|
| مقـالات
تربطني بالأخ الكريم الدكتور محمد بن ثنيان الثنيان الأستاذ في قسم التاريخ بجامعة الملك عبدالعزيز أواصر وثيقة من الود والصداقة منذ ان كنا طالبي دراسات عليا في بريطانيا، وكان في أقصى جنوبها حيث الدفء النسبي في مدينة اكستر مع عدد من الاخوة الزملاء في طليعتهم الدكاترة عبدالعزيز المانع، وعبدالله الغذامي، وسعد الغامدي، وعمر العقيلي، وعبدالله السيف، وربيع بدير. وكنت في شمال تلك البلاد حيث الجمال يخفف من وطأة شدة البرد في مدينة ادنبرا الاسكتلندية، وكان ممن سعدت بزمالتهم هناك من السعوديين الدكاترة: محمد الهدلق، وعبدالله الحييد، وعبدالله الجربوع، ومحمد اسد الله، بالإضافة إلى زمالة ذوي تخصصات علمية، ومنهم الدكاترة عبدالرحمن آل الشيخ، وعبدالعزيز المشاري، وفهد العبدالجبار، وكان الاخوة المانع والغذامي وبدير في هذه المدينة الجميلة، لكن يبدو ان شدة برودتها كانت من بين الأسباب التي جعلتهم ينتقلون منها إلى اكسترا بحثاً عن الدفء النسبي.
نعم كانت معرفتي بالأخ الدكتور محمد الثنيان منذ ذلك الوقت، أي منذ اكثر من ثلاثين سنة. ولم يزد مرور هذه السنوات صلة الود بينه وبيني إلا عمقاً وتوثقاً. كيف لا وهو المتحلي باللطف والنبل والكرم؟ وإذا كانت هذه هي معرفتي الاخوية به فإن معرفتي العلمية به ليست اقل وزناً وتقديراً. لقد عرفته باحثاً يحاول ألا يكتب إلا ما هو جديد، وصياداً لا يقدم إلا على اقتناص شوارد المسائل، ومتى وجه سهامه إلى هدفه لم تخطئه، وكان من شوارد صيده هذا البحث اللطيف الذي جعل عنوانه «عبدالعزيز بن رشيد والحماية البريطانية». ولقد أشارت بعض المصادر مثل «دليل الخليج» تأليف لوريمر، إلى طلب الأمير عبدالعزيز بن رشيد الحماية البريطانية، كما أشارت اليه ايضاً بعض الدراسات مثل دراسة محمد الزعارير «إمارة آل رشيد في حائل». فقد ذكر «ص 172»: بغض النظر عن أسلوبه ودقة ما قاله : «وفي مبادرة هي الأولى من نوعها على صعيد العلاقات بين آل رشيد والسلطات البريطانية قام عبدالعزيز الرشيد بالاتصال مع السلطات البريطانية في سنة 1319ه/1901م بعد غزو شيخ الكويت وابن سعود للقصيم، ومن الدوافع لهذه المبادرة من جانب ابن رشيد اعجابه بالامتيازات التي يتمتع بها شيخ الكويت، وتأخر الحكومة العثمانية عن ارسال المساعدات التي طلبها ابن رشيد عند غزو شيخ الكويت وابن سعود لبلاده، كما اتاحت رسالة السلطات البريطانية لابن رشيد التي تطلب تسوية الخلافات بين ابن رشيد وأمير الكويت اقامة علاقات ودية مع السلطات البريطانية، ولكن قبل قيام هذه العلاقات اشترط ابن رشيد ان تقوم السلطات البريطانية بإمداده بالأسلحة والذخائر، وان تعزل الشيخ مبارك «وصحتها مباركاً» عن الكويت وتضع مكانه ابن شقيقه مقابل عدم تدخله في شؤون الكويت، وان يقوم بضمان سلامة المنشآت البريطانية المتمثلة في الخط الحديدي عبر جزيرة العرب».
وقد كوّن كتاب الزميل الصديق الدكتور الثنيان الإصدار الخامس من سلسلة البحوث التي تقوم بنشرها الجمعية التاريخية السعودية، فجاء نشره عام 1420ه مشتملاً على مائة وإحدى عشرة صفحة.
بدأ بحث الدكتور محمد المتحدث عنه هنا بإهداء، فشكر، ثم تقديم بقلم رئيس تحرير السلسلة، الزميل الأستاذ الدكتور عبدالعزيز بن صالح الهلابي.
