات الاتصالات والحاسبات ساعد على تبادل المعلومات وتعميق التفاهم الدولي الذي من شأنه أن يلغي المصالح الوطنية والثقافية المتباينة، وبالتالي سيادة ثقافة واحدة تصارع كل الثقافات، ومن شأن ذلك ان تهدد المنطقة العربية والثقافة العربية كخصوصية ثقافية وبذلك يجب وضع خطة قومية عربية مع الثقافات الأخرى,وتحدث د, مصطفى عمر الستير استاذ الاجتماع بجامعة الفاتح بليبيا الذي قدم ورقة بعنوان الهوية الثقافية العربية وظاهرتا التحديث وتسارع العولمة تحدث فيها عن التحديث كمرحلة ضمن مراحل تطور المجتمعات البشرية التي ظهرت أولاً في أوروبا ثم انتشرت فيما بعد في مختلف ارجاء العالم وهي بذلك تُعني عملية انتقال من نمط معرفي يعتمد بدرجة كبيرة على احترام التقاليد والافكار القديمة الى نمط معرفي يوظف العقلانية توظيفا واسعا ويستعين بنتائج المعرفة العلمية,ويرى ان العولمة كظاهرة مهدت لما بعد الحداثة كمرحلة حضارية امتدت للاقتصاد والسياسة والثقافة والاجتماع ويضيف ان وجود الشركات ذات الإمكانات المالية الضخمة والتطور السريع في الثقافة وخصوصاً في مجال الاتصالات، سهل الانتقال لتلك المرحلة فقد القى تطور الاتصالات الحدود السياسية واختصر الزمن ووحد نوعية التطلعات ومستوياتها,وعن النتائج السلبية لظاهرتي التحديث وتسارع العولمة على الهوية الثقافية العربية قال د,مصطفى,, ان العولمة خطر يداهم الهوية الثقافية العربية فهي تسمح لرؤوس الاموال والافكار والايديولوجيات بالتنقل والحرية فهي تكريس للسيادة الغربية تحت مظلة جديدة، لذلك فإن العولمة التي يريدها الغرب تحمل في طياتها تكريساً للسيادة الغربية والشرور لبقية شعوب العالم وفي مقدمتهم العرب اصحاب الحضارة العريقة والثقافة الفنية.
العولمة وجه آخر للامبريالية
وحول الثقافة والسلطة تحدث د, بيترجران عن نزيف العقول كمرآة للتأثير الامبريالي على المفاهيم ورأى أن العولمة هو وجه آخر للامبريالية الغربية والسيطرة للرأسمالية والشركات عابرة القارات وقال د,جران: ان نزيف العقول هو تجل مهم للخسارة التي تكبدها العالم الثالث في مواجهة الغرب ولذا فتلك قضية يمكن وضعها ضمن المصطلح السياسي والاقتصادي أو الثقافي أو ضمن الثلاثة مرة واحدة، وهي قضية يمكن تناولها تاريخياً، فالتأكيد أن مشكلة نزيف العقول لم تنشأ في ليلة وضحاها فإذا نظرنا إليها كظاهرة تاريخية تبرز وتخبو في الوقت، ولذلك يمكن لموضوع نزيف العقول ان يدخل كموضوع مهم في تحليل الاقتصاد السياسي لبلد معين، ويزعم ان حل مشكلة نزيف العقول يمكن في تبني سياسة دولة مستنيرة في مواجهة نزيف العقول وجوهر الأمر اذا أنحينا جانب التنمية الاقتصادية الوطنية هو التعليم فحل مشاكل التعليم ونزيف العقول والفهم الصحيح لنقل التكنولوجيا والامبريالية فان ذلك سيذهب بسكرة العولمة آجلاً أو عاجلاً.
تجليات الوفاق العربي
وتقدم د, أحمد صدقي الدجاني المفكر الفلسطيني المعروف بورقة عنوانها ثقافة الديمقراطية ودورها في تحقيق الوفاق السياسي العربي وأكد ان الوفاق العربي كمصطلح جرى استخدامه في أوساط الأمة العربية للتعبير عن حلم الوحدة وهدف التوحيد في المشروع الحضاري العربي ويرى ان ثقافة الديمقراطية تشير الى جانب خاص من الثقافة الشامل بمعنى تعزيز الديمقراطيين من خلال التعريف بقيمها والاعلاء من شأنها ويرى ان أهم تجليات الوفاق السياسي العربي الرسمي ظهر في حرب 1973م.
