| متابعة
*واشنطن مراسل الجزيرة عزيز فهمي:
يبدأ وزير الخارجية الأمريكي كولن باول أول جولة في الشرق الأوسط بعد تقلده منصبه ويزور خلال هذه الجولة ثماني دول من بينها المملكة العربية السعودية وتأتي هذه الجولة في وقت أثيرت فيه علامات استفهام كثيرة عن حجم ونوع التغيير الذي سيطرأ على السياسة الامريكية تجاه الشرق الاوسط في عهد الرئيس جورج دبليو بوش.
الغارة الأمريكية البريطانية على العراق وتوجهات الادارة الجديدة تجاه العراق بالاضافة لاستمرار العنف في الأراضي الفلسطينية المحتلة ووصول شارون المعادي لمسيرة السلام، الى الحكم في اسرائيل هي الموضوعات الساخنة التي ستفرض نفسها على مباحثات كولن باول في المنطقة. مسؤول امريكي لم يشأ ذكر اسمه قال للجزيرة ان كولن باول لا يحمل رسالة محددة الى زعماء دول الشرق الأوسط وان الهدف من الزيارة هو تبادل الآراء مع هؤلاء الزعماء والاستماع الى وجهة نظرهم.
وبالاضافة الى القضايا الساخنة المشار اليها فان كولن باول سيبحث العلاقات الثنائية بين الولايات المتحدة والدول التي سيزورها.
الملف الأكثر أهمية لادارة جورج دبليو بوش حسب تحليلات الصحف الأمريكية ومراكز البحث هو العراق ولكن هزيمة ايهود باراك في الانتخابات الاسرائيلية في 6/2 ووصول أرييل شارون الى الحكم وتجميد مسيرة السلام فرض مسيرة السلام على أجندة اولويات الادارة الجديدة بعد ان قال اكثر من مسؤول ان الرئيس جورج دبليو بوش لن يركز على مسيرة السلام الفلسطينية الاسرائيلية. طوسنتناول اولا موقف الادارة الجديدة من العراق ثم موقفها من مسيرة السلام.
عندما سئل كولن باول منذ أيام ان كانت الادارة الجديدة ستعتبر احتواء العراق هو أساس سياستها تجاه العراق اجاب كولن باول «نحن ندرس الآن كل الخيارات ففيما يتعلق بالأمم المتحدة فان سياستنا هي ضرورة ان يتخلص العراق من كل أسلحة الدمار الشامل، اما فيما يتعلق بالسياسة الأمريكية تجاه العراق فنحن نعتقد ان تغيير النظام في العراق سيخدم مصالح كل الأطراف المعنية بالموضوع.
وتعبير «تغيير النظام في العراق» هو تعبير توقفت ادارة الرئيس السابق بل كلينتون عن استخدامه منذ سنين ويبدو ان تحقيق هذا الهدف هو احد أهم التغييرات المرتقبة في السياسة الامريكية تجاه العراق.
وأضاف كولن باول ان الخطر الذي يمثله نظام العراق الآن على العالم هو استمراره في محاولة انتاج أسلحة الدمار الشامل مخالفة للاتفاق التي عقده العراق مع الأمم المتحدة ووزارة الخارجية في نفس الوقت تقوم بمراجعة شاملة لكل الخيارات المتاحة امامنا وذلك بالاشتراك مع البنتاجون والادارات الحكومية الأخرى وسوف نعلن نتائج هذه المراجعة في الوقت المناسب.
كل المسؤولين الأمريكيين اكدوا ان الغارة الجوية الأمريكية البريطانية ضد العراق انما هي عملية روتينية ولا تمثل تغيراً في السياسة الامريكية تجاه العراق.
وقال العقيد المتقاعد بيرس وود للجزيرة: من وجهة نظر عسكرية وبالحكم على الغارة الجوية التي جرت يوم الجمعة 16/2 فان من السابق لأوانه القول ان هناك تغيراً في السياسة الأمريكية تجاه العراق لأن التنسيق بين دولتين )الولايات المتحدة وبريطانيا( وجمع المعلومات الاستخبارية التي استخدمت كأساس او مبرر لشن هذه الغارة قد استغرق كثيراً من الوقت ولا استبعد ان يكون قرار شن الغارة الجوية سابق على دخول الرئيس جورج دبليو بوش للبيت الابيض.
