| متابعة
سبحانك اللهم من جعلت الموت نهاية لكل حي لم يستثن منه الأنبياء والمرسلون ولا الصالحون ولا الملوك واصحاب المناصب جنائز مواكب تتوالى فوق الأكتاف إلى حفر ضيقة بالكاد تتسع للقادمين إليها ويتبارى الحاملون والمحبون المشيعون في حثي التراب كل يحاول أخذ دوره في ذلك ويبقى بعد ذلك ثلاثة أشياء أهمها يذهب معه وهو العمل ويبقى اثنان ماله والذكر فالمال يتقاسمه الورثة حلالاً عليهم كل بحقه وحسابه على المورث إن كان حلالا أو حراما أما الذكر فيبقى مشاعاً وخالداً إن كان حسناً لكل الأجيال أو خاملاً منسياً إن كان غير ذلك وخير مثل على الأول هو رحيل العلماء الأجلاء الذين ضربوا أروع المثل علما وتعليما وتواضعاً كما هي صفة فقيدنا فضيلة الشيخ محمد بن صالح بن العثيمين الذي غادر هذه الدنيا الفانية في يوم الاربعاء الموافق 15/10/1421ه وشيخنا رحمه الله كان من أبرز تلاميذ العلامة الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي الذي رأى في تلميذه النجابة والصلاح فأبرزه ليكون خليفة له في منبر جامع عنيزة الذي توالى الصالحون في الوقوف عليه خطابة ووعظا وإرشاداً وتميزوا بذلك حتى ضرب المثل القائل (حظ منبر عنيزة) ففي العصر الحديث من صالح العثمان القاضي قاضي عنيزة الشهير بالحكمة والعقل والذكاء إلى الشيخ عبدالرحمن بن سعدي إلى الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين حتى اصبح مركز إشعاع اهتدى به الكثيرون ففقيدنا رحمه الله تولى الإمامة والخطابة منذ خمسة وأربعين عاما منذ أن توفي الشيخ عبدالرحمن السعدي رحمه الله في منتصف عام 1376ه وحتى أقعده المرض ففقيدنا الراحل الشيخ محمد رحمه الله أقعده جسماً ولم يقعده فكراً وعلماً وقد حرصت القيادة وفقها الله على صحة الفقيد بتقديم كافة الوسائل بحثا عن علاجه في أرقى المستشفيات في العالم في داخل المملكة وخارجها ولم تبخل عليه بتحقيق ما يريد وحين اشتد عليه المرض وضعته في المكان المناسب تحت الرعاية الطبية الفائقة ولمعرفتهم بعلاقته الحميمة بتلاميذه ومحبيه على كافة مستوياتهم اتاحت لهم الفرصة لزيارته في وقت محدد وكان يأنس بزائريه على كثرتهم واختلاف مستوياتهم بحضور ذهني عجيب وجسم ضعيف لافت للنظر وحينما حل رمضان ورأوا أن الشيخ رحمه الله يود لو أتيحت له الفرصة لأداء ما اعتاد عليه في كل عام وهو إلقاء الدروس في المسجد الحرام تحت هذه العناية المستمرة حيث أتيحت له فرصة إلقاء الدروس والرد على الأسئلة حتى قرت عينه ورضيت نفسه بذلك وكان رحمه الله يتأسى بذلك المجاهد الذي أوصى ان استشهد أن يربط على فرسه وأن تساق إلى أبعد مكان ليدفن فيه مجاهداً.
كان رحمه الله بسيطا في تعامله يرد على سؤال الكبير والصغير والقوي والضعيف سواء كان رجلاً أو امرأة وكان يلقي دروسه بأسلوب عجيب يتجه إلى قلب السامع قبل أذنه وكان يكره في سامعيه عدم التركيز أو الانشغال بأمور أخرى غير الدرس وذلك بمفاجأتهم بقوله (ما قلنا؟) أو سؤال لهم عن مادة كان يشرحها حتى ان من يخشى ذلك يحرص أن يكون مستمعاً بعيدا حتى لا يعتريه شيء من التفكير في غير الدرس ويتعرض للإحراج من الشيخ وكان أكره ما يكره النفاق أو المبالغة في السلام عليه أو الثناء عليه في حضوره وكان جم التواضع مع الصغار فقد دعاه أحد الأفاضل في مدينة الرياض وهو مريض قبل أن يقعده المرض وكنت أحد الحضور وحين دخل إلى بيت الداعي كان في استقباله جميع أطفال صاحب المنزل وأقاربه عند الباب فقضى وقتا في السلام عليهم ومداعبتهم وحين أخذ مكانه في المجلس توالت عليه الأسئلة والمناقشة فكان يرد على الجميع بصدر رحب لا يستفزه أي سؤال أو طلب دليل على فتوى اللهم لا حول ولا قوة إلا بك وإنا لك وإليك راجعون فقد توالى رحيل العلماء فقبله بوقت ليس بالطويل رحل العالم الزاهد الشيخ عبدالعزيز بن باز اللهم ارحمهم جميعا واجمعنا بهم في دار كرامتك وعوض المسلمين عنهم ما لخسارة عظيمة وإنا لله وإنا إليه راجعون ولا نعزي فيهم أسرهم وأقاربهم فقط وإنما نعزي جميع المسلمين في هذه المعمورة,.
وصلى الله على نبينا محمد,.
حمد بن عبدالله الصغير
|
|
|
|
|