وقد جاء استجابة لتصاعد تحدي الاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية وبلغ هذا الوفاق ذروته حين تكامل بعده العسكري مع بعده الاقتصادي عند قيام الدول العربية المنتجة للنفط بتخفيض الانتاج ويرى ان عقبات استمرار هذا الوفاق قد تكون داخلية متمثلة في الرواسب التاريخية الناجمة عن تراكمات موروثة بين ابناء المجتمعات العربية مللاً وأقواما وانماط حياة وشرائح اجتماعية ثم الإقليمية كظاهرة والتي تقوى مع تنامي مصالح خاصة تحميها هذه الإقليمية وثالثها أوضاع أجهزة هذه الدولة وبخاصة الأمنية,وهناك عوامل خارجية حيث إن قوى الهيمنة الخارجية في الوقت الذي تدفع فيه شعار الديمقراطية وحقوق الانسان مازالت تمارس سياسات متعارضة معه كل التعارض وتستهدف دعم الاستبداد واثارة الفرقة بين هذه الدول، ويرى أن ثقافة الديمقراطية والشورى وحرية الرأى والتعددية من شأنه أن يخلق ويدعم الوفاق العربي تجاه العقبات الخارجية والداخلية.
العولمة هدفها تحقيق الأرباح
وفي مداخلته أشار د,بربرو جلو من جامعة نيفادا رينو بأمريكا إلى العولمة وصراع الطبقات والتحول الاجتماعي في العالم الثالث مؤكداً أن العولمة لا تمثل مرحلة نوعية جديدة في تطور النظام الرأسمالي وانها الطور المتسارع الكاسح من الرأسمالية الاحتكارية المتطورة العاملة على نطاق العالم.
فهي استمرار للتوسع الرأسمالي عابر القوميات في أرجاء العالم وهكذا فالعولمة تماما مثلما في المراحل المبكرة للرأسمالية يسيرها منطق الفائدة، وقد حددت عدة سمات اقتصادية واجتماعية وسياسية وايديولوجية للعولمة وهي ذاتها سمات الرأسمالية الغربية.
وعن تأثير العولمة يرى ان العولمة هدفها تحويل الكرة الأرضية برمتها لمشروع رأسمالي عملاق يتحكم فيه مباشرة شارع وول ستريت والمراكز الأخرى في العالم الرأسمالي وعمل ذلك بعين الاعتبار لشيء واحد هو الأرباح الا ان التناقضات الملازمة لهذه العملية تخلف حتما مشاكل للنظام العالمي الذي يجري بناؤه وتبرز هذه المشاكل مرة اخرى ومرة أخرى في شكل نزاع طبقي ونضال طبقي، وان هذه التطورات والتطورات الأخرى التي ولدتها عملية العولمة أفضت الى النتيجة الحتمية الآتية: ان التناقضات الكوكبية للاقتصاد السياسي سوف تؤدي إلى زيادة حدة الصراع الطبقي في أرجاء العالم على نحو متصاعد مع مرور الأعوام ومع افحال تطور تحولات راديكالية اجتماعية تعيش الآن فترة المخاض.
الهوية العربية والإسلامية
وحول عولمة الهوية العربية ما بين العرقية والنسبية الثقافية تحدث د, جواد فطاير مؤكد ان العالم في الوقت الحالي ينقسم الى ثقافتين هما الثقافة الشرقية والغربية ونجد ان العالمين العربي والإسلامي يمثلان جزاء كبيراً من الثقافة الشرقية ويرى ان القرن الحادي والعشرين هو المسرح الذي ستبارز فيه الثقافات وغالبا ما تسود فيه الثقافة التي تقوم على الإيمان والتقوى، وبهذا الصدد ليس هناك للهوية العربية أي مكان في العالم اذا ما سلخت نفسها عن ثقافتها الإسلامية الشرقية، التي تعتبر نفسها امتداداً للأديان السماوية الثلاثة وهذا هو الطريق الثالث الذي يتعطش له العالم الآن، فقد يكون للعرب نصيب فيه اذا ما حل العدل والسلام والحرية والعلم والعمل بدلاً من الاستبدال والتعصب والاتكال والقبلية وباعتقادي ان التعصب العربي كان من عوامل زوال الامبراطورية العثمانية الذي دعا الى العروبة فوق الدين وحل ما حل.
