كم من المجلدات سنحتاج فيما لو أردنا تاريخيا توثيق خيبة أمل الانسان في الانسان.. في الزمان.. في المكان.. شعرا.. نثرا.. رواية..قصة.. اسطورة.. أرجوزة.. تمتمة.. بسملة.. حوقلة.. ترجعا.. تحسبا..؟ بل كم وكم من الحساب (سنحسب) فيما لو قمنا باحصاء كل (ردات فعل) خيبات أمل بني الانسان في هذه الحياة من نحيب.. من عويل.. من نشيج.. من تأوه.. من صمت مدو.. من أطراقة رأس.. من إغماضة عين.. من فرقعة أصابع.. من.. من؟ وهل كل من عبر عن خيبة أمل نطقا حالفه النجاح بتصوير وتوصيف ما يعتلج بداخله؟.. خذوه مميطا اللثام عن خيبة أمله رافعا الغطاء عن مستفيض ألمه بالقول:
وكنت أذم إليك الزمان
فأصبحت فيك أذم الزمانا
وكنت أعدك للنائبات
فها أنا أطلب منك الأمانا
بل ماذا عن خيبة أمل نظيره العامي! ممتطيا صهوة الهزيمة اقرارا بالهزيمة، متجرعا ألم واقع خيبة الأمل واقعا مؤلما.. (والحق الأدبي هنا لشدو!):
أول الى زاد العنا جيت عاني
صوبك ولو عني تنحَّت محاريك
أول وأنا اشكي لك عوادي زماني
ولا طِحت في وجهه تمسكت بيديك
في ناظري كنك سهيل اليماني
لو كنت بعيد بعيد كني مخاويك
واليوم أبي منك السلامة تراني
صرت أشتكي ما بي على الوقت وأشكيك
بل منذ متى كان المكان مكانا والناس ناسا والزمان زمانا؟! ألم يطلع شاعرانا الفصيح ونظيره العامي على (رسالة البديع الهمذاني الى أستاذه أبي الحسين بن فارس) فيقطعا شك الظن الحسن في الحياة يقينا مؤلما بأن الحياة (نصا):.. الحمأ المسنون، وان ظنت الظنون، والناس لآدم، وان كان العهد قد تقادم، فالأستاذ يقول: فسد الزمان، ولا يقول متى كان صالحا أفي الدولة العباسية وقد رأينا آخرها، وسمعنا أولها، أم في الدولة المروانية وفي أخبارها لا تكسع السيول بأغيارها، أم في السنين الحربية والسيف يغمد في الطلا، والرمح يركز في الكلا، والحرتان، وكربلا، أم البيعة الهاشمية والعشرة برأس من بني فراس، أم الأيام الأموية والنفير الى الحجاز، والبعوث على الاعجاز، أم الامارة العدوية وصاحبها يقول: وهل بعد الطلوع إلا النزول، أم في الخلافة التيمية وهو يقول: طوبى لمن مات في نأنأة الاسلام.. أم في الجاهلية ولبيد يقول:
ذهب الذين يعاش في أكنافهم
وبقيت في خلف كجلد الأجرب
أم قبل ذلك وأخو عاد يقول:
بلاد بها كنا ونحن من أهلها
إذ الناس ناس والزمان زمان
أم قبل ذلك ويروي عن آدم عليه السلام:
تغيرت البلاد ومن عليها
فوجه الأرض مغبر قبيح
أم قبل ذلك وقد قالت الملائكة: «أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء..» الآية.
الدنيا الألم.. الألم الدنيء..!