|
| تحقيقات
نوع القضايا وإجراءات الحكم
قبل أيام قلائل انتقلت المحكمة الكبرى بمدينة الرياض من المبنى القديم إلى المبنى الجديد مخلفةً وراءها حقبة زمنية من تاريخ القضاء في المملكة العربية السعودية وبهذه المناسبة أحببت أن اسجل بعض الذكريات التي دونتها في وقت سابق عن نوع القضايا وإجراءات الحكم حيث في عام 1405هجرية طلب مني دراسة الحالات التي تعرض على المحاكم والخاصة بالنزاعات العائلية التي تدور حول الممتلكات. كان علي ان استخدم منهجاً علمياً يعرف اصطلاحاً بـ)الملاحظة بالمشاركةPARTICIPANTOBSERVATION حيث استخدمه كثير من علماء الانثروبولوجيا في دراسة المجتمعات المحلية أمثال ايفانز برتشارد، ومارسيل موس، واين كنسون، وطلال أسد، وغيرهم، كما كان علي أن أحضر جلسات الحكم لا تعرف عن كثب على عدد القضايا المتعلقة بالخلافات الأسرية ونوعية الخلافات وحجمها تطلب الأمر مقابلة بعض المسؤولين في وزارة العدل للحصول على الإذن اللازم بهذا الخصوص. وبعد عدة مكاتبات بين المسؤولين في جامعة الملك سعود والمسؤولين في وزارة العدل استطعت أن احصل على الموافقة لحضور جلسات الحكم في المحكمة الكبرى بمدينة الرياض.
كانت المحكمة الكبرى تقع وسط مدينة الرياض محاطة بمباني إمارة المنطقة ومباني أمانة مدينة الرياض ومقر الشرطة من جهة الغرب. وفي الجهتين الشمالية والشرقية لمباني المحكمة الكبرى توجد مجموعة من المباني القديمة المبنية من الطين و غالبية تلك المباني كانت خالية من السكان، أما في الجهة الجنوبية فيقع شارع )دخنة( او كما يعرف حالياً بشارع طارق بن زياد وفيه تقع مكاتب المحامين ومعهد إمام الدعوة العلمي التابع لجامعة الامام محمد بن سعود الاسلامية يحتوي مبني المحكمة على خمسة، أدوار أربعة منها تستقبل القضايا التي هي من اختصاصها وأما الخامس فهو لكتابة العدل. وهذا المبنى يعرف بالمحكمة الكبرى بالرياض. ويوجد عادةً خارج هذا المبنى وبجانب المدخل أناس يفترشون الأرض وأمام كل واحد منهم كمية كبيرة من الأوراق البيضاء والأقلام، ومهمة هؤلاء الناس هي مساعدة أصحاب القضايا الذين لا يعرفون كتابة دعاواهم لتقديمها للقضاة. ومعظم هؤلاء الكتاب هم في الحقيقة ممن فاتهم ركب التعليم الحديث وقنعوا من التعليم بمعرفة الكتابة والقراءة، إلا أن مهارتهم تتركز في معرفة الصيغ المختلفة للدعاوى الخاصة بمختلف القضايا. وهم يعتمدون على هذا العمل في كسب عيشهم حيث كان سعر الخطاب الواحد خمسة ريالات أو يزيد قليلاً او ينقص قليلاً حسب طول الخطاب ونوع القضية. وقد قمت بعملهم هذا لمدة اسبوع لمعرفة الكيفية التي تبدأ بها القضايا ومحتوى الدعاوى واكتساب شيء من الخبرة. وقد كانت بالفعل في معظمها شكاوى مرفوعة ضد آخرين. كان عدد الكتاب أربعة، كل واحد منهم قد احتل موقعاً محدداً بجانب المدخل الرئيسي للمحكمة. وكان أصغرهم في العقد الرابع من عمره. انضممت إليهم لأكون الكاتب الخامس. كنت في موقع بعيد وغير استراتيجي وحاولت أن أتغلب على بعد الموقع وعدم ملاءمته بعمل تخفيض كبير وصل الى مئة بالمئة في أغلب الفترات. استطعت ان اجذب بهذه الطريقة معظم المراجعين، لكنني خسرت صداقة زملاء المهنة الذين شنوا على حرباً ضروساً تعلمت من خلالها ان قطع الأعناق أهون من قطع الأرزاق كما يقولون، وتعلمت أيضاً انه ليس بسياسة البذل وحدها يمكن أن تصل الى هدفك. يا إلاهي كم هي صعبة أن يكون بينك وبين الآخرين تنافس في