| عزيزتـي الجزيرة
لقد أوجد الله الإنسان ونال تاج الكرامة، والعزة من خالقه سبحانه وتعالى فحريٌّ به أن يكرم من أخيه الإنسان في الإنسانية,, ووالد الإنسان يفترض فيه الرحمة والعطف والحنان، والرأفة، كونه حمل لواء الأبوة ورفع شعارها، فليست مهمة الأب، والأم إنجاب الأبناء فقط، وإنما هذه هي البداية ولها تبعاتها وملحقاتها وإكسسواراتها التي يحلى بها هؤلاء الأبناء، ويحاطون بها فمن تلك التبعات التربية والإنفاق والتعليم بأنواعه الديني والأخلاقي والاجتماعي والمدرسي والإحاطة بأنواع الرعاية، والعطف والحنان والمحبة والود حتى يتكون لدينا جيل قوي، متمسك بدينه وفضائله الأخلاقية ناءٍ وبعيد عن كل رذيلة، وضياع، وفساد، صالح في نفسه، مصلح لغيره، ناشىء في محبة ربه وعبادته، محافظ على ما اؤتمن عليه من أمانة العلم والدين، مكون هرم وصرح عظيم من الأخلاق والفضائل التي يشار إليها بالبنان، وهذا بالطبع لا يحدث فجأة، وبدون سابق عهد وإنذار، وإنما هي نتاج إفرازات وتراكمات التربية في الخلية الأولى وهي الأسرة التي يقودها الأبوان، ثم يأتي بعد ذلك المجتمع الكبير ومن لا يتعلم تعلمه الحياة وتجاربها وما نلاحظه في وقتنا الحاضر إنسلاخ، وتجرد بعض الآباء والأمهات من أدوارهم الأساسية المناطة بهم، فأصبح دورهم الأساسي هو إنجاب هؤلاء الأبناء، وتركهم تعبث وتلعب بهم الأيام وتتقاذفهم أيدي السنين يمنة ويسرة، فيصلح من يصلح، ويضيع من يضيع، وينتهي من ينتهي، ويعيش من يعيش, إن هناك نماذج من الآباء وللأسف! نعم أقولها ويا للأسف! لا تتوفر فيهم مادة الأبوة والأمومة، ولو كانت هذه المادة مادة مصنعة، أو منتجة لتوفر إحضارها من أي مصنع، أو أي مكان يقوم بإنتاجها، ولكن هذه المادة غريزة إنسانية ورحمة وعطف وهبها الله وأوجدها في قلوب من يشاء من عباده وفي قلوب بعض الآباء والأمهات، والمحرومين من نعمة الأبوة والأمومة، أما البعض الآخر فلا يمتلكها للأسف، فأقولها وكلي أسى وحزن،وإحباط بأن هؤلاء الآباء المنسلخين من أدوارهم الأبوية والأمومية لا يستحقون شرف نيل كلمة أب وأم، وأعرف أن هذا قد يغضب البعض مني، ولكن هذا واقعنا وهذه نماذج تقبع داخل مجتمعنا ونعايشها وتعايشنا، ونجد ان نتاجها قد ضاع إلا من رحم الله، فمن ليس لديه استعداد بأن يكون أباً صالحاً أو أماً صالحة، فليس هناك حاجة لأن ينجبوا أبناء يحملون معهم المآسي، والأحزان، والعقد النفسية المترسبة، والضياع، والاحباط، والفشل في الحياة، ويورث المجتمع أبناء ضائعون في متاهات الحياة، فاقدون لأنفسهم، مكسورة خواطرهم كونهم يعلمون أن آباءهم لهم موقع على خارطة الحياة، ولكنهم فاقدون لوجودهم لحبهم، لعطفهم، لحنانهم، لأبوتهم، لاحتوائهم، لكل ما تعنيه هذه الكلمات من معانٍ وأفعال سامية, كيف لنا بأبناء قادرين على مواجهة الحياة وبنائها؟ وهم تعساء! ضائعون محرومون! تائهون على مفترقات الطرق، وهم يرددون: هذا ما جناه عليَّ أبي .
من يحاسب هؤلاء الآباء الفاقدين لأبوتهم، وأمومتهم ومفقديها لأبنائهم؟!
أتراهم قد نزعت من قلوبهم هذه العاطفة، أم تخلوا عنها؟!
هل يستحق هؤلاء الآباء أن توكل إليهم مسؤولية أبنائهم وهم غير عابئين بهذه المسؤولية وتبعاتها؟!
إن الأمر جد خطير فلابد لهؤلاء من وقفة محاسبة مع الذات، قبل أن يحاسبهم المطلع على صغائر الأمور، وعظائمها سبحانه .
إن كلمة الأبوة والأمومة تحمل بين حروفها معاني متلألئة تضم عقداً جميلاً من الحنان، والعطف، والمعاملة الحسنة، والرحمة، والتربية لمن هم أمانة في أعناقنا لا يقدرها، ويجلها إلا من حرم منها، فهناك آباء لا يستحقون أن يكون لهم أبناء، وأقولها بكل أسف,, لأنهم لا يقدرون هذه النعمة التي منحهم الله، وحباهم إياها وشرفهم بها، وعلى النقيض من ذلك، لا ننكر ان هناك صفوة رائعة من الآباء والأمهات يستحقون كل إجلال، وتقدير، وخضوع، وإذعان، كونهم صانوا الامانة التي ائتمنوا عليها، وأدوا ما أوجبه الله عليهم تجاه أبنائهم، وقدروا المسؤولية حق قدرها فحصدوا نتاج ما زرعوا فهنيئاً لهم بذلك وهنيئاً لأبنائهم بهم.
فأهيب في هذا المقام بكل أب وأم تخاذلا عن أداء مسؤولياتهما نحو أبنائهما وفرطا في ذلك، أن يتداركا ما بقي في حياتهما، لإدراك، وإصلاح، ما قد أضاعاه، وخلفاه وتخليا عنه، لعل الله يتجاوز عنهما، ويعفو، ويصلح ما قد فسد، والله على كل شيء قدير.
نورة ناصر الدعجاني
الرياض
|
|
|
|
|