| منوعـات
* حين رحلت بنت الشاطئ في شهر شعبان 1419ه هممت ان اكتب كلمة عابرة عنها، اذكر فيها شيئا من كفاحها العلمي وجهادها نحو الارتقاء، وقد نالت جائزة الملك فيصل في عام 1994م, ولكن صرفتني شواغل عن ذلك,, حتى مرت المناسبة, وفي يوم الاثنين 13 من شوال 1421ه وانا في محطة مصر للسكة الحديدية، وأنا افتش عن اخبار اليوم، لمحت كتابا,, كانت النسخة الاخيرة، عنوانه بنت الشاطئ رحلة في أمواج الحياة بقلم وفاء الغزالي,, فالتقطته، وهو من سلسلة كتاب اليوم الشهرية,, التي تصدر عن دار اخبار اليوم وهذا الكتاب تاريخه,, شهر مايو 1999,, وعلى غلافه صورتان، احداهما لامرأة في ريعان الصبا وشرخ الشباب، والأخرى لسيدة طاعنة في السن تداركتها الكبرة، حيث ذهب الشباب ونظرته التي تحسر عليها القائل ألا ليت الشباب يعود يوما ,!
* وشرعت وأنا في القطار ذاهبا الى الاسكندرية أقرأ، ماكتبت الكاتبة عن بنت الشاطئ,, تلك السيدة التي تحدت نفسها والايام لتكون وقد كانت، رغم ان والدها الشيخ الازهري كان معارضا ان تلتحق بالمدارس وتدرس مايلقى مع غيرها، وكانت بنت الشاطئ صنواً للاستاذة سهير القلماوي، فكلتاهما شقتا طريقهما في وقت مبكر,, في الدراسة المنتظمة، في المدارس والجامعة,, رغم العوائق والمثبطات، غير ان الإرادة اقوى من الصعاب والمشكلات التي تقف في طريق الطموح وجد الحياة,!
* الكاتبة تعلن ان بنت الشاطئ ولدت في عام 1319، في مدينة دمياط، شمال القاهرة على البحر الابيض المتوسط، وان اباها الشيخ محمد علي كان يتمنى ان يكون مولوده الاول ذكرا,,! ثم كانت الطفلة عائشة عبدالرحمن تتطلع الى التعليم بشغف، غير ان الاب كان يأبى عليها ذلك، لكن جدها لأمها الشيخ محمد الدمهوجي عني بأمر تعليمها دون ان يعلم ابوها بذلك، فألحقها باحدى المدارس في السنة الاولى الابتدائي,, وخلال ايام معدودة,, نقلتها المدرسة الى السنة الثانية، لان مستواها التعليمي كان جيدا ذلك ان اباها كان معلما بالمعهد الديني واماماً لمسجد قريته في دمياط, والطفلة عائشة محمد علي عبدالرحمن,, بدأت تتردد على كتاب الشيخ موسى تحفظ الكتاب العزيز، قراءة وتجويدا، كما كانت تمد يديها الى كتب ابيها في مكتبته التي احتوت أمهات الكتب, وأبوها يشاهدها ويشفق عليها، وكان يقول لها ويردد: هذه الكتب كبيرة عليك يا عائشة ! ونلحظ ان الكاتبة الشهيرة الحقت اسمها باسم جدها,, كما يبدو، حيث لم تنتسب الى ابيها محمد علي وإنما الاسم الذي اشتهرت له: عائشة عبدالرحمن .
وتقول الاستاذة وفاء الغزالي: ولم يمض العام الاول حتى كانت الطفلة عائشة حديث المدرسة كلها، حيث قالت عنها ابله عزيزة الدمياطي معلمتها في سنتها الأولى في المدرسة، بعد ان قرأت اجابتها في الامتحان: عجيبة، هذه اجابة غير منتظرة من أي تلميذة وأكدت هذه المقولة مكتوبة من معلماتها في شهادة آخر العام,! وتقول احدى المعلمات انها شعلة ذكاء وأخرى تقول انها كتلة تفكير وتوقعن لها الفذاذة، وتعقب الكاتبة عن ذلك بان مرده النبوغ والذكاء ورجاحة العقل وحسن التفكير!
* وتمر الأيام,, وفتاتنا تنجح من سنة دراسية الى أخرى,, حفيلة بتشجيع معلماتها وحسد زميلاتها غير انها لاتبالي بما يقال حسدا وانما همها ان تنهل من المعرفة,, ما استطاعت الى ذلك سبيلا، فهي قد عرفت كتب التراث مبكرا اما الكتب التي تقرأها في المنهج الدراسي,, فإنها لا تشغلها الا كمقرر مدرسي فقط، وترى انها لغيرها,, لمن دونها في المستوى المعرفي!
* وفي يوم الامتحان الشفهي لشهادة المعلمات بطنطا، وعمرها يومئذ خمس عشرة سنة،وذلك في عام 1928م رأى الممتحنون,, وقد ادركوا تعثر الطالبات، الا تلك الطالبة النجيبة فقد تلت ما اختاروه لها من سورتي النساء والنور، وماتحفظ من نصوص شعرية,, حين سئلت عن ذلك! فردت: من أي عصر؟ فعجب الممتحنون لهذا السؤال، ثم طلبوا منها نصا من العصر الجاهلي، فانشدت ابياتا من معلقة طرفة بن العبد، ومرثية للمهلل بن ربيعه التغلبي ثم طلبوا اليها شيئا من شعر صدر الاسلام، فانشدت لامية كعب بن زهير ثم انتقلوا بها عبر العصور اللاحقة,, حتى وصلوا بها الى العصر الحديث، فسألوها ان تسمعهم، ففوجئوا بسؤالها: من شعري او من شعر سواي؟ فقال احدهم ان كنت شاعرة فاسمعينا احدى قصائدك فانشدت قصيدة في الحنين الى دمياط، مطلعها:
دمياط حبك حركت اشجانه
آلام قلب في الغرام مصفد |
ثم قصيدة اخرى، وهي صورة شعرية لزوجة صياد,, خرج الى البحيرة في ليل عاصف.
* ولم يجد الممتحنون ما يسألونها فيه، سوى ان ارادوا معرفة وجهتها في التعليم، غير انهم كما تقول الكاتبة انكروا ما سمعوا من جوابها,, وزينوا لها ان تعدل عن هذا الطريق القريب الى طريق الجامعة !
|
|
|
|
|