الكسب مهما كان نوعة ومهما قلت أرباحه أو زادت. بعد المضايقة المستمرة لي والمتمثلة في تحذير وتخويف المراجعين مني لكوني ربما استخدم المعلومات عن أوضاعهم الاجتماعية لاهداف أخرى وليس للبحث. وقد نجح الكتاب فعلاً في صرف الناس عني والنظر إليّ بعين الشك والريبة والتي وصلت الى درجة لا تحتمل قررت معها الانسحاب ولكن بعد الاعتذار للزملاء وبعد أن شرحت لهم الهدف الرئيسي من جلوسي بجانبهم لم يظهر عليهم الاقتناع في البداية ولكن مجرد انسحابي من المنافسة كان أمراً كفيلاً باعادة البسمة لهم والتي افتقدوها لمدة أسبوع كامل. ومرت الأيام وزادت علاقتي بهؤلاء الكتاب وزادت علاقتهم بي وكنت في كل صباح أدخل فيه مبنى المحكمة يتم استقبالي استقبالا ً حاراً من الكتاب حيث يتم الترحيب بي باصوات عالية وبابتسامات تتحول في كثير من الأحيان الى ضحك ينبئ عن الرضاء التام ويعبر ضمنياً عن الانتصار في معاركهم معي وكانت كلمات الترحيب مسموعة لي ولمن حولي منذ أن أقبل عليهم حتى دخولي للمحكمة. كلمات كلها حب ودعاء بالنجاح والتوفيق في دراستي وكانوا يدعوني بكلمة دكتور تفاؤلاً بنجاحي ولكنهم كانوا يستبدلون حرف )الكاف( في كلمة دكتور بحرف )الخاء( ومع ذلك كانت كلماتهم حلوة ولذيذة حينما كانت تخرج من أفواههم وتبعث في نفسي غروراً وارتياحاً عجيبين وكنت في بعض الاحيان أتضاهر باني لم أسمعهم فلا ألتفت إليهم رغبة مني بأن ترتفع أصواتهم بشكل أكبر بمناداتي بكلمة يا دكتور وهدفي أن تخلق هذه الكلمة وضعاً خاصاً من الاعتبار لي عند العسكري الذي يقوم بحراسة مدخل المحكمة.
في كل صباح تشاهد مجموعة من الرجال يقفون امام مدخل للمحكمة ويحدقون في المراجعين للمحكمة بعض هؤلاء الرجال ينتظرون خصومهم في القضايا التي رفعوها ضدهم. والبعض الآخر ينتظر الشهود الذين يتأخرون في العادة. وكان غالبية هؤلاء المنتظرين من السعوديين وعلى يمين الداخل إلى مبنى المحكمة تقف مجموعة من النسوة في ملابسهن المحتشمة التي تغطي وجوههن وكامل أجسامهن ينتظرن للغرض ذاته الذي من أجله يقف الرجال. معظم هؤلاء النسوة كن يصطحبن أطفالهن معهن وهم في الغالب دون سن البلوغ. هؤلاء الرجال والنساء نادراً ما يتكلمون مع بعضهم البعض وهم في صمتهم هذا يبدون في حالة من البؤس ظاهرة، ومن يراهم للمرة الأولى يعيد الى ذهنه منظر وقوف طلاب الثانوية العامة أمام مكاتب الجريدة في انتظارهم للنتائج. وفي المدخل الرئيسي لمبنى المحكمة يقف هناك أحد الحراس في كامل زيه العسكري يقوم أحياناً بتفحص الحقائب لبعض المراجعين. كان شاباً منتظم الملامح ممتلئ الجسم حسن الهندام يتمتع بحيوية ملفتة للنظر. ولو كان لهذا الشاب حظ من التعليم العالي لكان له شأن وأي شأن. لقد أوقفني هذا الحارس وطلب مني بلباقة أن أفتح حقيبتي حتى يفتشها قبل السماح لي بالدخول إلى داخل المبنى. شجعتني لبقاته وحسن حديثه وبدافع حب الاستطلاع أن أعرف لماذا يقوم بتفتيش حقيبتي سألته وانا أبتسم إبتسامة المتردد، إلا أنه رد على بخشونة وفظاظة بأنه ليس من اختصاصي توجيه مثل هذا السؤال، الامر الذي احسست معه بمرارة الخيبة ولكنها كانت تجربة ممتازة تعلمت منها متى، وكيف أطرح السؤال. كانت بوابة المحكمة تؤدي إلى قاعة مساحتها لا تتجاوز الثمانين متراً مربعاً، إلى اليمين يوجد هناك ثلاثة مصاعد وأحد المصاعد كان من النوع الكبير وكان يذكرني بالمصعد المخصص للحالات المرضية في المستشفي المركزي.
