| مقـالات
* تأخذ الرياضة بشتى ألوانها، ذلك المظهر الحضاري الراقي، الذي تتميز به شعوب وأمم راقية، عن تلك التي لا تعطي هذا الجانب ما يستحق من العناية والاهتمام في حياتها العامة, فالمناشط الرياضية التي تمارس على المستويات الفردية والجماعية، والاخرى المبرمجة والمدارة على المستويات العامة، هي في حقيقتها، ليست عبثاً او تسلية وتسجية لوقت ضائع، ولا ترفاً حضارياً من نتاج المدنية الحاضرة، حين يحلو لبعضهم ، ان ينسب اليها الكثير من النقائص والعيوب.
* فإلى جانب الخاصية التاريخية، التي تمتد بجذورها الى حياة الانسان الاول على وجه الارض، فان للرياضة في الحياة العامة، خواص كثيرة، علمية وتربوية واجتماعية وثقافية، وطبية ايضاً، وان مقولة: العقل السليم في الجسم السليم ، تذهب في معناها، الى ماهو أبعد من مفهوم التأثير الجسمي للممارسة الرياضية، لان العقل المناط به وظيفة الوعي والفهم والابداع في الحياة، محمول بكليته على جسم سليم قوي، معافى من كافة الآفات المعطلة للوظائف الحياتية، وهذا لا يتحقق، الا مع رياضة جسمية منظمة، تقود بالضرورة، الى جملة رياضات ومهارات، منها الرياضة العقلية، والرياضة النفسية، وهما اللتان تجعلان لحياة الانسان في هذا الكون، قيمة ومعنى، وعطاءً يخلِّد اسمه في سجلات التاريخ.
* اما رياضاتنا ، نحن، على مستوى التراب الوطني، فهي بلا شك، استطاعت في سنواتها العشر الاخيرة، ان تنافس في حلبات قارية وإقليمية ودولية، بل وحققت تميزاً وتفوقاً في كثير من اللعبات والمسابقات، التي تتقدمها بطبيعة الحال، كرة القدم, وهذا عائد الى الجهود التي بذلت من قبل في جد وإخلاص، وبسخاء واسع وكبير، من اجل دعم الاندية وتشجيع الشباب المنضوين تحت لوائها, وعضد هذه الجهود الكبيرة، ما كان ,, يقوم به التعليم العام طيلة أكثر من عشرين عاماً فرطت، من تأهيل وتكوين مهاري معرفي للتلاميذ والطلاب، في شيء من الجدية والمنهجية، الامر الذي اثمر ما تحصده البلاد اليوم، من خامات شبابية مشرفة في شتى الميادين، الرياضية,, لكن,, ما مدى الاطمئنان لمستقبل الرياضة في المملكة في السنوات القادمة,,؟ هل يتطور,,؟ ام يتوقف؟ ام يتأخر,,؟
* إنه,, وللإجابة عن مثل هذه التساؤلات، لابد من مراجعة دقيقة وأمينة ، للمنهج الذي يفترض انه يحكم التكوين الرياضي للشبيبة السعودية، ابتداءً من المدرسة الابتدائية، حتى ختام التعليم العام، وهي هي مرحلة الانتقال الطبيعية من المناشط الرياضية المدرسية، الى اروقة الاندية الرياضية، وكما هو معلوم ومعروف، بأن دور الاندية يُبنى على التكوين الأولى للمدرسة، فهو يقوم على الصقل والتقديم بالدرجة الأولى، وليس تكوين وخلق موهبة، وتبدو الصورة واضحة في المسؤولية العظيمة التي يوكلها المجتمع للمدرسة، ويظل الوطن يرتقب حصد ثمارها اليانعة، وذلك، من المتخرجين في صفوف التعليم العام بعد سن السابعة عشرة والثامنة عشرة فهل ما زالت المدرسة تستشعر هذه المسئولية العظيمة؟ وتنهض بهذا الدور الوطني المجتمعي مثل ما ينبغي,,؟ ومثل ماهو مطلوب منها,,؟
* ان الدلائل التي امامنا، تقول بكل وضوح: لا ,,! والمؤشرات التي يمكن ان تبنى على الحقائق الميدانية، تنذر بتردي المستويات الرياضية في المملكة في المستقبل، في لعبات كثيرة، لا نستثني منها كرة القدم، التي اصبح لها شأن في المحافل الدولية، وضربت المملكة في بطولاتها بسهم أو أسهم ناجحة في سنواتنا هذه وسيأتي اليوم الذي تعاني فيه كافة الأندية الرياضية السعودية، من تكوينات ضعيفة غير قادرة على التكيف مع برامج الصقل والتقديم، لانها تكوينات غير مؤهلة، لا جسمياً ولا صحياً، ضعيفة غير كفئة، تفتقر الى الخبرات والمهارات الرياضية المعتادة في هذه المرحلة.
