| مقـالات
يرتبط المرور ارتباطاً وثيقاً بموضوع التنمية، فحركة الانتقال من مكان لآخر سواء للأفراد أو المواد لها اهميتها في تحقيق مطالب التطور الاقتصادي والاجتماعي وفي تلبية حاجات الافراد وأهداف المجتمع، والمرور بهذا المعنى عصب رئيس في العملية الانتاجية ومقوم جوهري من مقومات التنمية. واذا كانت السيارة هي احد المخترعات العصرية الحديثة، حيث تعد اهم الادوات الرئيسة في حركة المرور فانها رغم ما حققته للبشرية من منافع عديدة وفوائد متنوعة منها سرعة نقل الاشخاص والاشياء وتوفير الوقت والجهد وتحقيق الراحة والسعادة والمتعة، وقضاء الحاجات وتلبية المطالب وزيادة الروابط ، فضلاً عن تحقيق احتياجات التنمية وأهداف المجتمع، فإن لها آثارها الضارة سواء على الصحة العامة لأبناء المجتمع أو في مجال الطاقات المستنفذة فيه، وهو ما ينعكس سلباً على التنمية في المجتمع . لقد قدر الخبراء أن الدول تخسر على المستوى الوطني مئات الملايين من الأموال، نتيجة مشكلات المرورالمتمثلة في ضياع الوقت وهدر الطاقات وزيادة النفقات واستهلاك المعدات والمركبات وقطع الغيار والوقود والطاقة... هذا بخلاف التأثير السلبي الضار على النواحي الصحية الناجمة عن مشكلات المرور المختلفة وما يصاحبها كتلوث البيئة، وضوضاء المرور، وحوادث الطرق. يقول د. محمد شفيق في كتابه «التنمية والمتغيرات الاقتصادية» مشكلة المرور مشكلة ليست محلية قاصرة على دولة بعينها، وانما هي مشكلة عالمية تعاني منها اغلب المجتمعات المعاصرة سواء الغنية أم الفقيرة، المتقدمة أم المتخلفة، الصناعية أم النامية. ان الزيادة في حركة المرور التي صاحبتها مشكلات مختلفة هي المحصلة النهائية للنمو السكاني المتزايد والتوسع الصناعي والزراعي والتجاري وزيادة لنشاط الصادرات والواردات ، وكذلك نتيجة سوء التوزيع الجغرافي للسكان وتباين كثافتهم في المناطق المختلفة مع ارتفاع معدلات الهجرة الى المناطق الحضرية التي ادت الى زيادة اعباء المدينة، فضلا عن سوء التخطيط العمراني للمدن، وضعف بعض شبكات النقل والمواصلات وسوء حالة عديد من المرافق، مع زيادة اعداد المركبات الناجمة عن ارتفاع المستويات الاقتصادية لكثير من فئات المجتمع. وغير خافٍ، ان لمشكلة المرور اسباباً متعددة الجوانب كما ان لها آثارا مختلفة في مجالات متعددة، ولقد اختلفت الاسباب في اهميتها وآثارها وطبيعتها ، فمنها ما هو اساسي له تأثير جوهري ومنها ما هو ثانوي ، كما ان منها ما يرجع الى تاريخ ماض وظروف سابقة، خاصة ما تعلق منها بالتخطيط والتنظيم القديم للمدن والطرق وشبكات المواصلات في حين ان بعضها يكون نتيجة عوامل حاضرة متعلقة بالتنظيم الحالي. كذلك، هناك اسباب تتعلق بالنواحي الاجتماعية والتخطيطية والسكانية والجغرافية، وعوامل اخرى ترتبط بالابعاد الاقتصادية والسلوكية والقانونية والادارية. اما عن آثار مشكلة المرور وخاصة على التنمية في المجتمع فانها تختلف هي الاخرى في جوانبها المتعددة، فهناك آثار ضارة من النواحي الصحية من حيث تلوث البيئة واضرار الضوضاء ونتائج حوادث الطرق. كم ان هناك آثاراً سلبية من ناحية استنفاذ طاقات المجتمع وقدرات ابنائه سواء فيما يتعلق بالوقت الضائع في وسائل المواصلات او النفقات المهدرة بسببها او في ارتفاع معدلات الجريمة في المجتمع.
