| عزيزتـي الجزيرة
عزيزتي الجزيرة
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
«... كان «سِنِمّار» هندسياً فذاً، ومعمارياً رائعاً، تجلى ذلك في تلك التصميمات الرائعة، والمباني الناظرة، التي رسمها فكره، وشيدها تخطيطه...
وكنتيجة لهذا التألق وذاك التميز؛ فقد وصل صيته مجالس الملوك، ولامس اسمه مسامع الرؤساء فدعاه أحد الزعماء، وطلب منه أن يخطط لبناء قصر عظيم وصرح كبير؛ يظل حديث الحاضر والمسافر وحديث المجالس والمسامر..
وتلبية لهذا الطلب فقد شرع «سنمار» في تشييد ذاك القصر العظيم والصرح الفريد...
استمر على هذا التخطيط والتنفيذ قرابة «عشرة» أعوام حتى اكتمل القصر وشمخ الصرح..
جاء الزعيم ورأى قصره، فأعجبه منظره، وسحره مظهره؛ إذ إنه كان قمة في الروعة ، وتكاملاً في الحسن لدقة تصميمه، وبراعة ترتيبه وتنظيمه... فخشي الزعيم من فرط إعجابه بقصره خشي أن يأتي يوم فيبني «سنمار» قصراً يماثله في الروعة ويحاكيه في الجمال...
فخطرت له خاطرة عدوانية، وغلبت عليه نزعة شيطانية؛ فأمر بأن يرمى هذا المهندس الماهر، والمعماري الرائع، أمر أن يرمى من شاهق القصر؛ فيموت؛ فيبقى قصره فريدا لا تماثله القصور ولاتحاكيه الصروح...» وهناك رواية أخرى لهذا المثل؛ لايحسن ذكرها إيجازاً.
فكان يُطلق مثلاً على كل من جوزي بعكس ماكان يعمل من خير «جوزي جزاء سنمّار»..
وبعد قرونٍ عديدة، ودهورٍ مديدة؛ تكررت هذه القصة، وعاد ذاك الجزاء..؟!
نعم.. إنه عاد ويتكرر في نهاية كل عام دراسي..!! ومن هم ضحيته..؟! إنهم طلاب الشهادة الثانوية، وليسوا جميعاً؛ بل هو مقتصر علي المميزين منهم، والمجتهدين طيلة سنوات دراستهم..؟!
كيف يحصل هذا الظلم؟ وكيف يقع هذا الجور؟!
لكي تعرفوا هذا كله؛ فتعالوا نرى جميعاً حالة ذلك الطالب المصنف ضمن قائمة الطلبة المتفوقين مذ بدأ دراسته من الصف الأول الابتدائي، مرورا بالمرحلة المتوسطة، وانتهاء بالشهادة الثانوية..؟!
دخل هذا الطالب فصله في السنة الأخيرة من المرحلة الثانوية، وهو مقبل على أبواب الجامعة، ورجله تلمس عتبة المستقبل، دخل فصله وكله عزيمة وإصرار على إكمال تفوقه، واستمرار عطائه دخل وكله أمل في أن يحقق طموحه وآماله فينطلق من هذه المرحلة نحو تحقيق مايرجوه منه وطنه وما تتطلع إليه منه أمته؛ ليصبح عضواً نافعاً في مجتمعه ووطنه وأمته.
أخذ هذا الطالب «المتميز» مكانه في فصله، متلهفاً إلى سماع أول دروس هذا العام الدراسي الحافل .. بدأ الدرس الأول، وكالعادة يلقي المعلمون في مثل هذه الدروس المواعظ والنصائح والإرشادات؛ التي تتحدث عن أهمية هذه المرحلة، وما يجب علي الطالب عمله من جد واجتهاد وحرص ومثابرة..
ولكن.. انطلقت من فم ذاك المعلم كلمة وقعت في قلب هذا الطالب المجد وقعة السهم القاتل، الذي قتل شوقه وتلهفه ونشاطه، قتل آماله وطموحاته وتطلعاته، قتل ودفن كل ماقدمه هذا الطالب في كل سنواته الماضية...
ماهي هذه الكلمة؟ وكيف كان لها هذا الوقع الأليم والأثر النفسي الكبير..؟!
يقول المعلم وهو يوجه طلابه ويرشدهم مؤملاً أن يشد من عزائم طلابه، وقد أفسد من حيث أراد الإصلاح!! يقول: «إنكم الآن في هذه المرحلة كأسنان المشط المتساوية...!! فلا ينظر أحدكم إلى سنواته السالفة، وماقدم فيها من نشاط أو كسل، من حرص أو فتور..!! أنتم الآن في هذه المرحلة قد استوى فيكم المجد والكسول، والمؤدب والشغوب، والمسيء والمحسن..!! لن ينفع أحدكم ما أحسنه في السنين الماضية، ولن يضر أحدكم مااقترفه في السنوات الخالية..!!
