| محليــات
من الموضوعات التي تشغل ذهني، بل تؤرقني هو ما يعتور اللسان العربي من ضعف في لغته، وما ينال بالتالي هذه اللغة من جروح...، ويلحق بها من آلام...، حتى يُخيل إليَّ أنها كسيرة حزينة...، تشكو بصمت، وهي تصرخ بصوت...!
ولم يعد اللسان العربي هو الذي تتمزق، وتُجرح فوقه، وعنه وبه هذه اللغة الأم...
بل تخطى الأمر من الناطق المنطوق بها...، إلى القلم الكاتب والمكتوب...!، ذلك أن الأخطاء المدوَّنة في اللغة العربية، تجري بها الأقلام بمثل ما يُخطىء أصحاب هذه الأقلام...
والماسكون بالأقلام، والمحرِّكون الآن «فأرات» الحاسوب الذين يخطئون فيها إنَّما هم الناس الذين لم يتمكنوا منها، ولم يتعلموها بشكل صحيح، ولم يمارسوا الحديث بها في صوابها المثالي، كما أن فصيحها تداخل مع غيره...، وخضعت لغة العامة للامتزاج بلغة الخاصة، ودرجت الألسن والأقلام على تقلُّد الخطأ فيها وتعميمه بانتشار استخدامه...، ولم يقف الحدُّ عند هذا، بل أُسند أمر تفسير المكتوب في لغات أخرى في المحال التجارية، والأسواق ، وفي الدعايات، بل الإعلانات إلى من «تعلَّم» اللغة العربية عن طريق «المحادثة» في مجال العمل، فتجيء كتابته تمثِّل نُطقه...، وتعبيره بمثل تفكيره...
وأذكر أنَّني تعمَّدْتُ منذ زمن أن أسجِّل في «سجل» خاص ما أشاهده من هذه الأخطاء كلَّ ما مررت بها، قرأتها أو سمعتها، وغالباً ما تؤكد على «إهمال» هذه اللغة بين أهلها، والنماذج التالية تدلِّل على ذلك بشكل لايخطىء إدانة أهل العربية في هذا الأمر:
في أحد المحلات التسويقية الكبرى وُضع إشعار كبير على قطعة قماش مستطيلة للمستهلكين يخبرهم عن وجود أحواض سباحة منزلية متنقلة للأطفال بأسعار معتدلة جاء كالتالي:
« في هنا مسبح كبيرة للأطفال في بيت يمكن يستعملها».
وعند محطة وقود وُُضع إعلان كبير على ورق ملون «واحد علبة منديل هدية عشان إنت تدفع 35 ريال في بنزين مرة واحدة».
وفي إحدى محطات الطرق الطويلة عُلِّق تنويه عن وجود دورات مياه كالآتي: «هنا فيه همام هرمة» «هنا فيه همام رجَال».
والفاحص الثاقب في أسماء الشركات، والمطاعم، والتموينات، والأسواق التجارية سيجد الكثير من الأخطاء سواء في الكتابة، أو الترجمة، أو التفسير، أو الشروحات، التي تتعلق بها أو بمحتوياتها، أو بأمرٍ من شؤونها...
كما أنَّ المتابع لايرتاح له بال وهو يجد أنَّ يوماً من أيامه لا يمرُّ دون أن يشاهد فيه اللغة العربية والإهمال ينهكها، والجفاء يمسُّها، والخدش يلحق بها، والتشويه تتعرَّض له في كلِّ مكان، وعند كلِّ المستخدمين لها، وعلى كافة المستويات، والحالات.
وكنتُ قد عرجت سابقاً في هذا المكان على ما تقدمتُ به من مقترحات في المؤسسة التعليمية الكبرى، جامعة الملك سعود، لإصلاح أمرها بدءاً في مجال الاستخدام الشفاهي، ومن ثمَّ الكتابي، عند الأساتذة والإداريين، والكاتبين والنَّاسخين، وانتهاءً بالدارسين. وبدأتُ بطلب إصدار قرار يرفض أي خطاب ترِدُ فيه أخطاء لغوية نحْوية كانت، أم إملائية، أم تعبيرية. وقد استجاب لهذا الطلب في حينه مدير الجامعة معالي الأستاذ الدكتور أحمد بن محمد الضبيب وأصدر تعميمه بهذا الشأن.
ما ذكَّرني به هذه المخاطبات والمكاتبات والملصقات، والإعلانات التي تفتقر إلى سلامة اللغة وصحتها تلك التي كثرت، واكتظَّت بها مكاتبنا وشوارعنا، وضاقت بها نفوس من يحرِّرها من النِّساء والرجال، بل من يقوم بتوزيعها منهم، بل حتى أجهزة النقل السريع فوق المكاتب... أو في الشوارع!!...
وما أكد هذا الحماس في داخلي في شأن اللغة العربية ما ازداد من انتهاك لسلامتها، وصحتها على الألسنة، وفي كلِّ ما نقرؤه خلال عبورنا اليومي بالشوارع، أو وقوفنا عند المتاجر، والصيدليات وسواها...
ولقد سعدت بما تمَّ مؤخراً في دولة الإمارات العربية، عندما صدر قراررسمي بإجراء عقوبة مادية يخضع لها أصحاب الشركات، وكافة المتعاملين مع اللغة العربية الذين يُوردون أخطاء لغوية في اعلاناتهم، واستخدامهم لها، تبلغ )135( دولاراً عن كلِّ خطأ... كما قرأت عن ذلك في الآونة الأخيرة في إحدى المطبوعات...
إنَّه الأمل... وإنَّه الأمنية أن يتم إجراء العقوبات على كلِّ من، وما من شأنه الإساءة إلى اللغة العربية كي تنجو من براثن النماذج المذكورة، وتلك التي نمرُّ بها كلَّ يوم في كلِّ يوم عشرات المرَّات على الألسنة والورق وكل ما يستوعب حروفها.
|
|
|
|
|