| متابعة
** كان الصبيُّ واقفاً أمام باب منزله يشاهد الغادي والرائح ، وينتظر أذان المغرب ليذهب إلى مسجد الحارة .
** لمح الشيخ قادماً فبادر بالسلام عليه فردّ بأحسنَ منها، ولم يتردد الصبيُّ الذي لم يتجاوز عامه الثاني عشر أن يدعوَ الشيخ للتفضلِ إلى منزلهم بكلمةٍ ظنَّها دون معنى ,, فحملت أجمل المعاني,.
** استجاب الشيخ داعياً للصبي، وهُرِع هذا إلى والدته حفظها الله فالشيخُ في المجلس ، ووالده حفظه الله وهو أحد تلاميذ الشيخ سابقاً وزميله في التدريس بالمعهد العلمي حينها غير موجود في المنزل، وأذان المغرب قريب، والمسافة بين القرعاوية حيث سكن الصبي، والمجلس حيث الجامع الكبير بعيدة بقياسات الأقدام التي ظلّ الشيخ محافظاً على استعمالها في تنقلاته,,!
** ظلت الصورةُ ماثلةً في ذهنهِ، فهذه القامةُ الممتدة لا تأنفُ من الجلوس إلى صبيٍ ومحاورته حول دراسته، وتوجهاتهِ القرائية المبكرة ثم الاستئذانِ منه لإمامة الناس في جامع عنيزة !.
** التحق الصبيُّ بالمعهد العلمي، وسعد بالعمل تحت إشرافه في الإذاعة المدرسية والندوات الثقافية، ثم درّسه في الصف الثالث المتوسط باب البيع من كتاب زاد المستقنِع ، وتذكر دقّته في التصحيح التي تجعله يعطي الفتى في إحدى اختبارات مادته أجزاءً من اثنين وثلاثين جزءاً من الدرجة، ويُعلِّق على خط الفتى العجيب بجملة لم ينسها حتى هذه اللحظة :
احذر أذيال النّون والدال
وحذرهما ولكنه استبدل بهما أذيالاً أخرى لا يزال قارئو خطِّه يتوقفون عندها,.
** كان الشيخ يزور طلابه في المعهد العلمي بعد أن انتقلوا إلى الرياض للدراسة الجامعية، ويشاركهم في بيوت العزبة غداءهم وعشاءهم وأحاديثهم، ويتفقدُ العائدين منهم خلال إجازات التوقف الدراسي، ويزور المرضى منهم،وظلوا رغم تفرق السبّل بهم أوفياءَ لذكرِه مُجمعين على شكره,.
** هكذا هو الشيخ في صورته القريبة من الناس حتى بعد أن تجاوز صيتُه مدينتَه، ووصل صوتُه إلى امداءٍ أبعد,, وعرفه الأقصون كما الأدنين ,.
** لمحاتٌ مرت وعبرت والأمةُ تنتقل من حزنٍ إلى حزن وترُزأ كل آن برحيل عَلَم، وتواري قمم,, وها هو آخرهم شيخُنا وأستاذنا محمد الصالح العثيمين يلحقُ بهم,,!
** لقد فقدت الأمةُ خلال السنوات الأخيرة الكثير من العلماء والعاملين والمبدعين بمختلف الحقول المعرفيةِ والثقافية ، ولن يعوضهم نَدبٌ أو يسلوَهم نحيب,.
** رحم الله أبا عبدالله جزاء ما قَدّم، وألهم عبدالله وإخوته ، وأستاذينا: شقيقَه الدكتور عبدالله والشيخ عبدالرحمن الصبر وجزاهُم الأجر، وجمعنا به في مستقر رحمته، والحمدُ لله، وإنا لله وإنا إليه راجعون .
|
|
|
|
|