| عزيزتـي الجزيرة
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، ومن سار على نهجه واتبع هديه، وبعد:
فلقد رزئت الأمة الإسلامية بوفاة عالم من علمائها المخلصين، ومجاهد من مجاهديها الصادقين نذر وقته ونفسه لنشر العلم الصافي وبيان أحكام الدين، وذلك عن طريق التأليف والتصنيف وجمع الفوائد العلمية، وبث الوعظ والزهد والرقائق من خلال تلك المؤلفات، مع التركيز على الجانب الفقهي والعقدي، والاهتمام بمحاسن الدين الإسلامي، وبيان سائر الأحكام الشرعية، كل ذلك بعظيم إخلاص، وكبير تجرد، وبعد عن متاع الدنيا الزائل ومباهجها الفانية. ولذا انتشرت كتبه، في سائر أنحاء المعمورة، ووصلت إلى القاصي والداني، ونفع الله بها أمماً من الناس لا يحصون.
ولقد كان الشيخ العلامة عبدالعزيز بن محمد السلمان رحمه الله ورعاً زاهداً في هذه الحياة الفانية، مبتغياً الآخرة الباقية، مشهوراً بكثرة العبادة الصادقة التي غفل عنها أكثر الناس في هذا الزمان وأنت ترى على وجهه نوراً يضيء من قسمات وجهه، وعلامة وعنواناً على جبهته المتلألئة بنور الإيمان تنبيك عن كثرة عبادة، وحسن تعبد، وجميل لجوء، وصدق إيمان، ولقد رغب عن القضاء بعد أن ألزمه سماحة الإمام الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله بالقضاء والعمل فيه وبعد إلحاح مرير منه للشيخ رحمه الله ورفض بالغ أكيد، تولى التدريس في المعهد العلمي بالرياض وهو المعروف الآن بمعهد إمام الدعوة العلمي، وكان أول مدرس في تلك المعاهد العلمية المباركة التي نفع الله بها كثيرا.
وكانت له طريقة فذة في إيصال المعلومات وحسن التقسيم والسبر والتنويع، واستخراج الفوائد والشوارد العلمية، مما يدل على متانة وحصانة علمية، ولقد عهد إليه في المعهد تدريس العقيدة والفقه والحديث والشيخ رحمه الله نهل أغلب علمه من شيخه العلامة الإمام عبدالرحمن الناصر السعدي رحمه الله واستفاد منه كثيراً، وكان رحمه الله كثير الثناء عليه، يذكره بالذكر الجميل، وينسب له الفضل بعد الله عز وجل وكان لا يطلب على كتبه حقوقاً مالية، أو شروطاً معقدة، بل أغلبها وجلها تطبع عن طريق المحسنين الكرام، ومن ثم توزع على طلبة العلم من طريقه والمؤسسات الخيرية، والمكتبات العامة والمدارس والجامعات وغيرها من معاقل العلم والمعرفة.
وكان رحمه الله لطيف المعشر، كريم الجانب، جميل الأخلاق، مع حدة ظاهرة، وشدة باهرة، مع المخالفين والعاصين، فهو الأسد الهصور، والليث والهزبر، إذا انتهكت حرمات الله، ولا يرضى بالمنكرات والمعاصي والموبقات، بل يحاربها وينكر على أصحابها علانية، دون مواربة أو مجاملة.
وكان شيخنا الإمام ابن باز رحمه الله يحبه في الله، ويجله ويثني عليه الثناء العاطر، ويعرف له حقه وقدره من العلم، وسمعت الشيخ العلامة ابن جبرين متع الله به متاعاً حسناً يكثر الثناء عليه، ويعترف له بالعلم والفضل وقوة الباع في التأليف والتصنيف ويصفه بالزهد والورع الصادق، والإخلاص المتناهي وكانت وفاته صباح الأحد التاسع عشر من الشهر الثاني لعام 1422ه وصلى عليه في الجامع الكبير بالديرة، بعد صلاة العصر.
وكان إمام المسلمين في الصلاة عليه سماحة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ وفقه الله وحضر جنازته جموع كبيرة من طلاب العلم والعلماء وعامة الناس، واكتظت مقبرة النسيم بالجموع الغفيرة، فالله العلي العظيم أسأل أن يرحمه ويجعله في جنان الفردوس مع الأنبياء والصادقين والشهداء والصالحين وأن يجبر أمة الإسلام في مصابها، ويحسن عزاءها، ويعظم أجرها، وأن يمن علينا بخلفاء صالحين من علمائها، يحملون مشعل الهداية، ولواء العلم، وأن يبارك لها في البقية الباقية من علمائها، إن ربي لسميع الدعاء.
عبدالرحمن بن يوسف الرحمة - الرياض
|
|
|
|
|