| عزيزتـي الجزيرة
قرر الفيلسوف البريطاني كولن ولسون ان يتعاطى المخدرات من اجل ان يعيش تجربة مع الواقع الجديد الذي يمنحه المخدر وكان ذلك عام 1963م
وبالفعل كان في مخيلة ولسون قبل ان يتناول عدة جرعات رصيد متناثر لفلاسفة قبله كان لهم نفس التجربة من امثال هكسلي وسارتر وغيرها.
ولكون ولسون كان يعتقد انه ما من رجلين يصيبهما المخدر بطريقة واحدة، فقد جلس في بيته وشرع في تناول المخدر ودخل التجربة من ابوابها الامامية. وفي كتاب )ما بعد اللا منتهى( يروي لنا ولسون بقلمه كيفية دخوله تجربة المخدر وكيفية خروجه منها.
ففي البداية كان ولسون يعتقد ان المخدر هو الطريق الحقيقي للادراك ، وعندما دخل المخدر الى جوفه بدأ ينتظر بالتدريج ما الذي سيفعله المخدر به ظناً منه بأن اللحظات القادمة ستكون اللحظات الاكثر سعادة وحيوية وتألقا في حياته. وباختصار شديد كان ولسون يعتقد ان المخدر سوف يغتصب له نشوة الحياة. لكنه سرعان ما اصطدم بواقع سيئ اثر امتزاج المخدر بدمه، فعوضا عن النشوة وسعادة اللحظات الانية التي كان ولسون يبحث عنها ابتداء من القراءة وانتهاء بالمخدر وجد نفسه داخل مصيدة قذرة ، ووجهد نفسه محاطاً بالانزعاج فيما بدت اعصابه ترتعش وشعر في دخيلة نفسه ان البيت بدأ يضيق عليه، فخرج وسار بمحاذاة الشاطئ بعض الوقت، ثم استوقفه رجل كان يعرفه وتحدث معه عن اشياء لم يكن ولسون يفقه اي شيء منها، ثم عاد سريعا الى البيت هربا من الناس والشاطئ والبحر، وارتمى على السرير واطلق كلمته المشهورة التي اثبتها في كتابه فيما بعد عن فلسفة اللا منتهى تلك الكلمة او العبارة التي قالها هي )يا ربي لن التمس هذه المادة القذرة مرة ثانية(.
ووجود هذه الكلمة كشهادة للفيلسوف ولسون عن تجربة مع المخدر في سياق كتابه معناها ان ولسون شرع في ممارسة الاقلاع وهو لم يزل بعد في عمق التجربة، وان لم يقل ولسون ذلك صراحة ومعناها ايضا ان اكتشاف المخدر لا يمكن ان يكون طريقا للادراك، ومعناها ايضا ان الاقلاع وفق الدلالة الروحية هو اسمى صيغة يبحث عنها الانسان الضائع وهو في عمق البلاء والكرب.
وهكذا فقد اكتشف ولسون ان هروبه من واقع الحياة وان تملصه عن فكرة الانتحار التي كانت تراوده الى تعاطي المخدر الذي كان يعتقد انه سوف يجد فيه نهاية لالامه ومتاعبه في الحياة ليس حلا نهائىا طالما ان رصيد الفطرة الانسانية قوي.
اما اكبر استدلال ظفر به ولسون بوضعه فليسوفا جديدا فيما يسميه )ببلد العميان( فهو انه مهما كانت معنويات المدمن مرتفعة ومهما كانت حوية الاستعداد النفسي لدى متعاطي المخدرات فانه لا يمكن للمخدرات ان تكون بديلا عن الواقع السيء السمعة، والذين يتعاطون المخدرات هربا من حالات الاكتئات او بدافع التعبير عن رفضهم للحياة هم اناس ليسوا فاقدي الثقة بالايمان فحسب وانما هم اناس فقدوا الثقة بالنفس وبالامل وبالاخرين.
وعندما جاءت الشيوعية وقالت: ان الدين افيون الشعوب كانت تستهدف تعرية الجانب المضيء من حياة الانسان ونبل مشاعره امام جبروت المادة وتضاؤل الاختيار، وكانت تستهدف الغاء الصلة الروحية بين الخالق والانسان والقضاء على آخر امل يعيش به ومن اجله الانسان.
ولعلنا نرى في نموذج المفكر ولسون انه حين رفض الحياة واتجه نحو المخدرات كان )قليل من الايمان( هو الشيء الذي اعاده مرة اخرى من عالم الكرب الى الحياة.
ولا تعتبر تجربة ولسون الا جزءا بسيطاً من تجربة فليسوف اخر هو )كير كنهارد الدانمركي( الذي سبقه بعشرات السنوات، حيث وجد في الاميان بالله انقى صيغة الحياة.
والانسان من وجهة نظره اذا لم يكن اخلاقيا من البدء مع نفسه فهو لا يستطيع ان يكون اخلاقيا في الحياة سواء مع اعيانه او مع قضاياه.وبعد : فهذا )ولسون وذاك كير كيفارد( فكيف وبعض شبابنا المسلمين ينقادون إلى تلك الافة الخطيرة واللعينة.. وهم المسلمون المؤمنون وحيث ان تلك المواد المخدرة هي محرمة في ديننا وعقيدتنا..
فليسامحهم الله.. وليدفع عنهم هذا البلاء.. وليعودوا ا لى رشدهم والى ايمانهم وليحاربوا معنا المخدرات اينما كانت وحيثما وجدت لنعيش مجتمعا مسلما خاليا من المخدرات.
وسيلة محمود الحلبي
|
|
|
|
|