| عزيزتـي الجزيرة
عزيزتي الجزيرة:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته,,, وبعد:
عندما يتفكر الواحد منا في حال كثير من مجتمعاتنا، وما يقع فيها من الاختلاف والتشرذم والتنافر في كل شاردة وواردة، وعندما يلحظ تصاعد حدة ذلك الاختلاف حتى يصل بالبعض الى العداوة والسباب والشتائم والعتاب، يتذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم: إن الشيطان رئيس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب، ولكن في التحريش بينهم ' أو كما قال صلوات الله وسلامه عليه، وبالفعل لقد نجح الشيطان الخبيث الماكر في مهمته تلك على اكمل وجه، وجعلها واقعا ملموسا، حيث تفرغ الكثير منا وللأسف الشديد إلى خلافات هامشية عريضة لا تزيد العلاقة بيننا إلا بعداً ولا الوصال إلا قطعاً، ولا المودة إلا كرها وبغضا، بل إننا وبكل وضوح وصراحة صرنا نختلق المشاكل اختلاقا ونصنعها صنعا، ونحول الامور الهامشية العادية إلى مشكلات عريضة كبيرة، ونحمل كل كلمة او تصرف من غيرنا على محمل السوء مع ان ظاهره الخير المحض، فالله المستعان، والله الذي لا إله إلا هو لقد نسي اولئك تعاليم دينهم الظاهرة والبينة في هذه المسألة حيث تفرغوا للمشاكل والاعتراضات، فريق يؤيد والآخر يعارض ويناضل حتى صار الكثيرون يختلفون في امور واضحة وضوح الشمس في رابعة النهار، نعم لقد احكم الشيطان اللعين قبضته على الكثير منا وشلَّ تفكيرهم وأنساهم تعاليم دينهم وامره لهم بالألفة والمحبة والوحدة والاجتماع والتعاون على البر والتقوى، ونهيه الاكيد عن كل ما يجلب الفرقة والاختلاف وتشديده في هذه المسألة المهمة من الدين، فإلى متى نسير في هذا النفق الظلم المليء بالمخاطر والسيئات، غيبة ونميمة وسوء ظن بالآخرين وعداوة متناهية، ومطالبات ومطالبات وكل يدعى وصلاً بليلى كل يدعي انه على حق وان غيره على باطل بيِّن، فإلى متى نسير في هذا الطريق الموحش؟! ألم يحن الوقت لنبذ الخلافات واصلاح النيات، وترك كل دواعي التفرقة؟!! ألم يحن الوقت للاجتماع والألفة والاتحاد والوحدة؟! ألم يحن الوقت للأخذ بتعاليم الدين والتعامل مع الامور بواقعية وعقلانية؟! ألم يحن الوقت لترك توافه الامور فإنها والله سوسة تنخر في جسد المجتمع وسرطان يسري في أركانه؟ إنها حالقة الدين وآكلة الحسنات كما تأكل النار الحطب، عجبا لحالنا نحمد الله ونعتز على ان جعلنا من خير أمة أُخرجت للناس، وأنزل علينا افضل الكتب وهو القرآن الكريم، وشرع لنا افضل شرائع الدين وأرسل لنا افضل الرسل عليهم الصلاة والسلام، أقول نحمد الله ونعتز بذلك ثم لا نلتزم بمنهج القرآن الكريم ولا نأخذ بتعاليم الدين الحنيف، ،لا نستجيب لنداء المصطفى الامين صلى الله عليه وسلم حيث النهي التام عن الفرقة والعصبية واعتبارها ركنا رئيسا في واقع الجاهلية، والمسلم منقاد بأمر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم لتعاليم الدين فلِمَ الاختلاف والفرقة إذن.