ومع ذلك فان عين المراقب لا تستطيع ان تتجاهل او تخطئ علامات واضحة على الطريق تؤكد ان سياسة جورج دبليو بوش ستختلف اختلافا جذريا عن سياسة الرئيس السابق بيل كلينتون وانها ستكون اكثر تصدامية وستتعمد تصعيد المواجهة مع العراق ومن هذه العلامات:
1 انتقاد المرشح جورج دبليو بوش سياسة الرئيس بيل كلينتون تجاه العراق ووصفها بالضعف والفشل اثناء الحملة الانتخابية.
2 في 22/1 أي بعد يومين من دخول الرئيس جورج دبليو بوش الى البيت الأبيض وجهت الادارة الجديدة تحذيراً للعراق لوقف انتاج اسلحة الدمار الشامل لأن ذلك يخالف قرارات مجلس الامن.
3 في الاول من فبراير صرحت الادارة الجديدة للمعارضة العراقية باستخدام مخصصات مالية امريكية للقيام بعمليات ضد النظام داخل العراق وقال فرانسيس بروك المتحدث باسم المجلس الوطني العراقي المعارض لجريدة النيويورك تايمز في ذلك الوقت «هذا القرار يمثل تحولاً جوهرياً» في السياسة الأمريكية تجاه العراق، لأن هذه ستكون المرة الاولى منذ عام 1996م التي ستمول فيها الولايات المتحدة عمليات للمعارضة العراقية داخل العراق.
4 ثم جاءت اخيرا الغارة الجوية الامريكية البريطانية في 16/2 ضد اهداف تتعلق بقدرات الدفاع الجوي العراقي لمنع تطويرها.
ويلاحظ ان كولن باول شدد على ان التهديد الذي يمثله العراق الآن هو الاستمرار في تطوير اسلحة الدمار الشامل، هو نفس السبب الذي اعتبره الرئيس جورج دبليو بوش مبرراً لتوجيه ضربات جوية ضد العراق للقضاء على برنامجه لانتاج اسلحة الدمار الشامل.
ويعني ذلك ان الغارة الجوية التي جرت في 16/2 قد تكون الغارة الجوية الاولى ولكنها قد لا تكون الغارة الجوية الاخيرة.
5 تصريح كولن باول عن تغيير النظام في العراق وتأكيد تصريحات مسؤولين آخرين لهذا المعنى يؤكد ان توجه الادارة الجديدة هو محاولة التخلص من الرئيس صدام حسين بل ان الصحف الامريكية ذكرت ان هناك خلافاً بين كبار المسؤولين في الادارة حول كيفية تحقيق هذا الهدف.
كل هذه المؤشرات والعلامات تؤكد ان توجهات الرئيس بوش تجاه العراق تختلف عن توجهات الرئيس السابق بيل كلينتون وسئلت الجزيرة العقيد المتقاعد بيرس وود الذي عمل كمحلل عسكري لمدة 15 سنة بعد انتهاء خدمته العسكرية واسس حديثا مركزاً بحثياً يسمى «رؤية عسكرية» Military in sights سألته الجزيرة عن مدى فاعلية وجدوى الغارات الجوية فقال ان العراق ليس كوسوفو واعتقد ان العراق سيتحمل عبء الغارات الجوية. واضاف ان الغارات الجوية وحدها مهما زاد عددها لن تؤدي الى اقصاء الرئيس صدام حسين عن الحكم واذا كان ذلك هو هدف الادارة الجديدة فان معنى ذلك ان على الجيش الامريكي ان يحتل العراق وانا لا اعتقد ان الولايات المتحدة ترغب في تقديم التضحيات اللازمة لتحقيق هذا الهدف.. ثم استطرد قائلا ان الغارات الجوية ستزيد معاناة النظام ولكن لن يتحقق هدف اقصائه عن الحكم.
وعلى صعيد الدعم الامريكي للمعارضة العراقية يذكر ان الرئيس السابق بيل كلينتون قد وقع قانونا في عام 1998م يخصص مبلغ 98 مليون دولار للمعارضة العراقية لشراء معدات واسلحة ولكن في نهاية الامر حسب تقرير جريدة النيويورك تايمز فان ادارة الرئيس كلينتون عارضت من المعارضة العراقية بالاسلحة او السماح لهم بشراء اسلحة ولم تصرف للمعارضة العراقية سوى قدر ضئيل من هذا المبلغ وكان تقدير ادارة الرئيس السابق كلينتون ان المعارضة العراقية ضعيفة ومنقسمة على نفسها ولن تتمكن من تشكيل تهديد حقيقي ضد الرئيس صدام حسين ويوضح ذلك اهمية القرار الذي اتخذته ادارة الرئيس جورج دبليو بوش في هذا الشأن.
وصرح توماس مان، أحد خبراء شؤون الشرق الأوسط في معهد بروكينجز، بجريدة الواشنطن بوست «ان الرئيس بوش قد نفذ كل التلميحات والتهديدات التي ذكرها أثناء الحملة الانتخابية، فقد اتهم سياسة الرئيس السابق تجاه العراق بالافلاس والفشل وقال ان الوضع الراهن غير مقبول وأنه سيتبع سياسة أخرى تهدف الى تغيير هذا الوضع؟ وهذا ما قام به بالفعل».
وذكرت الصحيفة في نفس التحقيق أن نا ئب الرئيس ديك تشيني ووزير الدفاع مسفيلد يدعمان تبني سياسة أكثر تشددا وتصادمية مع العراق تقوم على دعم المعارضة في حملة مكثفة بهدف التخلص من الرئيس صدام حسين. أما وزير الخارجية كولن باول، حسب تقرير الصحيفة، فيفضل خيار دعم الحصار الاقتصادي.
ويبدو أن الحوار داخل الادارة الأمريكية ما زال مستمرا، ولن تحسم نتيجته قبل انتهاء المراجعة التي تجريها وزارة الخارجية للملف العراقي، واستماع الوزير كولن باول لوجهات نظر زعماء دول المنطقة.
أما على صعيد مسيرة السلام العربية/ الاسرائيلية فكان المسؤولون في ادارة الرئيس جورج دبليو بوش قد انتقدوا مدى اقتراب وتداخل الرئيس السابق كلينتون شخصيا في المفاوضات الاسرائيلية الفلسطينية، وكان يأمل هؤلاء المسؤولون منح أنفسهم فرص الابتعاد قليلا عن مسيرة السلام لكسب الوقت لتقييم الموقف. ولكن فوز آرييل شارون في الانتخابات الاسرائيلية وتصاعد عمليات العنف في الأراضي الفلسطينية وزيادة التوتر في كل المنطقة فرض على الادارة الجديدة التعامل الفوري مع ملف مسيرة السلام.
وسألت الجزيرة الأستاذ حسن عبدالرحمن سفير السلطة الفلسطينية لدى واشنطن ان كان كولن باول يحمل أفكارا جديدة للرئيس ياسر عرفات فأجاب بالنفي. وأضاف أعتقد أن هذه الزيارة ستكون من أجل الاستكشاف والبحث والحوار وتبادل الأفكار ولكن لا توجد هناك أفكار أمريكية جاهزة لدى الادارة الأمريكية بشأن مسيرة السلام وتركيز الادارة الآن على محاولة تهدئة الموقف في الأراضي المحتلة وانهاء المواجهة والعنف السائد الآن». وقال توم سمر لينج للجزيرة «انه لا يوجد الآن كلام عن مسيرة السلام، لأنه لا توجد مفاوضات والتركيز الآن على محاولة احياء العمل الدبلوماسي».