وبعد هذا التقديم جاءت كتابة الدكتور محمد عن موضوعه الأساسي تحت العناوين الآتية: مقدمة ما بعد الصريف طلب الدخول تحت الحماية ابن رشيد والعثمانيين «وصحتها العثمانيون» العثمانيون بين ابن رشيد ومبارك ابن رشيد والشرط الأساسي مراسلات المسؤولين البريطانيين خطة كيرزون وتداعياتها من الحماية إلى صلح هزيل خزعل وكمبول الجهود لابرام الصلح تعثر الصلح فشلت الحماية ولحقها الصلح لماذا طلب الحماية؟.وبعد الكلام عن كل الظروف التي واكبت طلب الأمير عبدالعزيز بن رشيد الحماية البريطانية اورد الدكتور محمد ملحقاً مشتملاً على صور للوثائق البريطانية التي استعملها في بحثه. ودراسة أخي وزميلي الدكتور محمد الثنيان جديدة في استقصاء تفاصيل موضوعها، جيدة في توثيقها، حسنة في اسلوبها، وكل هذه الصفات ليست غريبة على كتابة باحث مثله، وهي ما تجعل لما يكتبه قيمة واضحة لدى المهتمين بالدراسات التاريخية الحديثة عن هذه البلاد. وما سأقوم به في هذه القراءة لكتابه مزيج بين إثارة سؤالات إضافية إلى السؤالات التي أثارها في دراسته، وإبداء وجهة نظر قابلة للنقاش، واعطاء معلومات إضافية قد تزيد من ايضاح بعض المسائل، وكل هذا كما آمل محاولة لترسيخ مفهوم القارئ الكريم عن الأحداث في الفترة التي تناولتها الدراسة.
وقبل البدء بالقيام بما رسمت لنفسي ان اقوم به ارى من المناسب اعطاء فكرة موجزة عن علاقة إمارة آل رشيد بالدولة العثمانية وبالذات قبل الفترة التي حدث فيها طلب الأمير عبدالعزيز بن رشيد الحماية من بريطانيا.
كان لموقع جبل شمّر، مركز إمارة آل رشيد، أثره في تحديد طبيعة علاقة هذه الإمارة بالدولة العثمانية، في ولاياتها في العراق والشام والحجاز. من المعلوم ان ذلك الجبل واقع بين القصيم، الذي كان من بين وجوه نشاط أهله الاقتصادية تصدير الإبل من نجد إلى الشام وفلسطين ومصر، إضافة إلى نشاط سكان الجبل أنفسهم في هذا المجال. وكان غنى تلك الولايات العثمانية مقارنة بنجد حينذاك من العوامل التي دفعت أعداداً من النجديين وبخاصة اهل القصيم ومن يليهم شمالاً، إلى السفر إليها بحثاً عن الرزق، وكثير من أولئك المسافرين شأنهم شأن تجار الإبل كانوا يعودون إلى مواطنهم النجدية بعد فترة تطول أو تقصر، لكن منهم من لم يعودوا، وإنما بقوا حيث انفتحت لهم أبواب الرزق وطاب لهم العيش.
وبالإضافة إلى ذلك فإن موقع جبل شمّر جعله ممراً مناسباً للحجاج القادمين من العراق أو عبرها من بلاد فارس إلى الحجاز. وكان لهذا منافع اقتصادية تحصل عليها إمارة آل رشيد مقابل حماية قوافل الحج،
ويحصل عليها اتباع هذه الإمارة مقابل تقديم خدمات لتلك القوافل او نتيجة للتبادل التجاري مع الحجاج.ومن المعروف ما للمصالح الاقتصادية من تأثيرات واضحة على المواقف السياسية، ومن هنا فإن العلاقات السياسية بين إمارة آل رشيد والدولة العثمانية ممثلة بالولايات التي أشير إليها سابقاً، كانت كما كان متوقعاً وثيقة. ولقد اتضح وثوق هذه العلاقات بين الطرفين في الفترة المتحدث عنها، سواء عندما كانت تلك الإمارة جزءاً من الدولة السعودية الثانية او بعد ان انتزعت أقاليم نجد منها.
ومع ان الأمير من آل رشيد كان قبل دخول الملك عبدالعزيز الرياض مبتدئاً الدولة السعودية الثالثة موالياً للدولة العثمانية مبدياً خضوعه لسلاطينها فإنه لا يبدو ان البلاد التابعة له كانت ولاية بالمعنى المفهوم من هذا الاصطلاح الرسمي؛ مثل الحجاز أو الشام أو العراق.
عبدالله الصالح العثيمين
|
|
|
|
|
