|
| مقـالات
لم يصبح الحصول على وظيفة بعد الحصول على شهادة معينة بالأمر الهين سواء في القطاع العام أو القطاع الخاص. القطاع العام أصبح في معظم وظائفة متشبعاً وكثر التنافس عليه والبحث عن الأفضل، وهذا أمر طبيعي أما القطاع الخاص فهو حديث عهد بالسعودة، كما ان طبيعة القطاع الخاص في معظم وظائفة تحتاج الى مواصفات وشروط خاصة وإلى نوع من التدريب يفتقدها الكثير من الخريجين. القطاع الخاص يهمه بالدرجة الأولى الربحية ولم يرق التفكير في كثيرمن مؤسسات وشركات القطاع الخاص الى ان تدريب وتشغيل الشباب السعودي هو نوع من الربح على المدى البعيد وكسب للوطن والمواطن، إن لجنة القوى العاملة التي يرأسها صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبدالعزيز وزير الداخلية فكرت وقررت تشغيل 5% سنويا في المؤسسات والشركات ذات أعداد معينة وهذا قرار جيد سيساعد كثيرا على احلال السعوديين بالتدريج محل غير السعوديين.
على كل حال، زارني ذات يوم أحد طلبتي الخريجين، وبعد السلام والسؤال عن الحال قال: أنا ودي بمساعدتك يا دكتور قلت أبشر بسعدك إذا كان ما تطلب في مقدوري قال: إن شاء الله، ولكونك دكتور، والدكاترة لهم كلمتهم وسمعتهم ومكانتهم عند الجميع، قلت له الله يجبر بخاطرك. قال: أنا منذ سنة تخرجت وأبحث عن وظيفة ولا كتب الله نصيباً حتى الآن، واليوم أنا ذهبت لوزارة الخدمة المدنية، وقدمت فهل تعرف أحداً يساعدني.
قلت: ماذا قالوا لك. قال: يقولون انتظر حتى نتصل فيك أو ترى الأسماء في الجريدة، قلت له: ما عليك إلا الانتظار. أنت تعرف وزارة الخدمة المدنية ما ينفع فيها وساطة في هذا الأمر، هم ينسقون الوظائف ويعرفون تماما مستحقيها ويوزعونها على الجهات الحكومية المختلفة حسب طلب واشتراطات تلك الجهات، بالتأكيد لم يعجبه كلامي وأحسست ان اليأس يتملكه من الحصول على وظيفة وحاولت أن أخفف عليه وأطمئنه وأحثه على الصبر وبأنه لا يزال شابا والمستقبل أمامه وليس الأمر سوى مسألة وقت للحصول على وظيفة لا أكثر ولا أقل. شعرت من تعبيرات وجهه وكأنه يقول: ألم تكفنا محاضراتك أثناء الدراسة، لم يمنعني ذلك من توجيهه بالتقديم الى جهات مختلفة فقال لي: مثل ماذا؟ قلت له تقدم لوزارة الداخلية للعمل في سلاح الحدود مثلا فحدودنا واسعة ولا شك انهم يحتاجون لأعداد كبيرة، قال: المنافسة كبيرة وهم يحتاجون لأعداد محدودة من الجامعيين وربما يحتاجون أكثر من خريجي الثانوية العامة ثم إننا والحمد لله سويت حدودنا مع كل الدول المجاورة وليس هناك ما يقلق ولم يعد هناك من إشكالية تجعل هناك حاجة لأعداد كبيرة لسلاح الحدود سوى مسألة التهريب وهناك عدد كاف للتصدي لهذا الأمر، قلت: قدم على وزارة الدفاع، قال: الحمد لله الذي جعلنا نعيش في أمن وأمان، ثم ان وزارة الدفاع تركز على طلبة الثانوية العامة قسم علمي وعلى خريجي الكليات العلمية وأنا خريج كلية أدبية تخصصي غير مطلوب لأني ذهبت وسألت، قلت: قدم على المساحة العسكرية فهي أقرب الى تخصصك، قال: هذه أمنيتي فهي أقرب الى تخصصي، ولكنهم يفضلون خريجي المساحة من كلية الهندسة، وأنتم بالقسم لم تعطونا جرعة كافية من التدريب..!!.