أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Wednesday 14th February,2001 العدد:10366الطبعةالاولـي الاربعاء 20 ,ذو القعدة 1421

مقـالات

رؤى وآفاق
معلَّقة عبيد وتاريخ الشعر الجاهلي
لم يختلف الرواة في قصيدة جاهلية مثلما اختلفوا في معلقة عبيد، فقد اختلفوا في كلماتها وعباراتها وتآلف أشطرها وترتيب أبياتها كما اختلفوا في وزنها، ولم يقتصر الاختلاف على الرواة في زمن التدوين من أمثال أبي عمرو بن العلاء، وأبي عمرو الشيباني والأصمعي، وأبي عبيدة وابن سلام، وابن قتيبة بل امتدَّ ذلك عبر العصور الأدبية، فقد نقدها المرزباني في الموشح نقداً قد يخرجها عن الشعر، مع أنها إحدى المعلقات العشر، يقول المرزباني: ومثل قصيدة عبيد بن الأبرص، وفيها أبيات قد خرجت عن العروض البتة، وقبح ذلك جودة الشعر حتى أصاره إلى حد الرديء منه، فمن ذلك قوله:


والَحيُّ مَاعَاشَ في تَكذيبِ
طُولُ الحَيَاةِ لَهُ تَعذِيبُ

فهذا معنى جيد ولفظ حسن، إلا أن وزنه قد شانه، وقبَّح حسنه، وأفسد جيده، فما جرى من التزحيف هذا المجرى في القصيدة أو الأبيات كلها أو أكثرها كان قبيحاً من أجل إفراطه في التخليع واحدة، ثم من أجل دوامه وكثرته ثانية، وإنما يستحسن من التزحيف ما كان غير مفرط، أو كان في بيت أو بيتين من القصيدة،من غير توالٍ ولا اتساق يخرجه عن الوزن ونقدها أبو العلاء المعري في شعره حيث يقول:


وقَد يُخطِىءُ الرَّأيَ امرؤٌ وَهوَ حَازِمٌ
كَمَا اختَلَّ في وَزنِ القريضِ عِبَيدُ

وسبب الاختلاف وتوجيه النقد إلى الشاعر قِدَمُ عبيد، وتناقل شعره من راوٍ إلى آخر قبل زمن التدوين، فقد كان عبيد بن الأبرص الأسدي قد اشتهر بالشعر في زمن حجر والد امرىء القيس، وقد كانت علاقة عبيد بحجر وطيدة، فقد قال عبيد في حجر، وقوم الشاعر من بني أسد، عندما غضب عليهم الملك، بسبب منعهم الإتاوة؛ قال بعد نفيهم إلى تهامة:


وَمَنَعتَهُم َنجداً فَقَد
حَلُّوا على وَجَلٍ تِهَامَة
أَنتَ المِلَيكُ عَلَيهمُ
وَهُمُ العِبَيدُ إلى القِيَامَة

ومما يدل على قدم شعر عبيد أنه وجَّه إلى امرىء القيس أسئلة عن الأوابد فيما يشبه الاختبار، منها قوله:


ما الفَاجِعَاتُ جِهَاراً في عَلاَِنيَةٍ
أَشَدُّ مِن فَيلَقٍ مَملوءَةٍ بَاسَا

فقال امرؤ القيس:


تِلكَ المنايا فا يُبقينَ من أحَدٍ
يَكفِتنَ حَمقَى وَمَايُبقِين أُكيَاسَا

وذلك دليل على تقدمه في السن في أول شباب امرىء القيس، وقد تزوج عبيد امرأة في آخر عمره فلم تطب له عشرتها فقال فيها قصيدة منها:


تِلك عِرسي غَضبى تُريدُ زِيَالي
أَلِبَينٍ تُرِيدُ أَم لِدَلاَلِ
فاترُكي مَطَّ حَاجِبَيكِ وَعِيشي
مَعَنَا بالرَّجَاءِ والتَّأمَالِ

ولطول حياة عبيد اكتنفها الغموض، ورويت فيها الروايات.
منها: أنه مرَّ بشجاع (حيّة) يَتَمرَّغُ في الرمضاء من شدة العطش، فنزل عن راحلته وسقاه، حتى انتعش، وانساب في الرمل، وقد ركب عبيد راحلته، وواصل رحلته، فلما جنَّه الليل نام في الصحراء، فلما استيقظ لم يجد راحلته، فأخذ يبحث عنها حتى أشرف على الهلاك، عند ذلك سمع هاتفاً يقول:


يَا أَيُّهَا الشَّخصُ المُضِلُّ مَركَبَهَ
دُونَكَ هَذَا البَكرَ مِنَّا فَاركَبُه
وَبَكرُكَ الشَّارِدُ أَيَضاً فاجنُبُه
حَتَّى إِذَا اللَّيلُ تَجَلَّى غَيهَبُه
فَحُطَّ عَنَهُ رَحلَهُ وَسَيَّبُه

وحياته امتدت قرنين من الزمان، وقيل ثلاثة، وقد اتفقت المصادر على ذلك، بالإضافة إلى شعر عبيد، فهو يقول عن امتداد عمره:


مِائَتَي زَمَانٍ كاَمِل وَنِصَيَّةٍ
عِشرِينَ عِشتُ مُعَمَّراً مَحمُودَا
أَدرَكتُ أَوَّلَ مُلكِ نَصرٍ نَاشِئاً
وَبِنَاءَ شَدَّاٍد َوكَانَ أَبِيدَا
وَطَلَبتُ ذَا القَرنيِن حَتَّى فَاتَني
رَكضاً، وكِدتُ بِأن أرَىَ دَاوُدا

ومع امتداد عمره فلم يمت هرماً وإنما قتله ملك الحيرة؛ المنذر بن امرىء القيس اللخمي بن ماء السماء.
ومن خلال العرض المتقدم يتبين لنا حاجة تاريخ الشعر الجاهلي إلى التحقيق والتوثيق من خلال الاطلاع على تاريخ الأمم المجاورة من روم وفرس.
د, عبدالعزيز بن محمد الفيصل

أعلـىالصفحةرجوع


















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved