| الثقافية
.. عام مضى.. وعام أتى.. ويوم مضى.. ويوم أقبل بكل جديد فيه من فرح وترح وأحداث، عجيبة هي الحياة محطاتها كثيرة وأغلبها قاسية وطويلة.. ففيها محطات تستقبل فيها أشخاص مقبلين عليها بكل ما فيها من رغد وضجر يبدأون حياتهم معنا.. ومحطات نودع فيها أشخاصا الى رحلات مغادرة الى عالم آخر لا لقاء بعد توديعهم.. هذا اذا استطعنا توديعهم.. فبعضهم يرحلون عن دنيانا فجأة دون مقدمات وهذه قدرة الله وحكمته.. فالحياة ما زالت تسير دون توقف أو شقاء.. هي الحياة تأخذ منا كما تعطينا..
كلمات متفرقة نطقت بها بنفس متقطع تخللها عبرات توقفت في الحلق وحسرات ألهبت الجوف.. حينما طويت صفحة من التقويم الهجري في صباح يوم من هذا الشهر.. لقد عاد بي تاريخ هذا اليوم الى الوراء وأعاد شريط الذكريات أمامي بسرعة للعام الماضي في نفس الشهر فقدت أحدى اخواتي في حادث سيارة مؤلم كانت ضحيته، كانت تكبرني ببضع سنوات.. آ...ه للذكرى كم هي سهم حارق عندما تكون مؤلمة بل مفجعة.. لماذا التاريخ يعيد نفسه ولا يعيد ابتسامته..
لقد طويت الصفحة ببطء شديد فقد عجزت أناملي عن الحركة بل قدماي حتى عن الوقوف.. لم تعد يداي قادرة حتى على انتزاع الصفحة أو تمزيقها.. لم أستطع الصمود طويلاً.. أدرت ظهري للوراء وأسندته للحائط.. أغمضت عيناي بقوة حتى أمنع دموعي من الخروج.. وأدخلت شفتاي في فمي وقبضت عليهما بأسناني حتى لا طلق العنان لصرخاتي.. فضلت الكبت والصمت لأن صراخي لا أحد يسمعه غيري..
تنهدت بنفس طويل أخرجتها كآهات من صدري فتحت عينيّ المثقلتين بالدموع فرأيت أمامي لوحة معلقة أمامي على الجدار نظرت الى آخر اللوحة وجدت أول حرف من اسم اختي. م. انها لوحتها رسمتها آخر أيام الكلية.
معلقة في جدار غرفتنا التي نجلس ونتسامر دوماً فيها.. كانت يداها رحمها الله فن ينسج الخيال على اللوحة فتعطيها بريقا خاصا بها..
آ... ه تمالكت نفسي وحملت قدماي العاجزتين عن الحركة سرت بهما خطوات بطيئة الى اللوحة حتى وقفت أمامها.. أتمعن فيها وكأني انظر اليها أول مرة.. كل خط وكل لون يذكرني بحركة أناملها الناعمة عليها.. مددت يدي الى اللوحة ببطء وكأني أحمل علي يدي حجر ثقيل.. لمست اللوحة بيد ترتجف وعينين تحدقان بالنظر بحرارة الدموع داخلها.. ابتلعت العبرات واحدة تلو الأخرى وأنا ما زلت واقفة أمامها أتأمل وأتذكر ثم اتنهد بين الحين والآخر.
وأحدث نفسي تارة وأوجه الحديث والهمسات للوحة تارة أخرى وكأن اللوحة تحمل صورتها أو كأنها أمامي لحظتها.. أخرجت حديث النفس من خواطر القلب وأنشدت للحنين خواطر الأنين.. حدثتها فقلت:
أختاه.. عام مضى
على رحيلك عن دنيانا..
وعام أتى.. وستمضي أعوام..
وذكراك ما زالت على الدوام..
مضت..
فمضى كل شيء..
الا طيفك.. الا نبضك..
الا رائحة عطرك..
فما زلت عالقة في الهواء..
هل تعلمين.. أني كتبت فيك..
شعراً..
نثراً وقصيد..
وهل يا ترى تسمعين..
صوت الأنين..وانشودة الحنين..
اليك..
وهل تشعرين..
بفرحي وحزني..
ودعائي لك كل ليلة..
ودعوات أمي كل لحظة..
أنا.. ما زلت على عهدك..
أكتب شعراً..
ارسم فرحاً..
وأحتمل العمر نعيماً وعذاباً..
أتذكرين..
غرفتنا الصغيرة..
ما زالت تنبض بأنفاسك..
وصوت ضحكاتك
وتزينها جمال لوحاتك..
عندما أنام..
تشرق أضواؤك في ليل عيوني.
فتعيشين معي الحلم..
فأصبح على الأماني..
بأن تكوني جميلة وسعيدة كالحلم..
لكن الأحلام أماني..
والأماني أحلام..
وآ...ه يا أختي..
ما أقسى الرحيل..
لم أودعك..
لم أعلم انك سترحلين..
ولن تعودين ولو للحظة..
لأقبل جبينك.. ويديك..
لكن تمضي أعوام.. وتدور بنا الأيام..
وتمسح غبار الأحزان..
فدوام الحال من المحال..
فحمداً لله على كل حال..
هند الشثري
|
|
|
|
|