| الاقتصادية
عندما انطلقت مسيرة الخصخصة أو التخصيص استبشر المواطنون خيراً لقناعتهم بأن هذا المنهج يمثل الطريق الأمثل لاستمرار تقديم الخدمة او السلعة بصورة متميزة ولقناعتهم بكون القطاع الخاص يتمتع بمقدرة عالية على تحقيق الاستغلال الأمثل للموارد المتاحة. وعندما وافق مجلس الوزراء الموقر في جلسته المنعقدة يوم الاثنين الموافق 24/12/1418ه على تحويل مرفقي البرق والهاتف الى شركة مساهمة سعودية تحت مسمى شركة الاتصالات تضاعفت الفرحة وزاد الاستبشار لدى المواطن السعودي لقناعته بقدرة قطاع الاتصالات على تحقيق نجاح منقطع النظير دون مساعدة مباشرة او غير مباشرة من الدولة. ولكن ومع مرور الوقت بدأت هذه الفرحة تختفي وبدأ القلق يسيطر على تفكير الكثير من المحللين خاصة بعد ان ظل المواطن السعودي الذي يمثل المستهلك الرئيسي للخدمة المقدمة يشتكي من الأخطاء المتكررة في الفواتير الصادرة ومن سوء المعاملة والتباطؤ في معالجة المشكلة عند رغبته في تصحيح الخطأ، وفي اعتقادي ان من اهم الاسباب التي تقف وراء هذا الوضع المتردي في قطاع الاتصالات الآتي:
1 الوضع الاحتكاري الذي تتمتع به الشركة في تقديم الخدمة على مستوى الوطن والذي بدوره اضعف الحافز لدى الشركة باهمية التطوير الشامل للخدمة سواء من حيث اسلوب الاداء او من حيث مستوى الخدمة المقدمة وكأنها بذلك تقود المواطن السعودي الى قبول الخدمة على طريقة «ما لك إلا خشمك لوه عوج».
2 القناعة الخاطئة لدى مسؤولي الشركة بعدم اهمية العناية بالمستوى النوعي للخدمة المقدمة قبل المستوى الكمي لها. وفي اعتقادي ان هذه القناعة قد دفعت بالشركة الى التوسع غير المنطقي في تقديم الخدمة على حساب نوعيتها وقدرتها على خدمة اغراض المشتركين الاتصالية مما تسبب في تزاحم مستمر وتعثر دائم في الخطوط والشبكة وتذمر مستمر من قبل المشتركين. وهنا نقول لهذه الشركة الموقرة «ترى من كبر اللقمة غص» والعبرة ليست بكثرة عدد المشتركين وإنما بقدرة الشركة على تقديم خدمة متميزة في النوع قبل الكم الا اذا كان الهدف في الوقت الحاضر هو تحقيق اكبر عائد مالي ممكن لتمويل المشاريع المستقبلية على امل ان تتحسن الخدمة مستقبلاً. وحتى هذا الاسلوب لا يتمشى مع عقلية القطاع الخاص الذي يحرص على المشترك بقدر حرصه على تحقيق الربح لمعرفته بعدم القدرة على تحقيق الربح دون هذا المشترك البسيط. نتمنى ان يحظى المشترك السعودي الذي ليس امامه خيارات اخرى بعطف هذه الشركة وتقدير رغبته في الحصول على خدمة متميزة. فهل يتحقق ذلك. الله اعلم.
3 ومن الاسباب التي خلفت هذا الواقع غير المشجع في قطاع الاتصالات استمرار وجود العقل والثقافة القديمة القائمة على محطات خاصة بالقطاع العام مما ولد ازدواجية في شخصية العاملين. فما بين الرغبة في استمرار البيروقراطية الادارية والمالية بمختلف اشكالها وصورها المقيتة والرغبة في التشكل في صورة رجل الاعمال الحريص على خدمة عملائه ضاعت شخصية العاملين في الشركة. وبالتالي فإنني أرى انه كان من المفترض ان يكون هنالك برنامج ثقافي وتعليمي يستهدف اعادة تشكيل البناء الفكري لدى العاملين في الشركة قبل ان تسند اليهم مهمة ادارة وتسيير امور هذه الشركة العملاقة حتى يستطيعوا التعامل مع المتغيرات الداخلية والخارجية بعقلية القطاع الخاص لا عقلية وزارة البرق والبريد والهاتف.
وفي الختام آمل من شركتنا الحبيبة ان تعي بان قطاع الاتصالات من اهم القطاعات التي تشهد في كل يوم تقدماً تقنياً هائلاً ربما يساهم في فقدانها لوضعها الاحتكاري وبالتالي فهي مطالبة بتهيئة نفسها لسوق تنافسية مستقبلية عن طريق تحسين الاسلوب الاداري والرقابي في الشركة وعن طريق تبديل القناعات الحالية بقناعات اخرى تعطي الاعتبار للمشترك البسيط الذي هو اساس استمرارها بدلا من الاستمرار في العمل تحت الغطاء الاحتكاري الهش.
أستاذ الاقتصاد المشارك بكلية الملك فهد الأمنية *
|
|
|
|
|