قلت له: لماذا لا تقدم على وزارة المعارف لتصبح معلما؟ قال ولمَ أنا في مكتبك؟ أنا أتيتك وكلي أمل ان تتوسط لي لكي يعفونني من الدبلوم التربوي لأن وزارة المعارف تشترط على خريجي الآداب دبلوما تربويا، قلت: وزارة المعارف معها حق في هذا المطلب لأنك لم تدرس مواد تربوية ولا مسلكية، حيث ان ذلك يساعدك على فهم نفسيات التلاميذ ولابد ان يكون لديك تدريب عملي على التدريس ويشرف عليه أعضاء هيئة تدريس من الكلية ولذا لامجال للوساطة، قال: يا أستاذ يبدو أنك لا تعرف ان هناك الآلاف من المدرسين من كلية الزراعة والعلوم والآداب والعلوم الإدارية يقومون بالتدريس دون هذا الدبلوم التربوي وكثير منهم بالوساطة، قلت: لماذا لا تقل الحاجة في السنوات السابقة وليست الوساطةثم لو افترضنا وجود أو حدوث هذا الخطأ فهل تستمر الوزارة في هذا الخطأ. أنا أعرف ان الوزارة تدفع بعدد من هؤلاء سنويا وهم على رأس العمل لأخذ هذا الدبلوم فلمَ لا تلتحق بالدبلوم، قال: العين بصيرة واليد قصيرة. لقد حزمت أمري وعزمت على الالتحاق وعندما سألت قيل لي عليك بدفع عشرة آلاف ريال لتلتحق بكلية خدمة المجتمع لتحصل على هذا الدبلوم. لم أقترح عليه ان يوفر المبلغ المطلوب ويلتحق بتلك الكلية خشية أن أرى تصرفا لا يعجبني ممن جاء يتوسط بي، ولو أبدى استعدادا للالتحاق بالدبلوم وامكانيته لتوفير المبلغ لربما نصحته بعدم فعل ذلك لأنه قد يعتقد ان الدبلوم سيحقق له الوظيفة بمجرد الحصول عليه وهذا أمر غير صحيح، لأن وزارة المعارف ربما تقوم بتجميع عدد من المدارس التي بها أعداد محدودة جدا من الطلبة وجعلهم في مدارس محددة وبالتالي يمكن ان تقل فرص توظيف المعلمين. ثم ان وزارة المعارف ربما تشجع الاتجاه للمدارس الخاصة حتى تخفف من الضغط من استئجار مزيد من الدور حيث انه حسب تقديري الشخصي والتأكيد عند الله ثم وزارة المعارف فإن هناك ما يفوق 50% من المدارس مستأجرة، وهذه الدور في معظمها لا تصلح ربما لكل شيء آخر إلا أن تكون مدارس، المدارس الخاصة لا توظف السعوديين إلا في نطاق ضيق وبرواتب قليلة ومن ثم فقد يضيع سنة في الدبلوم وكأنك يا أبا زيد ما غزيت!! وبعد هذا الوقت المستقطع مع نفسي للتفكير فيما قد يحدث له بعد الدبلوم، قلت له أنا أعرفك طالبا نجيباً فلما لا تقدم للدراسات العليا بالقسم لدينا. استحسن الفكرة ولكنه قال: إن درجاتي تقل قليلا عما يطلبه القسم ولا يقبلون ملفي إلا إذا كانت درجاتي تتماشى على الأقل مع الحد الأدنى للدرجات المطلوبة، فهل تستطيع مساعدتي.. فقلت له: هذا قرار مجلس قسم وموافق عليه من مجلس الكلية والدراسات العليا ولا وسيلة لكسره. قلت له: أنا لدي اقتراح أخير وهو ان تذهب لأصحاب إحدى البقالات وتعمل فيها وتقبل إذا عرض عليك مبلغ ألفي ريال.. قال: أنا مستعد ولكن البقالات لم تدخل ضمن برنامج السعودة حتى الآن. ولو نالها نصيب من السعودة لرأيتني أول من يبادر الى العمل في هذا النوع من التجارة. وقد أقبل بأقل من ألفي ريال مؤقتا. واستطرد قائلا: ربما لا تدري وكثيرون غيرك ربما لا يدرون أيضا أن هناك العديد من الطلاب كانوا يقترون على أنفسهم ويوفرون من مكافآتهم في الجامعة ليساعدوا أسرهم بينما يقترح البعض قطعها.
أنت يا أستاذ لا تتصور معاناتي هذه الأيام وتنقلاتي بحثا عن وظيفة. البعض ممن أزورهم ينظر الي شزرا والبعض يستغرب ان أشتغل بالتخصص الذي أحمله والبعض يرأف بحالي ولكن لا حيلة له أما البعض فيعرض مرتبا زهيدا لا يكفي للتنقل، والقصد من وراء ذلك هو قفل الباب. إنني أتألم عندما أرى الأسواق الكبيرة والبقالات وهي مليئة بالجنسيات المختلفة من غير السعوديين ولا يكون أمامي إلا أن أسألهم عن وظيفة فينفون وجود وظائف والسبب معروف!!
إنني أتساءل ما الذي حصل لو ألزم أصحاب البقالات جميعا بأن يكون كل من يعمل فيها سعوديا وتم ذلك بالتدريج وخلال عام أو عامين، هل ستزيد الأسعار مثلا؟ وإذا زادت الأسعار فإن الزيادة ستكون مؤقتة وستبقى مليارات الريالات تتداول داخل الوطن بدل هجرتها الى بلدان عديدة خارج الوطن. إن بقاء السيولة النقدية في الداخل يدعم الوضع الاقتصادي للوطن.
هل سيرفض الشباب العمل بالبقالات؟ لقد أشاع بعض المرجفين من قبل ان الشباب السعودي لن يعملوا في بيع الخضار «إشاعة ربما هندية باكستانية أفغانية مدعومة بقلة من المنتفعين في السعودية» لقد تمت سعودة محلات الخضار وهل هناك تخوف من الفشل؟ وقد تم نجاح السعودة تماما. ولما يئس أن لا قدرة لي على عمل شيء يساعده غير الاقتراحات التي رأى أنها لا تسمن ولا تغني، قال: يبدو انك لا تعرف أحدا وعلاقاتك محدودة أو أنك تكره الوساطة. قلت: كلامك فيه نوع من الصحة أنا أسمع بالوساطة ولا يعني أنني لم أمارسها وأحسب أني لم أضر أحدا. إن البعض يسميها شفاعة حسنة لكن هذه الشفاعات قد تضر بالآخرين دون قصد!! كأن يتوسط أحد لدفع مستخلص يكون صاحبه في أمس الحاجة وربما تكون المبالغ المسموح بالوساطة فيها محدودة.
وقد يرقى شخص رغم تساوية مع آخرين في الاستحقاق ولكن الشفاعة الحسنة لها دور، أو يدخل طالب الجامعة رغم ان درجاته تتساوى مع آخرين حرموا لكن الشفاعة الحسنة تتدخل. ولذلك أنا أخاف من الخلط بين المفهومين بالإضافة الى ضعف علاقاتي ورغبتي في الحفاظ على ماء وجهي. وقبل ان يغادر قال: أظنني وجدت الحل.
قلت: ما هو؟ قال سأتقدم للضمان الاجتماعي فأنا عاطل عن العمل وربما أحصل على مبلغ يساعدني على العيش على الكفاف وأستطيع معه الحفاظ على ماء وجهي أمام أسرتي وجماعتي على أمل أن أجد عملا مناسبا في المستقبل. قلت له: أنت لا تنطبق عليك الشروط لكي تستحق الضمان الاجتماعي، قال: وماهي الشروط. قلت: كأن لا يكون لك من يعيلك وأنت فوق الستين وغير قادر على العمل أو معاق لا سمح الله قال: أنا وأمثال نعتبر معاقين ما لم يثبت عكس ذلك واثبات عكس ذلك يعني حصولنا على وظائف وهو أمر لم يتم وربما يطول انتظاري وغيري ونأمل ان تكون هذه الإعاقة مؤقتة وألا تتحول لعاهة مستديمة. أبديت له تمنياتي الطيبة بالتوفيق وخرج وكأنه يحدث نفسه وأحسست بالألم وقلت: هل وصل به الأمر للحديث الى نفسه.
تذكرت المثل الذي يقول وهو ربما يكون أجنبياً «الحديث الى النفس يعتبر بداية الجنون»
Talking to yourself is the beginning of madness.
نسأل الله الحماية.
* جامعة الملك سعود كلية الآداب/ قسم الجغرافيا البريد الإلكتروني:
zahi_2000@hotmail.com
|
|
|
|
|