الشراكة الثقافية اليورو متوسطية
واستكمالا للشراكة والصراع الثقافي قدم د, محمد السيد سليم بحثاً بعنوان نحو شراكة ثقافية يورو متوسطية قابلة للتطبيق حيث يرى انه تواجه قضية التعاون الثقافي في الشراكة اليورو متوسطية إشكاليات رئيسية ويعد إدراك وتفهم هذه الإشكاليات أمرا جوهرياً من أجل الشروع في التعاون الثقافي الفعال، إذ ان سياسات وبرامج هذا التعاون يجب ان تصحح لمعالجة هذه الإشكاليات وهي ثلاث اشكاليات أولاً: تلك التي تنتمي الى مفاهيم الثقافة والتعاون الثقافي بشكل عام.
ثانياً: المرتبطة بالخصوصيات الثقافية للعالم اليورو متوسطي واخيراً المتعلقة بالظروف الحالية التي برز في ظلها التعاون الثقافي اليورو متوسطي.
ويرى أن مفهوم التعددية الثقافية يتضمن عناصر مختلفة مثل:
انتشار النموذج غير الهيداركي للثقافات على نحو من شأنه اعتبار كل الثقافات متساوية في القيمة والأهمية.
الانخراط في حوار حقيقي بين الثقافات القائمة.
ممارسة استراتيجية غير عنصرية.
اشتراك كافة المجموعات الثقافية في مؤسسات الحوار الثقافي وأن التعددية تعني بشكل رئيسي الاعتراف بالتبادل الثقافي واحترامه والتحرك لإقامة قنوات اتصال بين الثقافات ويرى ان قضية الحوار الثقافي تطرح أربع قضايا فرعية رئيسية هي: الإطار المؤسس للحوار، ودور مجموعات المجتمع المدني في الحوار، إلا ان هناك خلافا كبيرا في العالم اليورو متوسطى حول ادارة الحوار الثقافي، ويجب ان يتجه الحوار الثقافي اليورو متوسطي الى القضايا ذات الاهتمام الرئيسي لكل الفاعلين وعلى أجندة الحوار ان تكون مقبولة لكل الفاعلين ولايجب ان يملك واحد حق الفيتو على طرح أي قضية على أجندة الحوار، وهذا أمر بالغ الاهمية للوقاية من فكرة ان الحوار هو إطار احادي البعد يمكن الشمال من تحديد أجندته وبوسع الحوار ان يشمل قضايا من استراتيجيات تحقيق السلام الإقليمي والتصورات الشمالية والجنوبية للديمقراطية وحقوق الانسان ووعود وحدود الخصخصة الاقتصادية في الجنوب والنزعات العرقية في العالم اليورو متوسطي والصلات بين الاديان.
العولمة والخصوصية
وامتداداً للعولمة الثقافية والخصوصية قدمت دكوم كوم نارياني ورقة بحثية بعنوان العولمة الثقافية والخصوصية القومية باعتبارها ممثلة لمؤتمر نساء كل الهند، أكدت فيها ان العولمة ليست وردية بالقدر الذي يراه المتفائلون حيث إن العولمة بالنسبة إليهم لا تعني التجارة الحرة الكلاسيكية ولكن مزاحمة احتكارات المنتجين في السوق الكوني ومنافسة ضعيفة في عالم يتسم بعدم التكافؤ أو المساواة، وترى ان الثقافة قد غدت في ظل سياسات التفتت والتجزئة اداة قومية للتميز ورفض الآخرين، ان اجندة الثقافة الواحدة هذه يمكنها فقط ان تعني هلاكا واضحا للأمة ومن ثم فإنه يجب علينا من أجل تعزيز العولمة الاقتصادية يجب ان نفكر في العولمة الثقافية أولا .
محمد حسن
|
|
|
|
|