| مقـالات
في السنوات الأخيرة بدأنا نلاحظ سباقاً محموماً من أجل احتواء وايقاف محاولات التسلح النووي بالنسبة للعديد من الدول في الشرق والغرب. هناك في الغرب قلق خفي وهواجس من تسلل يد رعناء كما يقولون من الشرق للضغط على الزر النووي وحينها تنطلق الرؤوس النووية المدمرة إلى أبعد نقطة في الأرض.. أهل الشرق ليسوا العرب فقط بل هناك الهند والصين واليابان ودول شرق آسيا وغيرهم هؤلاء الشرقيون ذوو دماء ساخنة وعواطف متأججة، قلوبهم عاشقة وأعينهم نصف مغمضة حالمون تائهون.. يطفح الكيل أو يغيب الوعي وتكون الكارثة هكذا يفكر الغرب. أيضاً كل الدلائل تؤكد أن الرعب الحقيقي قادم من الغرب فحينما تتجمد العواطف وتغيب العدالة ويعامل بقية البشر مثل شجر الغابات مهيأ للقطع في أي وقت دون رحمة هنا تكون الكارثة الحقيقية. على العموم الخشية الآن ليس من وقوع حرب نووية شاملة بل مما ستخلفه من دمار يغلف الكرة الأرضية من قطبيها الشمالي والجنوبي وكل الامتدادات بينهما. لقد انجز الانسان خلال العقود الأخيرة تطويراً مذهلاً في نوعية الأسلحة النووية واستخدمها بشكل مثير في الحرب العالمية الثانية وبعدها بحيث أصبح بإمكان سلاح واحد منها محمول على وسيلة نقل واحدة ان يبيد معظم سكان الأرض. وأن يدمر البيئة الطبيعية على مدى عقود قادمة إلى جانب ما سوف تتركه من أبخرة سامة واشعاعات يستمر تأثيرها بعد الحرب لسنوات عدة. الآن هناك عشرات الألوف من الرؤوس النووية الاستراتيجية والتكتيكية بعيدة المدى تملكها العديد من الدول في الشرق والغرب أيضاً هناك دول تحاول تصنيعها محلياً. في الواقع ان الحرب النووية هي الشبح الذي يعيش العالم كله ينتظره ويخشاه ويحاول جاهداً دفعه بعيداً لأن تلك الكارثة اللعينة المنتظرة لا تشكل مواجهة بين أمم متحاربة وحسب بل سوف تشمل جميع سكان الأرض الى جانب تخريبها للبيئة الأرضية بصورة يصعب اصلاحها على المدى المنظور. عندها لن يكون الأمر مجرد تحطيم الدول التي وقع عليها الهجوم بل الدمار سوف ينزل بالطرف المهاجم أيضاً وحتى الدول البعيدة التي لم تدخل الحرب مباشرة عن طريق زيادة الاصابات بمرض السرطان والأوبئة والعاهات والأجنة المشوهة.. وذلك بسبب انتشار الغبار الذري في الغلاف الجوي الذي يحيط الأرض. انه سيناريو مرعب دون شك يصور وضع العالم بعد الحرب النووية.
الوثائق تقدم أرقام ترسانة الاسلحة النووية في العالم وهي ما يقارب الخمسين ألفاً وبامكان كل سلاح منها بلوغ أي هدف حول الأرض خلال دقائق، وأن أي حرب قد تؤدي إلى ابادة 300 مليون نسمة أو حتى مليار دفعة واحدة. ومليار آخرين مصابين ولكن أي عالم سوف يواجهه الناجون؟
السؤال ما هو التأثير البيولوجي الطويل الأمد الذي تحدثه مثل تلك الحرب على الهواء والماء والتربة وعلى نظام الطبيعة كله الذي تتوقف عليه حياة الانسان والكائنات الحية أجمع.
التقارير تؤكد بأنه ستكون هناك تغيرات مناخية قاسية وسترتفع أبخرة كثيفة وأدخنة سوداء نتيجة احتراق الغابات وغازات سامة متصاعدة من احتراق المواد التصنيعية وسوف تحتجب الشمس لمدة طويلة ومدى الأذى الذي تلحقه مثل تلك الأحداث المحتملة على الزراعة والبحار والمياه العذبة والحياة البرية يبدو ان التأثيرات الشديدة على النظم الجوية تنذر بعواقب وخيمة على الانسان والبيئة ان النظم الاجتماعية الانسانية حينها وحسب السيناريو المعتمد سوف تغوص في فوضى لاحد لها عندما تحترق الأرض وما عليها من زرع وضرع. وبما أن البشر عندئذ سوف يعتمدون كلياً على الطبيعة وما تمنحه لهم من غذاء وكساء ومأوى حينها سوف يكتشفون ان النظم الطبيعية اختلت وأنها تعاني من وطأة شديدة وتبدو الأرض والتربة ضعيفة وفقيرة وخالية من الروح ومظاهر الحياة وتفتقد بالتالي قدرتها على المساعدة والعطاء ومنح الانسان ما يحتاجه.
الرؤوس النووية تلك حين تنفجر فوق المدن سوف تترك ستاراً هائلاً من السخام والأتربة السوداء ورماد المحارق، كل ذلك سوف يحول دون وصول أشعة الشمس إلى الأرض لأشهر عديدة مما قد يمنع عملية التمثيل الغذائي في النباتات ويمنحها اللون الأخضر والعناصر المفيدة لجسم الانسان فيذبل الزرع ويموت إلى جانب ان عدم استقبال الأرض لضوء الشمس سوف يؤدي إلى خفض حرارة الطقس الى ما دون الصفر ويتراكم الجليد حتى في الصيف مما يخل بالتوازن الحراري للأرض وتفنى العديد من الكائنات بعد هذا يبدو أن البشر هم من سوف يتسبب في مثل هذه النتيجة حين تبدو العواقب على المدى الطويل أشد وقعاً على الانسانية وعلى بقاء سائر الأجناس الأخرى والأحياء البرية والبحرية.
حقيقة هناك شعور عميق بالقلق حيال فاجعة ممكنة تواجه البشرية والتي تحوم فوقنا جميعاً وفوق ارضنا كلها. الآن نجد العلماء والسياسيين والمثقفين في كل العالم متحدين في الرأي بألا تكون هناك حرب نووية لأن ذلك يعني الكارثة والفناء للجنس البشري أجمع. ان التصميم الجماعي العالمي على العمل من أجل انهاء التسابق للتسلح النووي بحيث لا يتحقق سيناريو الحرب ذلك وعلى الدول الكبرى التي تملك ترسانة اسلحة ان تبدأ بنفسها أولاً وتحد من شعور السيطرة على العالم والرغبة في اخضاع الآخرين.. مما سيولد عنفاً مضاداً على المدى الطويل.
وليس لنا ان نقول غير أيها الشعراء والمصلحون، أيها الجنود والعاملون يا أدباء وعلماء اسعوا جميعاً من أجل صنع عالم مستقر يحيطه السلام والهدوء. لقد عاشت البشرية قروناً من الصراعات والحروب والصدامات وقد آن لها أن تهجع وترتاح حتى تتذوق نتائج ابتكاراتها العظيمة وتستمتع بها. وعلينا جميعاً أن نسارع في سن سياسة تتعهد للأرض والانسان مستقبلاً مستقراً.
|
|
|
|
|