| مقـالات
من الخلال المشهورة عن العرب عبر تاريخهم القديم شيمة الوفاء، ولقد قرأنا الكثير من الوقائع والحكايات تؤكد أن العربي )الأصيل( لابد أن يتصف ـ فيما يتصف من الفضائل ـ بالوفاء أفراداً وجماعات.
ربما يكون هذا الزمن قد شهد تراجعاً في هذه الخصلة النبيلة بسبب الصراع الدائر بين الكثير من البشر على ماديات الحياة ولو على حساب بعض القيم، ويجب الاعتراف بأن حكايات الوفاء في عالم اليوم تتضاءل بمرور الزمن وربما يصدق القول بأن الخل الوفي أصبح الآن بالفعل ثالث المستحيلات مع الغول والعنقاء.
لكنك قد تجد نفسك فجأة أمام واقعة وفاء مبهرة تحرر كما هائلاً من الظلمة على خارطة الوفاء في نفسك، وفي واحدة من هذه اللحظات التاريخية الوفية كانت حفلة تكريم الأستاذ عبدالله بن سعيد بن عبدالوهاب أبو ملحة رئيس الغرفة التجارية الصناعية في أبها ومدير عام صحيفة )الوطن( بمناسبة طلبه التقاعد من كليهما والتفرغ لشأنه الخاص.
وبالمناسبة فإن المحتفى به صديق عزيز وقد عرفته عن كثب إذ عملت تحت رئاسته إبان عمله مديراً للشؤون المالية والإدارية في إمارة منطقة عسير وأتابع بتقدير كبير مشواره الطويل في بناء الغرفة التجارية وتطويرها على النحو الذي شهدته طوال السنوات العشرين التي حمل فيها أمانة هذا العمل الاقتصادي المهم، كما أتابع خطاه في تأسيس صرح )الوطن( بتعاون صادق وجهد مشكور مع فارس عسير صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل بن عبدالعزيز، وأعرف كما يعرف الجميع الجهود التي بذلها الرجل في صالح المنطقة والوطن.
وقد تبارى المتحدثون في الحفل بالثناء على )أبو ملحة( بما يستحق وجاء دور الفارس ليتحدث مع الحاضرين مشيراً إلى أمرين: الأول أن المتحدثين ذكروا محاسن الرجل ولم يتعرضوا لعيوبه، وربما حبس البعض أنفاسه لبرهة أمام مفاجأة الأمير، ولكن سموه استدرك في الحال وقال: إن عيب صاحبي وصاحبكم أنه شديد الانفعال إذا غضب، واحتبست الصدور أنفاسها من جديد فإذا بالأمير يستطرد: ولكنه لا يغضب إلا لله وللحق وللوطن، فانتعشت النفوس بهذا الثناء الجميل، وواصل الأمير حديثه إلى الحضور فقال: وأما الأمر الثاني فإنكم تحدثتم عن وفائي لهذا الرجل، وأنا أسألكم بدوري: لقد وقف جد هذا الرجل مع جدي طوال ملحمة التوحيد وقفة عون وصدق، ثم وقف والده مع والدي في مرحلة التأسيس وها هو قد و قف معي في النهوض بعسير. فكيف لا أكون وفياً لرجل على هذه الشاكلة؟! ولأسرة بهذا الصدق والوطنية؟!
وطرب الجميع حتى صفقوا بنشوة بالغة لأريحية الأمير ونبله، ولم يبق واحد من الحاضرين ـ فيما أعتقد ـ إلا وتمنى أن يحظى ـ ولو بعد أن يوارى التراب ـ بشيء مما سمعه في حق صديق الجميع عبدالله أبو ملحة أطال الله في عمره ومتعه بالصحة، نعم لا أنكر أن الجميع قد غبط الرجل على ملحمة الوفاء من رجل الوفاء وكأن الأمير الوفي يقول للجميع: وحيث يكون في الدنيا وفاء، هنالك فابحث عني تجدني.. وكان يوماً للوفاء مشهوداً.
* وكيل إمارة منطقة عسير المساعد
|
|
|
|
|