إذن، فأسباب مشكلات المرور تتعدد من نواح وأبعاد مختلفة، بيد ان اهمها يتمثل في:
1( معدل التزايد السكاني العالي كأحد عوامل تفاقم مشكلة المرور في المجتمع.
2( سوء التوزيع الجغرافي للسكان وتباين الكثافة السكانية في المناطق المختلفة وتمركزهم في العواصم والمدن الهامة والمراكز الحضرية الصناعية والتجارية.
3( الهجرة الداخلية المتزايدة من المناطق الريفية التي ادت الى زيادة حجم المناطق الحضرية وهو ما يشكل اعباء متزايدة على المدن المكتظة غالبا بسكانها باعتبارها مراكز جاذبة تتميز بوجود المنشآت والمؤسسات المهمة في مجالات مختلفة.
4( سوء التخطيط العمراني للمدن ووجود نقص في شبكات الطرق وعدم وجود طرق بديلة لاستيعاب الكم الضخم من السيارات، مع مرور الطرق السريعة داخل المدن، علاوة على سوء تصميم المباني والتقاطعات والمداخل والمخارج الرئيسية.
5( الزيادة الكبيرة والمطردة لعدد السيارات الخاصة المملوكة للافراد، نتيجة ارتفاع مستوى المعيشة وزيادة دخول قطاعات مختلفة من الافراد.
ان مشكلات المرور تعتبر من معوقات التنمية في المجتمع وذلك بالنظر لآثارها السلبية المتعددة على مختلف جوانب الحياة ، حيث تؤثر مشكلات المرور تأثيرا ضارا على النواحي الصحية للافراد وهو امر له انعكاساته السلبية على التنمية في المجتمع خاصة اننا مجتمع نام في اشد الحاجة الى ثروتنا البشرية وأيدينا العاملة واستثمارها في تنمية المجتمع.
كما انه ينجم عن تسيير الاعداد الكبيرة من المركبات بالطرق المختلفة نواتج احتراق مثل اول غاز اكسيد الكربون والرصاص واكسيد النيتروجين.. وهذه الملوثات تؤدي الى تأثير ضار على جسم الانسان والحيوان والنبات.
ثم ان لضوضاء المرور آثاراً سلبية على الحالة الصحية العامة للانسان وهي بهذا تعتبر معوقاً من معوقات التنمية التي تعتمد في احد جوانبها الاساسية على الصحة العامة لأبناء المجتمع، وباعتبار ان الفرد هو العنصر الاساسي لتحقيق التقدم والتنمية في اي مجتمع. كذلك تعتبر الخسائر الناجمة من حوادث المرور سواء في الارواح او ما ينجم عنها من اصابات وعاهات او خسائر مادية وتلفيات في المركبات او المنشآت او المواد من معوقات التنمية في المجتمع بالنظر لتفوق آثار الخسائر الناجمة عن تلك الحوادث على كل انواع الجرائم الاخرى. وهناك مشكلات المرور التي تؤثر تأثيرا ضارا على التنمية، حينما تستنزف طاقات من المجتمع وتهدر قدرات منه وتضيع بعض إمكاناته وتزيد من نسبة الوقت الضائع سدى. ولا شك انه كلما زادت حدة مشكلة المرور في مجتمعنا زادت معها نسبة الوقت المهدر والزمن الضائع سدى. كما تؤدي مشكلات المرور المتمثلة في اختناقات الطرق وتكدس المركبات وازدحام الشوارع الى بطء حركة وانسيابية المواصلات وانخفاض سرعة السيارات مع طول فترة الانتظار في الطرق وإشارات المرور، وهو امر يؤدي الى زيادة الاستهلاك في وسائل المواصلات من حيث المحرك وقطع الغيار، فضلا عن زيادة نسبة الفاقد المستهلك في الوقود والزيوت والشحوم.
أخيرا، فان مشكلات المرور تسهم في زيادة معدلات الجريمة في المجتمع وهو امر له انعكاساته السلبية على التنمية، فازدحام السيارات ووسائل المواصلات يعتبر عاملا مساعدا على اقتراف الجريمة، خاصة جرائم النشل وخطف المصوغات والاموال، وقد اثبتت اكثر من دراسة مسحية ان تلك الجرائم قد زادت بشكل واضح في الآونة الاخيرة.
د. زيد بن محمد الرماني
|
|
|
|
|