وتوم سمر لينج هو المدير التنفيذي لمنظمة يهودية أمريكية تدعم مسيرة السلام وترى حتمية وضرورة قيام الدولة الفلسطينية وسألته عن شكل العلاقة المتوقعة بين حكومة الليكود بقيادة شارون والرئيس الجمهوري جورج دبليو بوش، وهل ستكون علاقة تصادمية كما كان الحال بين حكومة الليكود بقيادة شامير والرئيس الجمهوري جورج بوش الأب فأجاب «الادارة الجديدة ستحاول الاستفادة من خبرات ادارة جورج بوش الأب وادارة بل كلينتون ولكنها لن تسعى لتقليد أي منهما، وأشك أن الرئيس جورج دبليو بوش يريد أن يخوض أي مواجهة مع الحكومة الاسرائيلية، لأن نهاية المواجهة بين جورج بوش الأب وحكومة شامير كانت مضرة له سياسيا ولذلك فأنا اعتقد أن جورج دبليو بوش سيتجنب أي مواجهة مع شارون».
ويذكر أن المواجهة بين جورج بوش الأب وشامير بخصوص ضمانات قروض تقدر بعشرة بلايين دولار قد لعبت دوراً حاسماً في هزيمة كل من جورج بوش وشامير في انتخابات عام 1992م وصعود بل كلينتون واسحاق رابين الى السلطة.
وعندما سئل السفير حسن عبدالرحمن عن الفروق المتوقعة بين تعامل الرئيسين السابق والحالي مع مسيرة السلام خاصة في ضوء التقارير الصحفية التي قالت ان مسيرة السلام لم تكن ضمن أولويات الادارة الجديدة، أجاب «لن تستطيع أي ادارة أمريكية أن تتخلى عن الشرق الأوسط لأن المنطقة لها أهمية خاصة بالنسبة للمصالح الأمريكية، ولكن طبعا سيكون هناك اختلاف في المنهج والأسلوب، مثلا ادارة كلينتون كان لديها فريق عمل مختص بعملية السلام والبيت الأبيض كان يلعب دورا كبيرا في عملية السلام أما الآن فإن ملف مسيرة السلام تابع لوزارة الخارجية، وهذا لا يعني أن هناك اهتماما أقل أو أكثر ولكن يعكس اختلاف الأسلوب».
وبخصوص الأزمة المالية التي تعاني منها السلطة الفلسطينية الآن بسبب احتجاز السلطات الاسرائيلية للضرائب التي حصلتها من العمال الفلسطينيين الذين يعملون في اسرائيل ورفض اسرائيل تسليم هذه الأموال للسلطة الفلسطينية، وذلك اضافة للآثار الاقتصادية للحصار الاسرائيلي للضفة الغربية وقطاع غزة قال السفير حسن عبدالرحمن ل)الجزيرة( «عندما لا تتوفر ميزانيات للقرى والمدن ومؤسسات السلطة، فإن هذه المؤسسات تتوقف عن العمل بسبب عدم وجود الامكانيات المالية للاستمرار في دفع رواتب الموظفين والوفاء بالنفقات الأساسية، طبعا هناك خطر كبير يواجه مؤسسات السلطة الفلسطينية، وأضاف أن الدكتور نبيل شعث وزير التخطيط والتعاون الاقتصادي قد أثار هذه القضية عندما التقي وزير الخارجية كولن باول في واشنطن يوم الثلاثاء الموافق 20/2 وطلب منه التدخل لدى الحكومة الاسرائيلية وأن كولن باول وعد بفعل ذلك».
وأفادت وكالة أنباء رويترز أن اسرائيل تحتجز 50 مليون دولار شهريا في حين أن ميزانية السلطة الفلسطينية تبلغ 85 مليون دولار شهريا.وكان المتحدث الرسمي باسم الخارجية الأمريكية ريتشارد بوشر أعلن يوم الاربعاء 21/2 انه يجب رفع المعاناة عن الشعب الفلسطيني ويجب على الحكومة الاسرائيلية أن تحول حصيلة الضرائب ويرى كثير من خبراء بشرق الأوسط أن شارون لن يصنع السلام وان الاحتمال الأكبر هو أن تؤدي سياسته لتصاعد عمليات العنف وزيادة التوتر داخل المنطقة مما سيزيد من التحديات التي تواجهه ادارة جورج دبليو بوش ومحاولتها تصعيد المواجهة مع الرئيس صدام حسين كما سيزيد من صعوبة اقناع الزعماء العرب بالسياسة الأمريكية الجديدة.
|
|
|
|
|