* ان الرياضة التي نتكلم عليها هنا، تبدأ في التعليم العام بمسمى جيد هو: التربية البدنية ، وتأخذ حصتها المقررة من المنهج المقرر على التلاميذ والطلاب، على اعتبار ان لها زمناً محدداً، تقدم فيه خبرات ومهارات جسمية وحركية بوسائل تربوية متجددة، وفق منهج متطور، وخطة تستهدف نتائج فردية واجتماعية ووطنية واضحة، في إطار تربوي عام، وفي مقدمة هذه النتائج المتوخاة، تحقيق الانسجام الجسمي والعقلي والنفسي للفرد، والوصول معه وبه، الى مكاسب اجتماعية ووطنية على كافة الصعد, فأين نحن من هذا كله يا ترى,,؟ اين نحن من المنهج الواضح للتربية البدنية والرياضية في التعليم العام,,؟ بل اين هي هذه التربية الرياضية في مدارسنا اليوم,,؟
* هناك على ما يبدو، تهميش لمنهج التربية البدنية في التعليم العام، اما لعدم وضوح الأهداف الخاصة والعامة من الأساس، أو لعدم الجدية في توفير الجو المدرسي المناسب للتكوين الرياضي الذي ينتظره الوطن بفارغ الصبر, أو لأسباب أخرى يعرفها بكل تأكيد، القائمون على أمر التربية البدنية أكثر منا,,!
* ان التربية البدنية في التعليم العام، تحولت في سنواتها الأخيرة، الى تربية بدينة ، بفعل الكوادر التعليمية غير الجادة، او غير المؤهلة لهذا الدور، وبفعل عدم وجود المرافق المناسبة والكافية في المدرسة، وانعدام الاهتمام والمتابعة من القيادات التي يفترض انها ترعى هذا الجانب، الى جانب تعمد فئات لها اهتمامات مضادة لهذا النشاط الاجتماعي، التقليل من اهمية الرياضة، بعد ان نجحت في طمس هوية المنهج الفني وإزوائه، وبث كثيرمن المغالطات حول منهجي التربية الفنية والتربية الرياضية في المدرسة، وانهما مضيعة للوقت,,! وعلى حساب مناهج أخرى ترى هذه الفئة أو تلك انهاهي الأولى، وربما بلغ الشطط بالبعض للقول، بأن في الرياضة والتربية الفنية، إفساد ولهو,,! وفي ظل هذه الاجتهادات الخاطئة والمتطرفة، يجري استسلام وتنازلات من الطرف الآخر، لا تخدم التربية والتعليم، ولا تراعي مستقبل العطاء الفني والرياضي للوطن وشبابه، ثم يأتي من يتحدث عن رياضة للبنات,,! انظروا قبلاً في تلاميذ وطلاب يذهبون الى المدارس، وهم ينوءون باحمال زائدة من الشحوم واللحوم، وينوءون من الوهن والضعف والكسل، وتشيع بينهم، كثير من الامراض المبكرة,, ثم فكروا في الأمر الآخر,,!
* قرأت مؤخراً، ما نشر عن جمعية القلب السعودية في مجلتها الشهرية، من دراسة خطيرة حول ظواهر مرضية في المجتمع، تأتي نتيجة لانعدام النشاط البدني، والجهل بالتغذية الصحية السليمة، ومن هذه الأمراض، تصلب الشرايين التاجية بنسبة مرتفعة لدى السعوديين مقارنة بغيرهم، فوجدت الدراسة، ان 28% من عينة الدراسة التي استمرت خمس سنوات، تعاني من ارتفاع الدهون الثلاثية، وان 24% من السعوديين، يعانون من ارتفاع في نسبة الكلسترول في الدم، وان نسبة التدخين بين السعوديين 16,5%، ونسبة ارتفاع ضغط الدم الشرياني الانقباضي 19%، كما ان 23% لديهم ارتفاع في ضغط الدم الشرياني الانبساطي، اما نسبة المصابين بالسكري، فقد وصلت حد 24,6%.
* هذه العينات التي اجريت عليها الدراسة، هي شرائح من المجتمع السعودي، وفيها طلاب، ومنها من تخرج في مدارس التعليم العام الذي يعلم ضمن مناهجه، مادة تسمى التربية البدنية ,,!
* ان المدرسة في هذا التعليم العام، تتحمل المسئولية كاملة في هذا التردي الصحي الكبير الذي لحق ويلحق بالمجتمع، وهو ترد يلحق به ترد آخر يهدد مستقبل رياضاتنا الوطنية، التي تشكل شيئاً من الوجدان العام للامة, هذا الوجدان، لا يعرفه المنغلقون فكرياً، او هم يعرفونه ولكنهم يعمدون الى ذبحه في المهد,,! والامر يتطلب تدخلاً من جهات اخرى، تساهم في رسم استراتيجية عليا لهذا الجانب المهم، مثل مجلس الشورى، والرئاسة العامة لرعاية الشباب، ووزارة الصحة، ووزارة التخطيط، الى جانب وزارة المعارف والرئاسة العامة لتعليم البنات، والعمل بشفافية أكثر، على وضع صياغة ممنهجة ومبرمجة للتربية البدنية، ما يكفل تحقيق الاهداف الاجتماعية والوطنية من كل ذلك.
* ان ما يعطى ويقدم للتلاميذ والطلاب في المدارس، في اطار المنهج الرياضي السنوي، لا يخرج عن جملة حركات بسيطة مكررة محفوظة، تؤدى في طابور الصباح، ثم تتحول حصص الرياضة في معظم الأحيان، إلى وقت للترفيه والتسلية، الأمر الذي لا يمت للرياضة بصلة، وبهذا، فقد التعليم دوره ومستواه الذي كان في الماضي، في تكوين كوادر رياضية حقيقية، تخرج من رحم المسابقات المدرسية، والاحتفالات والمهرجانات الرياضية السنوية على مستويات المناطق والمملكة بشكل عام.
assahm2001@maktoob.com
|
|
|
|
|