الجثة ..ومصعد المحكمة
لم أستخدم مصعد المحكمة طوال
العام الذي عملت فيه الا نادراً ويرجع السبب الى قصة قديمة حدثت لي وقت أن كان عمري لا يتجاوز العاشرة وكنا نسكن قريباً من المستشفى المركزي ومع أن المنزل الذي كنا نسكن فيه يعتبر مثالياً من حيث وسائل الترفيه بما يحويه من حدائق وملاعب إلا أنني كنت مفتوناً انا وزميل لي باللعب بمصاعد المستشفى، فنصعد الى الدور الخامس ثم ننزل بأرجلنا مع السلالم مرة ومع المصاعد مرة أخرى وفي إحدى المرات كنت استقل مصعداً وكان زميلي يستقل آخر وأينا يصل الى المكان الذي بدأنا منه يكون قد كسب الرهان إلى أن جاءت الكارثة الكبرى وقتها كنت قد دخلت المصعد هاماً بالنزول وكان بالمصعد سرير منوم عليه أحد المرضى ويرافقه واحد من الموظفين بالمستشفى وعندما هممت بقفل الباب استعداداً للنزول اذا بشخص آخر يبعد حوالي ثلاثين متراً يستدعي الموظف المذكور بصوت قوي لايخلو من توتر وانفعال، فذهب الموظف اليه بسرعة شديدة وفي ذهابه انقفل باب المصعد وأنا والمريض بداخله وبدأ بالنزول ثم التوقف فجأة بين السماء والارض وكنت أصرخ باعلى صوتي طالباً المساعدة ولكن لاحياة لمن تنادي، فالتفت الى المريض الذي ينام على السرير لا تحدث معه وابعد عني الخوف فإذا هو الآخر لاحياة لمن تنادي فلم يكن مريضاً بل كان جثة هامدة أنزلها الموظف آنف الذكر استعداداً لتجهيزها. ولك أن تتخيل ما أنا فيه من موقف لا أحسد عليه مصعد متعطل وجثة هامدة وطفل في العاشرة من عمره وكان اليوم يوم جمعة والفني المسؤول عن اصلاح المصعد لم يكن موجوداً ياله من موقف محرج لا احسد عليه حقاً.
والى جانب هذا المصعد يوجد بمبنى المحكمة مصعدان آخران ولكنهما اصغر حجماً ولكثرة استخدام هذه المصاعد من قبل رواد المحكمة ولصفة البطء والاعطال المتكررة لها كان الصعود من خلال السلالم اكثر اغراء.ً وفي الأمام يوجد أيضاً مدخل صغير آخر يؤدي إلى فناء يستخدم كمواقف للسيارات من قبل القضاة والموظفين، وفي نهاية الفناء من الجهة الشمالية الشرقية مدخل صغير يعبر من خلاله الموظفون والمراجعون لتأدية صلاة الظهر في مسجد الشيخ عبدالله بن عبداللطيف الذي عرف فيما بعد باسم مسجد الشيخ محمد بن ابراهيم رحمهما الله جميعاً. كان هذا المسجد مركز إشعاع للعلم تخرج منه علماء افذاذ أمثال الشيخ عبدالعزيز بن باز والشيخ عبدالله بن حميد رحمهما الله وعلى اليسار من المدخل الرئيسي للمحكمة توجد سلالم مكتظة بالمراجعين الذين يمكن للانسان أن يسمع صخبهم وحديثهم من بعد، مثل صياح بعضهم احتجاجاً أو نقداً لبعض القضاة على الكيفية التي تم من خلالها الفصل في قضاياهم. كان النقد واضحاً وصريحاً مشحوناً بالتوتر والغضب، وفي بعض الحالات لا يخلو من تجريح صريح. عندما صعدت اول السلم غبت للحظات سارحاً ومتسائلاً هل انا فعلاً في المحكمة الكبرى ام في إدارة الجوازات ام في إدارة المرور ام في البلدية؟!! فالتشابه كبير جداً بين المراجعين للمحكمة وبين المراجعين للدوائر الحكومية المذكورة نفس الوجوه العابسة، القاتمة، نفس الوجوه الصارمة، والتي لا بسمة فيها، المراجعون هنا وفي السلالم بالتحديد ساخطون من انفسهم ومن الناس جميعاً.
