هذه الرياض المدينة تكتظُّ ككلِّ عام في مثل هذا التأريخ بمواسم المنجزات الفكرية ,, ولطالما كان السؤال لماذا,,؟! لماذا على وجه التحديد هذا الوقت من كلِّ عام؟ منذ شهر رجب وإلى ما بعد شهر رمضان ولا وقت من لا وقت كي يلتقط الناس أنفاسهم، ويريحوا أحذيتهم، ولا يتعاهدوا خزائن ملابسهم بالمراجعة لأكثر من مرة في كلِّ يوم وهم يركضون من موقع لآخر,,، ويتنقَّلون من موضوعٍ لغيره، ومن ملتقى لثانٍ فثالث,,، ومن لقاءٍ للقاء,.
وهذه الساعة المكتظَّة في زمن المواسم ومنه تحتاج إلى من يفكَّ طلاسمها,, يُقال دوماً الصيف ضيّعتِ اللَّبن تماماً كما كان يقول العرب في أمثالهم!!,، لكن تضييع اللَّبن في هذا الزمن، غير هدره في زمنهم,,، فاللَّبن عندما يتخثَّر الآن لأنَّ الصيف شديد الحرارة، والناس تُلقي ملابسها، وتُفرغ خزائنها، وتفتح أبواب برَّاداتها ، وتنتعل المكشوف من أحذيتها، وتُعبىء حقائبها، وتهرب إلى خارج دُورها، وتمتد أقدامها خطواتٍ إلى ما هو أبعد عنها، وقد تتسابق عرباتها في الاتجاهات أقصرها، وأطولها، وأبعدها إلى مرافىء الرحيل بحثاً عن النسائم المرفَّهة الملطَّفة ، في الاتجاهات الثمانية !! بطول البلاد وبعرضها,,، وتخلو المنازل من أصحابها، وترتفع العقائر تنوح من وحدة المكان، وغربة الزمان,, فيتخثر اللَّبن من حرقة حرارة البكَّائين ، والشكَّائين هرباً من غربة الغربة، ووحشة الغياب!!,.
أما الشهور الوسط قبل الصيف وبعده,, فتَكتظُّ بكلِّ شيء!!، بالدراسة، وبالعمل، وبالنشاطات المختلفة، وبالمسابقات، وبحفلات التخرج، وبافتتاح المواسم، وتدشين المشاريع، وبلقاء الوافدين، و,,,و,,, بل حتى بشراء البيوت، واستثمار الأرصدة، بينما الصيف يضيِّع كلَّ شيء!!.
فلماذا,, لماذا يتحول الزمن إلى دلو يُفرغ ويُملىء؟!,,, يأتي على كلِّ ما جمعته أشهر البذر فيحصدها؟!,,, ولماذا لا يخطط للَّبن كي لا يتخثَّر في الصيف، وينساب في المواسم الأخرى؟! والإنسان يحتاج في الصيف للَّبن؟!,.
هذا دلو الوقت,, يتسع,, يتسع,, يلتهم كلَّ شيء,, يمتلىء بكل شيء يختنق بكلِّ شيء؟!,,, وصيف قادم يستعد بكلِّ فراغاته لأن يسدِّدها ثغرةً ثغرةً من حصاد هذا الدلو,, كي يفرغ ويعود للامتلاء من جديد,,.
تُرى,, هل يكفي الصيف أن يتحوَّل لمهرجانات الرَّفه؟! والنوم، والسفر، والهدر؟!,, وهل يَنشط الإنسان فقط بما يُقدم له الصيف من الفراغ كلَّ الفراغ؟!,, وما هي القيمة الصحيحة للوقت؟,, بينما لم تُقدم طبيعة الحياة في نواميسها للإنسان إلَّا الليل والنهار كي يوازن فيهما بين سكنه ونشوره؟,,.
ألا تلاحظون أنَّ الإنسان حوّل السكون إلى الصيف وملأ أيام الصيف بما يهدر فيه ما بناه في الليالي؟,, بينما وظَّف بقية الشهور لعمل ساعات النشور؟,.
واختلط لديه الزمن,, ومواسم العمل,, ومفهوم الكسب والخسارة؟,,.
ربما هي أفكار أوحى بها زمن السكون والنشور,, وفراغ الدلو وحصاده,, وحركة الركض الذي شكت منه الأحذية قبل الأقدام.
|