| متابعة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، أما بعد، ف إنا لله وإنا إليه راجعون ، والحمد لله على كل حال,
كم هي الفجيعة بموت العلماء، كم هي الخسارة بذهاب أهل العلم السماوي، أترى الأمة لا تشعر بها، حتى تتالى عليها الفتن والنوازل والوقائع المحيرة؟
سبحان الله,, كم بين وفاة فقيه أهل الحديث والأثر، الإمام العلامة مفتي عام المملكة السابق الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز، وبين وفاة امام الحديث والاثر في هذا العصر، ومجدد السنة في الشام، العلامة الشيخ ناصر الدين الألباني، وبين الشيخ العلامة الفقيه الاصولي صاحب الفهم الدقيق السديد، والتقعيد الفريد، والتعليم المفيد، والورع الذي لم يعتره التبريد,, سبحان الله العظيم، كم بين وفاة هؤلاء النخبة الذين يجمعهم والله تعالى أعلم وصف المجددين، الذين يجددون ما اندرس من الدين، ويحيون ما أميت من السنن، ويبينون الحق من مصادره دون تحريف أو تلبيس، هؤلاء الذين يعلم الله لا نظن بهم إلا التدين لله بإظهار الحق ونشره ما استطاعوا إلى ذلك سبيلا هؤلاء النخبة الذين فقدتهم الاجيال المتأخرة المتعاقبة، حتى أرانا الله إياهم في هذا العصر، ثم لا تكاد تجد من العلماء الربانيين المعاصرين على علمهم وفضلهم من بلغوا في التأثير مبلغ هؤلاء النخبة، وصار له من القبول ما صار لهم، وما نظن إلا انهم صدقوا الله فصدقهم,
سبحان الله العظيم,,, لكأن ما بين وفاة ابن باز وابن عثيمين رحمهما الله كما بين فجر الخميس، ومساء الاربعاء، فلله ما أخذ وله ما أعطى، وكل شيء عنده بأجل مسمى,
رحمك الله يا صاحب الممتع فلكم أمتعت به وفقَّهت، لقد أقرّ الله عينك بتلقف طلبة العلم له، في كل مكان يوجد فيه طالب علم، وليس في الجزيرة فحسب، فلقد رأيت من الدعاة من كان يحضر دروسه منه للمسلمين في ديار الغرب، ويسأل عن الجديد منه، ويصفه بأنه مكتبة في كتاب، كتابٌ من يقرؤه ويسمع بخبر وفاة الشيخ، ربما تحوم في ذهنه التطلعات فيظن ان الفقه بالدليل والتعليل ربما قد توارى، ثم لايشك انه قد انحسر، ف إنا لله وإنا إليه راجعون ,
كيف وقد تساهل قوم في اصدار الفتاوى، والحكم على الاحاديث والآثار بعد موت الشيخين، ابن باز، وناصر الدين الالباني، فهل يقال الآن: ويل للفقه من أدعيائه إن لم يتصد له اهله وأولياؤه؟ ولاسيما في عصر صار يفتي فيه من لم يدرس الشريعة، ولم يعرف مصادرها وطرائق الاستنباط منها وضوابطه، ولم يذق طعم الفقه الشرعي كما هو دون طعوم وشوائب؟! حتى ظن بالفقه ظن السوء، شأن من لم يخالط الايمان بشاشة قلبه، نسأل الله العفو والعافية,
رحمك الله يا فقيه العصر، فلم تكن مجرد فقيه، فأنت من شهد له اهل الفضل بالفضل,, لقد قال لي أحد الافاضل: ما بال سماحة المفتي الشيخ عبدالعزيز آل الشيخ حفظه الله ورعاه يكثر الثناء على الشيخ محمد بن عثيمين، حتى إنه ليكاد يغلو فيه؟! فقلت له: لا يعرف الفضل لأهل الفضل إلا ذووه؟ ووالله لكَم سمعت سماحة شيخنا المفتي حفظه الله يصفه بأوصاف عظيمة، كالدقة في الفهم، والعمق في الفقه، والقدرة على التأصيل والتقعيد، وبيان الضوابط، والزهد,, وغير ذلك ثم يقسم بالله انه ما قال فيه إلا حقا، ولقد صدق والله,
رحم الله الشيخ ابن عثيمين، فلم يكن مجرد فقيه، بل كان معلما محترفا، يحرص على صنع الفقهاء في حلقات العلم والدروس، التي يلقيها في مسجده، لمن يحضرها من طلاب العلم من أهل البلد، ولمن يستضيف منهم، من أنحاء البلاد الاسلامية وغيرها، في السكن الخاص المعروف بجوار مسجده، ومن ثم يفرغهم لطلب العلم، حتى ينفروا في انحاء الارض ينشرون العلم الشرعي ويدعون إليه، ويفقهون الناس بل إن من ابناء الامة من يحرص على دروس الشيخ رحمه الله في رمضان وغيره من المواسم، في الحرم المكي، فيشد الرحال إليه من الجزيرة وخارجها، مهما كلفه ذلك من ثمن، بل إن الشيخ ليلقي دروسا خارج المملكة من بيته ومسجده، تنقل مباشرة، مفيداً من تطور المواصلات، ووسائل الاتصال الحديثة,
ولعلي أختم بدرس مهم من دروس التربية التي نحن طلاب العلم أحوج ما نكون إليها ذلك ان الشيخ رحمه الله كان لا يقبل ان يُذكر أحد من الناس أمامه بسوء، وكان يرفض الإجابة في دروسه، على الاسئلة التي تذكر فيها على وجه الاعتراض أسماء أشخاص من العلماء والدعاة المعاصرين، ويؤكد على السائل: ألم أقل لك اسأل ولا تذكر اسماء أشخاص؟ إذن لن أجيب على سؤالك, رحمك الله! لكأننا نرى بعض من يصفهم الذهبي رحمه الله من أتقياء العلماء الاعلام في سيره,
وأخيراً : نشهد الله أننا نحب هذا الشيخ، فما علمناه إلا عالما معلماً، وناصحاً مبيناً، وما علمناه من أهل الدنيا، فإن شككت، فاسأل نفسك: أتجد عند استذكارك لهذا العالم الجليل اي تلازم بين استذكارك له وبين الدنيا؟ أما أنا فلا والله لا أجد شيئا من ذلك,
الله ارحم الشيخ ابن عثيمين وانفعنا بعلمه، وحسن تعليمه وتعلمه,
وصل اللهم على عبدك ورسولك محمد الذي بلغ الامانة وأدى الرسالة ونصح للأمة وجاهد في الله حق جهاده فتركنا على المحجة البيضاء، ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا هالك وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا,
سعد بن مطر المرشدي العتيبي
|
|
|
|
|