| محليــات
استعرضنا في حلقات سابقة بعض قضايانا المحلية التي تشغل بال الامة. وتناولنا البترول ثم الماء وأخيرا الوظيفة والأجر وسنتحدث الآن عن الوافدين )الأجانب(.
لعل القارئ العزيز يلحظ أني طرحت كلمة الأجانب بين قوسين لأنه لوحظ عدم ارتياح البعض لهذه التسمية بالرغم من أنها تسمية دولية ولا تتضمن لفظا غير مهذب. فإذا ذهبنا مثلا ً الى العالم بما في ذلك الدول العربية فإننا نصبح أجانب ولا غضاضة في ذلك. ومع هذا فزيادة في تكريم الأجانب في بلادنا صرنا نطلق عليهم )الوافدون( . على كل حال فالتسمية ليست موضوعنا ولكنه المضمون فالمملكة العربية السعودية من الدول القليلة في العالم التي يتواجد على أرضها أكثر من 180 جنسية. اذ التوافد اليها يأخذ ثلاثة اشكال: فإما للشعائر الدينية من حج وعمرة أو للعمل أو للزيارة. وليس ثمة توافد سياحي مع أني لا أجد سببا مقنعا يمنع ذلك.
وحركة الوافدين إلى المملكة في الدخول والخروج كبيرة وكثيرة جداً لعلها ) في تقديري( تتجاوز خمسة عشر مليون فرد سنوياً. وعليه فإن تواجد هذه الاعداد الهائلة لا شك يمثل عبئا اقتصاديا واجتماعيا وأمنيا ليس هيناً على البلاد.
بيد أن الحق يقال أن بلاداً تنتهج التعامل الحسن مع هذه الاعداد انما تمتلك مقومات رهيبة من التنظيم والترتيب الاداري والأمني والاقتصادي لاستيعاب هذه الجحافل.
والوفادة في تراثنا السعودي العربي انما هي اكرام الضيف والتزام أدبي بقضاء حاجاته وتيسير اقامته. وغني عن البيان ان كل من قدم للمملكة العربية السعودية لغرض تأدية الشعيرة الدينية او الزيارة وكان ملتزما بأنظمة البلاد مراعيا لعاداتها وتقاليدها انما خرج بانطباعاته الحسنة وقد تمتع واستفاد من كامل الخدمات التي يتمتع بها نفسها المواطن.
ومن حيث شريحة الوافدين ممن قدموا الى العمل فالبرغم من أنهم قدموا من أجل الاكتساب بأجور الوظيفة وأنهم يشكلون منافسة مع المواطن في بعض وظائف سوق العمل السعودي وما يتخلف من بعضهم مما قد يؤثر على المجتمع المحلي من سلبيات وإفرازات الا انهم بالرغم من ذلك حظوا بحسن الوفادة.
فظلوا يعيشون في بيئة عصامية يجمعون فيها مدخراتهم في جو تنافسي شريف ليس فيه مراتع للهو واللعب حتى يصرفون دخولهم عليها. يتمتعون بجمع أجورهم دون ضرائب أو رسوم ويحولونها الى ذويهم كاملة غير منقوصة بلا نسب مئوية لهذه التحويلات حتى وصلت تحويلات العمالة الأجنبية الى الخارج العشرين مليار ريال ووصلت إلى أكثر من 150 دولة. بالرغم من أن هذا مبلغ موجع لاقتصاد البلاد أقلها ما تتحمله من فروقات صرف العملة. بل بات الوافد يتنقل في البلاد ويحتفظ بجواز سفره وغير ذلك من تسهيلات أُخرى.
ليس هذا فحسب بل أقول ان العامل الوافد يستظل تحت ذات المظلة من الحماية والرعاية التي يستظل بها المواطن السعودي العامل.. ولن أكون مادحا فقد بت على قناعة تامة فيما اطلعت عليه من أنظمة العالم ومن خلال جولاتي في بلاد الله الواسعة بحكم تخصصي وتجربتي العملية بأنه من الصعب أن تجد دولة واحدة في العالم جعلت رعاية الوافدين وحماية حقوقهم في قمة هرم همومها.
وأجد من الصعب على )ILO( منظمة العمل الدولية أو )ALO( منظمة العمل العربية بالقاهرة أن تدلانا على نظام دولة ما يحمي حق أجور وتعويضات العمالة الوافدة بنفس مستوى الحماية التي يكفلها نظام العمل السعودي.. هذا التعميم لا ينسحب على تقصير ذاتي قد يحدث من قبل صاحب عمل ما في دفع أجور عمالة فوراً أو مراوغته فهذه حالات انفرادية تحدث في كل بيئة عمل في الدنيا ومع هذا فقد أوجدت الحكومة لها مكاتب عمل ومحاكم عمالية للنظر فيها لإنصاف المظلوم.قد يلحظ القارئ الكريم بأنني عولت على هاتين المنظمتين لأنهما متخصصتان في حقوق العمال في كل دول العالم وتعرفان مستويات العمل بحقوق العمال في العالم وتدركان مستويات العمل الدولية واتفاقياتها وعلى إلمام تام بكفاءة أنظمة العمل السعودية. ولم أعول على ما تقوله بعض المنظمات الحقوقية الدولية على اختلاف أنواعها رسمية كانت أو تطوعية. فهذه مع تقديرنا لأهدافها اعتادت على التعميم وتبني معلوماتها وحواراتها بأساليب أحادية الجانب تستمد مادتها وتجمعها من الإشاعات والأقاويل والرسائل المغرضة وليس من المشاهدة الميدانية ولا من فحوى الأدلة العملية الدامغة.
نقول فلئن يجري إكرام العمالة الوافدة ورعايتها وحمايتها فحتى تكتمل مقومات الوفادة فإن على الوافدين هم الآخرين حقوقاً وواجبات حيال البلاد التي فتحت أبوابها واحتضنتهم وأحسنت وفادتهم حتى أطلقت عليهم مسمى )الوافدون(.
لهم لعل اقربها ما يلي:
1 مراعاة الأنظمة والتعليمات المحلية التي تنظم أمورها والتمشي معها بكل أمانة ومصداقية.
2 احترام عادات وتقاليد ومشاعر المجتمع الذي تقيم فيه اجتناب مواقع الإثارة.
3 الإخلاص في العمل والانضباط وحسن الأداء فيه والالتزام بتعليماته ولوائحه.
4 الامتناع عن ممارسة نشاطات أو مظاهر أو عادات خاصة بها وتكون غير مرغوبة في البلاد.
5 تجنب الدخول في أي تحزبات دينية أو سياسية أو أيديولوجية سواء كانت جماعية أو فردية مما يستفز أفراد المجتمع المحلي. لاشك أن هذه حقوق سيادية للدولة التي احتضنته على أرضها وظلهم سماؤها وهي ليست مطلباً محلياً جديداً غريباً فكل البلاد في العالم المضيفة لأجانب إنما تفرض عليهم التمشي بذلك. وفي نظري أن هذا أقل مبادئ الأخلاقيات والأدبيات التي يجب أن يتحلى بها أي شخص يكون في الغربة.
والله من وراء القصد،،
|
|
|
|
|