عزيزتي الجزيرة: إن العصبيات والعنصريات والفرقة والاختلافات من صفات اهل الجاهلية التي انعم الله علينا بتركها وخلصنا من ويلاتها وتبعاتها، والاصل في المسلم حينما يذكر أمراً من امور الجاهلية ألا يذكره إلا بكراهية وامتعاض، لأن العصبية الجاهلية والعنصرية الحزبية سجن خلصنا الله من ويلاته!! ومرض عضال شفانا الله منه والإنسان بطبعه لا يذكر ايام اعتقاله ومرضه إلا وتصيبه القشعريرة ويتغير لونه، فكذلك ينبغي ان نكون في هذه المسألة المهمة.
فيا من بُليت بحب النزاع والسعي في الفرقة، ويا من تشربت العصبية وناضلت عنها في الحق والباطل، ويامن أسأت الظن بالآخرين وسعيت بين الناس بالنميمة، وقطعت جلودهم بالغيبة، قف مع نفسك وقفة صادقة وحاسبها محاسبة دقيقة ووبّخها على انحرافها ودرّبها على الطاعة والخير وحب الآخرين وروضها على التعاون وعلى الخير، وانظر بجدية تامة أين أنت من نصوص الشريعة وواقع السلف حول هذه النقطة وافتح بعدها صفحة جديدة مليئة بالحب والائتلاف بعيدة كل البعد عن الفرقة والاختلاف، وحتى لا اتعبك بالبحث عن تلك النصوص أجتهد في نقل شيء منها لك عبر بساط الجزيرة المورق المُخضر (عزيزتي الجزيرة) علّ الله ان ينفعك بها ويعيدك إلى رشدك ويجعلك من عباده المتقين فقد قال الله تعالى: (واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداءً فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا) وقال تعالى: (فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم)، وقال: (إنما المؤمنون اخوة فأصلحوا بين أخويكم) وقال صلى الله عليه وسلم: لا تحاسدوا، ولا تناجشوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا، ولا يبع بعضكم على بيع بعض، وكونوا عباد الله إخوانا، المسلم أخو المسلم، لا يظلمه، ولا يخذله ولا يكذبه، ولا يحقره، التقوى هاهنا ويشير إلى صدره ثلاث مرات ,, بحسب امرئ من الشر ان يحقر أخاه المسلم، كل المسلم على المسلم حرام: دمه وماله وعرضه رواه مسلم وقال صلى الله عليه وسلم: دبَّ إليكم داء الأمم من قبلكم: الحسد والبغضاء، والبغضاء هي الحالقة، حالقة الدين لا حالقة الشعر، والذي نفس محمد بيده لا تؤمنوا حتى تحابُّوا، أولا أنبئكم بشيءٍ إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم رواه أحمد والترمذي وغيرهما وقال صلى الله عليه وسلم: سيصيب أمتي داء الأمم,, قالوا: يا نبي الله وماداء الأمم؟ قال: الأشر والبطر، والتكاثر والتنافس في الدنيا، والتباغض، والتحاسد حتى يكون البغي ثم الهرج رواه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي وقال صلى الله عليه وسلم: لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه وقال صلى الله عليه وسلم: ألا أخبركم بأفضل من درجة الصلاة والصيام والصدقة؟ قالوا: بلى يارسول الله قال: صلاح ذات البين، فإن فساد ذات البين هي الحالقة رواه أحمد وأبو داود والترمذي، وقال صلى الله عليه وسلم: ألا أنبئكم بشراركم، قالوا: بل يارسول الله، قال: المشَّاؤون بالنميمة، المفرقون بين الأحبة، الباغون للبرآء العنت رواه احمد وقال صلى الله عليه وسلم: لا تؤذوا عباد الله، ولا تُعيروهم، ولا تطلبوا عوراتهم فإن من طلب عورته أخيه المسلم، طلب الله عورته حتى يفضحه في بيته رواه أحمد والآيات والأحاديث في ذلك كثيرة ولكن لعل فيما ذكرنا كفاية وشفاية، والله ولي التوفيق.
أحمد بن محمد البدر
الزلفي
|
|
|
|
|