كلكم في نظر الجامعة سواء!! لاتفرق بينكم سوى شهاداتكم التي ستخرجون بها في هذه السنة فقط..!! لن تنظر الجامعة أ و أي جهة أخرى إلى شهاداتكم في سنواتكم الماضية كلها، لن ينظروا إلا في شهاداتكم وما حصلتم عليه من المعدل في هذه السنة فقط..؟!.
هنا. وقع الفأس في الرأس هنا.. ذابت كتل النشاط، وفترت العزائم القوية، والتطلعات السامية...
لايقع اللوم على هذا المعلم إطلاقاً، إنما هو نقل الصورة الحقيقية، والمعيار المتبع إلى تلاميذه، نقل هذا المعلم تلك المسطرة «المعوجّة» والمقياس الجائر الذي تقاس به هذه الفئة المتميزة من الطلاب في هذه المرحلة الحساسة...
ماذا ينتظر من طالب كان يطير فرحاً سنوياً، ولمدة )أحد عشر عاماً( بعد انتهاء كل سنة دراسية..!! ماذا ينتظر منه وقد رأى هذه الصورة البائسة، والمقياس الجائر، والنظرة الظالمة التي ينظر إليه بها في هذه السنة وكأنه من زمرة الطلاب المهملين أو )العاديين( فلا تمييز ولا مراعاة ولا تقدير...!!
إنه يجب أن يكون لمثل هؤلاء الطلاب وهذه الفئة المميزة تقدير خاص، ونظرة منصفة؛ تقدر عطاءهم، وتشحذ هممهم، وتقوي عزائمهم؛ ليمضوا قدما نحو مستقبل مزهر إن شاء الله تتفتح فيه مداركهم، وتشع فيه مواهبهم؛ فيعرفوا مسؤوليتهم، ويميزوا مصالحهم؛ فيخدموا بعد ذلك أمتهم ووطنهم بمثل ما نالوا من خدماته من قبل، ويقابلوا الإحسان بالإحسان، والتقدير بالتقدير؛ فتكسب الأمة بعد ذلك شباباً قادراً على النهوض بها والرقي بحضارتها والعمل على مافيه خيرها وعزتها ورفعتها...
إن تمييز هؤلاء الطلاب في هذه السنة ليس لغرض إراحتهم، أو السعي إلى التقليل من اجتهادهم وحرصهم؛ إنما هو تحسب لأي طارئ قد يطرأ على حالة الطالب من ظروف اجتماعية أو صحية يكون لها الأثر السلبي على مستواه في هذه المرحلة الحساسة، وبلا هذا التمييز يكون قد هدم كل مابناه لسنوات عديدة؛ لابفعله ولكن بفعل ظروف عارضة قللت من مستواه وأزهدت من حرصه.
وبعد أن عرضت هذه الحالة البائسة، وأوضحت هذه المعاناة الأليمة، فإني أضعها أمام أيدي المسؤولين في الجهات التعليمية، وعلى رأسهم معالي وزير المعارف ومعالي مدير جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية؛ لدراسة هذا الوضع، وتلبية رغبات هؤلاء الطلاب المميزين، التي لاتعدو كونها حقاً طبيعياً جزاء مابذلوه وماقدموه من جهد ومثابرة طيلة سنوات دراستهم. واقترح بأن ينظر إلى نتائج الطالب في المراحل الدراسية ذات الأهمية وهي المرحلتين )المتوسطة والثانوية(؛ أما المرحلة )الابتدائية( فلا ينظر إليها لاعتبارها مرحلة إعدادية لاتكون مقياساً للطالب. أرجو أن تراعى تلك النسب والنتائج التي حققها الطالب في تلك السنوات، وتضاف إلى معدله في هذه المرحلة الحساسة؛ حسب ضوابط وأسس ترتكز عليها هذه العملية؛ تكون تقديراً لهذه الفئة المجدة والمجتهدة طيلة سنوات دراستها... ولا أخال )سنمّاراً( إلا وله علاقة بالطالب المجد إذا نظرنا إلى جزاء كل منهما..؟!
أخيراً.. أرجو من كل من قرأ مقالي هذا، وأراد أن يعرف الفرق بين الطالب المجتهد طيلة سنوات دراسته، وبين الطالب الذي لاتقوى عزيمته ولاينضبط سلوكه، ولايشتد حرصه إلا في سنة واحدة هي الأخيرة من )إحدى عشرة سنة(..!! على كل من أراد أن يعرف الفرق أن يصنع له كوبين من عصير الليمون الطبيعي، يكون محلول )السكر( في الكوب الأول على الطبقة التحتية للكوب ولايمزج مع العصير، ويكون المحلول في الكوب الثاني ممزوجاً مع العصير متحللا فيه؛ ثم ليتذوقهما، وليحكم لسانه بين )الكوبين(، ثم ليحكم ضميره بين )الطالبين(..؟! هذا والله أعلم وهو الهادي إلى سواء السبيل
عبدالرحمن صالح الصالح
ثانوية ابن باز رحمه الله الزلفي
|
|
|
|
|