وهذه السلالم تقود حتي الطابق الخامس اما مراجعو الطابق الخامس فقد لاحظت انهم مختلفون الى حد كبير لا تسمع لهم صراخاً اونقداً والابتسامة لا تفارق وجوهم وكثيراً ما تشاهد مجموعات يسلم بعضها على بعض عناقاً. ومراجعو هذا الطابق تبدو عليهم مظاهر الثراء وهم معنيون بزيهم ولباسهم عناية ظاهرة. وعرفت فيما بعد أن هذا الطابق مخصص لمحكمة الانهاءات والتي تشتهر بمسمى كتابة العدل.
الرجل الهامور!!
وفي إحدى زوايا القاعات من هذا الطابق كان يجلس رجل حسن الهيئة في العقد الخامس او السادس من العمر مهيب واسع العينين، ذو وجه مشرق جذاب، حلو النظرات لا تفارقه الابتسامة والناس من وقت لاخريأتون للسلام عليه وتقبيل رأسه بحفاوة وإجلال، ويقفون من حوله وقوف شحيح ضاع في الترب خاتمه. كما يقول المتنبي، سألت الذي يمشي بجانبي من هذا؟. إلتفت إليّ وقد جمع شفتيه ومدهما، ثم رفع حاجبيه الى أعلى مستنكراً ثم فتح عينييه مزدرياً، ثم قرب فاه من اذني وقال هامساً هذا )هامور الله يعطينا مما عطاه(. نظر الي صاحبي مبتهجاً، فرحاً، ينتظر ردة فعلي.
إلا أني كنت أمامه كطفل في الابتدائية طلب منه شرح نواقض الوضوء فلم يجب.
وحينما عرف صاحبي انني لم افهم معنى )هامور(، قال لي مفسراً هذا )مليان( وقد مد الألف مدا طويلاً وهمَّ بالرحيل. إلا أنني اوقفته وسألته عن الناس الذين يسلمون عليه من وقت لآخر، قال أغلبهم أصحاب مكاتب عقارية يفرحون بتكوين علاقة معه لعل )سناراتهم( )وشباكهم( تصطاد شيئاً تتحسن معه أحوالهم المعيشية لفترة طويلة. يالها من مصطلحات عجيبة)هامور(، )مليان(، )سنارة(، )شبكة(. ما هو وجه الشبه بين صيد السمك والعقار!! هل كلاهما يحتاج الى صبر ولا شيء غير الصبر؟! وهل كلاهما يحتاج إلى ظعم فيه مزيد من الحواذق والبهار؟!!! وربما كلاهما يحتاج الى شيء آخر اتركه لتفسير القارئ. على أي حال أعود لأبدأ من الطابق الأول الذي خصص لسكرتارية المحكمة والموظفين ومكتب البريد الصادر والوارد ومكتب السجلات، كما توجد في هذا الطابق قاعة كبرى مليئة بالمراجعين ومكتب مخصص لهيئة النظر وهي لجنة مكونة من بعض كبار السن مهمتها تقويم الأضرار في حالات الحوادث وتقدير الأرش واموال العقار. وهناك أيضاً لجان أخرى مهمتها رفع تقارير للقضاة عن المنازعات والدعاوى في مجال الممتلكات كالمباني والأراضي مما يسهل على القضاة أمر الفصل في هذه المنازعات. ويعتبر تقرير هذه اللجان نهائياً في معظم الحالات. ومعظم أعضاء هذه اللجان من كبار السن ويتمتعون بخبرة كبيرة في مجال عملهم، ولهذا فإنه لا ينظر الى المستوى التعليمي للأعضاء بل إلى الخبرة.
