| الاخيــرة
اتخاذ أي قرار مهما كانت نتائجه وأهميته والأسباب التي أدت اليه، قد لا يستغرق أكثر من لحظات، وهذه اللحظات القليلة قد تكون كافية لتغيير في الجغرافيا أو الاقتصاد او التاريخ، بل قد تغير في التركيبة الاجتماعية والانماط الحياتية لكثير من الأمم.
ذلك لأن المشاركة في صنع القرار، تعني الحفاظ على وحدة الجماعة وتماسكها والذي لا يتحقق إلا بصيانة الأسس التي تقوم عليها فاعلية صنع القرار كالتشاور، والطاعة، والمودة، والرحمة، والرفق، والتعاون، والصبر، كل يشارك القائد في تحمل دوره من حيث أداء المهمة المكلف بها.
كتب التاريخ والسير الذاتية والمذكرات تروي الكثير مما يستوجب الوقوف أامه والتأمل فيه عتدما كان يتخذ القادة والمؤثرون قرارات مهمة، لكن معظمها يجمع على أن هؤلاء لم يتخذوا قراراتهم المصيرية اثر اجتماع وزارة ما أو مجلس ادارة معينة مهما كان لهؤلاء من مهارات القيادة في اتخاذ اي قرار من أي نوع، بل كانت تسبق قراراتهم تلك ما يمكن أن نسميه "طقوس" معينة ـ ان جاز التعبير ـ ترتبط بفاعلية القرار الذي لا يداخله تردد كونه استكمل كافة متطلباته: مهارة متخذ القرار، ومناسبة الزمان والمكان، والبعد عن أي انفعالات او تأثيرات ذاتية او موضوعية.
فقبيل اتخاذ القضاء في المحاكم العالمية قراراتهم النهائية، ترفع الجلسات "للتداول" وأظن ان التداول هذا يعني تماماً الاستراحة والابتعاد عن المؤثرات النفسية التي كانت تتداول في قاعة المحكمة ما بين المدعي العام ومحامي الدفاع وارجاد النطق بالقرار الى جلسات لاحقة الهدف منها ان ينضج القرار في جو بعيد عن الانفعالات والعواطف.
أما عنذ اتخاذ قرار سياسي فانه من الشروط التي يجب ان تتوفر لدى متخذ هذا القرار هو أن يكون لديه احساس عميق بالتايخ وتنبؤ أعمق بما ستؤول الأمور اليه بعد اتخاذ للقرار، اضافة الى ذاكرة قوية وقبل ذلك كله ساعات من النوم العميق.
مثل هذه المتطلبات كانت اساسية لدى معظم الساسة في العالم قبل اتخاذ القرار! ولا تستبعد المرأة من دور رذيسي في التهيئة لاتخاذ القرار المناسب في الوقت المناسب.
فالسيدة "جولي ابل" زوجة مؤسس حزب المحافظين البريطاني ورئيس الوزاء "سير روبرت بل" قالت لزوجها ذات مرة وهو يوشك على اتخاذ قرار مصيري "ليس قبل ان تتناول طعاماً جيداً وحماماً دافئاً .. وساعات من النوم الطويل العميق"! مع انها لم تكن ذات تعليم عال يؤهلها لكي تكون حكيمة الى هذا الحد لكنها فطرة الفطنة التي لا تقتصر على الرجال دون النساء.
ومع اننا نحن المسلمين لدينا التهيئة الأنجح لاتخاذ القرار الصائب دون تردد ـ أعني بذلك الاستخارة الواردة في السنة الشريفة ـ، ومع اننا لدينا النساء المؤهلات الحكيمات اللواتي يمكن ان يأخذن أدوارهن الفعالة في اتخاذ القرار ـ وفي تاريخنا الإسلامي الكثير عن دور أمهات المسلمين، والنساء الأخريات كذلك في صنع القرار أو الاسهام فيه ـ ومع كل ذلك فان بعض قراراتنا الادارية تتم وغالباً ـ ضمن المواقف الواحدة، في ظل كل أنواع الانفعالات، وبما يرضي الذات أولاً، وتسجيل الأرقام القياسية في اتخاذ أكثر من قرار في آن واحد، حتى لو كان بين تلك القرارات تصارب واضح، وتضاد بيّن، دون مراعاة لأطراف المعادلة لاتخاذ القرار: "استخارة ومهارة وعدالة".
أما نحن أصحاب القرارات فـ "يا كثرة قراراتنا.. ويا قلة استخاراتنا.. ويا عدم جدوى حريمنا".!
ولا نزال نقرر.. وتاليتها!!
|
|
|
|
|