| القرية الالكترونية
سألني أحد الأصدقاء في عام 1998 عن المدينة التي انتقلت إليها لدراسة الدكتوراه فقلت له: (أسكن في قرية جامعية صغيرة لكن لا يهم أين أسكن حتى ولو كنت على سفح جبل, المهم أن لدي اتصالا بالإنترنت وسأصل من خلاله إلى كل مكان بالعالم) فعجب من قولي وقتها وظنني مبالغا فيما قلت وحين دخلت الإنترنت للمملكة وأصبح ممن يدمنون تصفح الإنترنت وسبر أغوارها أدرك أن الإنترنت تستحق ما قلته وأكثر وأصبحت وكأني أقيم إلى جواره في حي الفناتير بالجبيل الصناعية.
والحقيقة ان المرء يصل شيئا فشيئاً إلى الحد الذي ترتبط فيه حياته من شتى جوانبها بالإنترنت فإن أراد التواصل مع أحبابه وأصدقائه الذين ينتشرون في أماكن شتى وجد فيها الوسيلة الأسرع والاجدى من أي وسيلة أخرى بل مكنته من توسيع دائرة معارفه وأصدقائه تبعا لطبيعتها, وإن أحس بالسآمة وجد في الإنترنت وسيلة مميزة للترويح عن النفس, وإن كان باحثا أو متعلماً وجد في الإنترنت ما لا تعرضه مكتبة أو يضمه كتاب بين دفتيه, وأيا ما كانت حاجته أو رغبته فإن لدى الإنترنت ما تعرضه في أغلب الأحوال.
ولن أنسى أسبوعاً مضى كنت فيه منقطعاً عن العالم بسبب انقطاع الإنترنت عن منطقتنا إثر صاعقة أصابت كابلات الشبكة المحلية وتبين لي كم صغير هو عالمي وكم ضعيف أنا بدون الإنترنت فلم تعد لي رغبة في دخول مكتبي أو الجلوس امام هذا الصندوق بالإنترنت, ولم أعد أجد أي دافع للقيام بأي عمل في ظل انقطاعي عن تعاطي الإنترنت بالجرعات اليومية التي تعودتها, بل تطور الأمر إلى عزوف غير طبيعي عن عمل أي شيء حتى ولو لم يكن ذا مساس بالإنترنت وكان علي أن أذهب إلى أماكن أخرى حيث تتوفر الإنترنت لإشباع شيء من نهمي ولبعث رسائلي المهمة والتواصل مع زملائي وأصدقائي فقد كان بحق اسبوعاً طويلا وثقيلاً.
ورغم وجود الكثير من الدراسات الخاصة بإدمان الإنترنت إلا أنني لا أظن أن الارتباط الشديد بالإنترنت يعد بالضرورة ضرباً من إدمانها بل الأمر مرهون بما يفعله المرء حين يتصل بالإنترنت, فالساعات التي يقضيها البعض في أعمال غير مثمرة بأي وجه والرغبة التي تلح عليهم للجلوس رغم ذلك أمام أجهزة الحاسب الآلي قد يجعل من اليسير علينا ان نصنف أصحابها في دائرة مدمني الإنترنت, غير أن المسألة تختلف حين تكون الإنترنت ساحة للعمل وقناة للتواصل ووسيلة للبحث ثم محطة للترويح عن النفس.
ولا يختلف العيش في سفح جبل مع توفر اتصال بالإنترنت عن العيش في قلب مدينة نيويورك إن لم يكن أرغد وأطيب, فبعيداً عن مسائل الأمن على الضرورات وما إلى ذلك ولأن الحديث هنا عن دور الإنترنت في حياة الناس فإن توفر الاتصال بالإنترنت يعني ان المرء متصل بالعالم أجمع وبإمكانه الحصول على كل شيء يحصل عليه غيره ما دام متصلا بالإنترنت بغض النظر عن موقعه الذي يسكن فيه أخذاً في الحسبان بالفروق المنطقية, فمن الإبرة إلى الكتاب والدواء وأطايب الطعام ومرورا بالكماليات والزيجات بأنواعها وحتى السيارات: كل ذلك يمكن الحصول عليه من خلال الإنترنت, بل يمكن للمرء أن يخطط لعطلاته ويشتري العقارات ويضارب في أسواق الأسهم ويعمل كأي تاجر متمكن ما دام اتصاله بالإنترنت يتدفق بالبيانات, والمسألة تختلف باختلاف البلد الذي يعيش فيه المرء لكن الإنترنت توفر هذه الجوانب على كل حال ولا يبقى إلا الخدمات المساندة كالنظام الائتماني والبريدي وغيرها من الخدمات التي لا تستغني عنها الإنترنت لإكمال خدماتها, لكن الأمر قائم بالدرجة الأولى على اتصال المرء بالعالم من خلال سلك نحاسي.
ومن خلال ذلك السلك يمكنه ان يحصل على ما يرغب.
ولحيوية الاتصال بالإنترنت فقد تمكن رجل من العيش لمدة عام كامل بمعزل عن العالم في شقة صغيرة لا يهم اين تقع ما دام اتصاله بالإنترنت حيا لم ينقطع فمكان المرء لا يؤثر على إمكانية حصوله على أية خدمة من الإنترنت بل المهم وبالمقام الأول توفر هذا الاتصال ليصل من خلاله إلى كل ارض, ولا يزال صاحبي الذي يرتبط بي من خلال برامج التراسل الحي والبريد الإلكتروني يردد العبارة التي اصبح يؤمن بها أكثر من أي وقت مضى ويقول دائما (اذهب حيث شئت فلا يهم بعد ذلك أين تكون ما دمنا نتواصل معك من خلال الإنترنت).
khalid@4u.net
|
|
|
|
|