أما الطابق الثاني من مبنى المحكمة فتوجد فيه اللجان الفنية التي تعمل على تقويم الأضرار الفنية والمؤهلات الفنية من الأمور اللازمة لعضوية مثل هذه اللجان، ويلاحظ أن الغالبية العظمى في ذلك الوقت من أعضاء هذه اللجان من المتعاقدين غير السعوديين، ويقع مكتب مساعد رئيس المحكمة في هذا الطابق أيضاً. وهو رجل يبدو على ملامح وجهه القلق، والحزم وذو شخصية قوية للغاية ولكن ما ان تتحدث معه حتى تجده لطيفاً، ورعاً، سمحاً، نقياً. وتوجد في هذا الطابق مكاتب أخرى للقضاة. وجميع هذه المكاتب ذات مساحة واحدة أربعون متراً مربعاً تقريباً. في داخل كل مكتب توجد طاولة كبيرة هي مكتب القاضي وعلى اليمين منه يجلس أحد خريجي كلية الشريعة ويعرف اصطلاحاً بمسمى ملازم قاضٍ وعلى اليسار منه يجلس هناك كاتب ضبط لتسجيل الوقائع. وأمام مكتب القاضي بحوالي مترين توجد ثمانية كراسي تستخدم من قبل المتخاصمين، والشهود ان وجدوا. وهذه الكراسي قد صفت بطريقة مرتبة إلا أن البعض منها يحتاج إلى إعادة ترميم وخلف مكتب القاضي توجد أرفف مليئة بالكتب والملفات. وفي نهاية قاعة الحكم يوجد باب صغير يقود إلى مكتب صغير يستخدم للجلسات الخاصة عند الضرورة. وخلال عملي في المحكمة لاحظت أن هذا المكتب الصغير والذي يعرف باسم )المختصر( يستخدم أحياناً من قبل القاضي للأمور الخاصة مثل شرب الشاي أو إجراء المكالمات الهاتفية أو مقابلة أحد القضاة للتشاور معه في قضية مستعصية.
ويقع مكتب رئيس المحكمة في الدور الثالث ويشبه مكاتب بقية القضاة.
وتوجد في هذا الطابق أيضاً مكتبة مخصصة للقضاة مليئة بالمراجع الفقهية المقارنة والمتعلقة بالأحكام الشرعية مثل كتاب)المغني لابن قدامة( وكتاب)المحلى لابن حزم(. وفي المحكمة يوجد ستة عشر مكتباً تعود لستة عشر قاضياً ثلاثة منهم مكفوفو البصر.
أما الطابقان الرابع والخامس فمخصصان لتسجيل القضايا والوكالات والعقود وعمليات بيع الممتلكات. وفي كل طابق من طوابق مبنى المحكمة توجد صالات منفصلة كبيرة المساحة مخصصة لانتظار النساء وأخرى لانتظار الرجال.
قبل أن أبدأ عملي في جمع معلومات دراستي كان يتعين عليَّ أن أقابل رئيس المحكمة لكي أعرض عليه خطاب الموافقة الصادر من وزارة العدل. ولمقابلة رئيس المحكمة دلفت من خلال مكتب واسع يقوم بحراسته أحد العساكر في زيه الرسمي وقد سألني عدة أسئلة روتينية ثم وجهني إلى عسكري آخر طلب مني مستنداتي وأوراقي الثبوتية، وعندما ناولته إياها قام بوضعها مع أوراق لمراجعين آخرين ينتظرون دورهم في الدخول. كان هناك مجموعة من الناس يبدو أنهم من المتخاصمين الذين يريدون عرض طلبات رفع قضاياهم على رئيس المحكمة. وبعد انتظار حوالي نصف ساعة جاء دوري في الدخول على الرئيس وكنا مجموعة دخلنا معاً وقمنا بتحيته معاً. كان رئيس المحكمة رجلاً مربوعاً مشرق الوجه ناضر الجبين، يرتدي ملابس بسيطة، وكان كبير السن لكنه يفيض حيوية، ونشاطاً، انطباعي الأول عنه أنه رجل سمح، لطيف ومتعاون. عندما ناولته خطاب الموافقة قام بقراءته بشكل سريع ووقع عليه ثم طلب مني مقابلة أمين المحكمة. كان يتكلم معي بينما يوجه نظره إلى الشخص الواقف خلفي مما يعني أن دوري إنتهى حتى يتقدم المراجع الذي بعدي. خرجت من مكتب رئيس المحكمة وتوجهت مباشرة فرحاً، مبتهجاً ومسرعاً كالسهم إلى مكتب أمين المحكمة يحدوني التفاؤل والأمل بتسهيل مهمتي.
كان مكتب الأمين مشابهاً تماماً لمكتب الرئيس. وفي الحقيقة كل المكاتب في هذا المكان متشابهه في الشكل والمظهر. لم يكن مكتب الأمين محروساً بعسكري بل كان هناك شخص يبدو أن مهمته هي مناولة الأوراق للسكرتير والقيام ببعض المهام الأخرى وكان كبيرالسن يقارب الستين عاماً تقريباً وقد تحدثت معه لاحقاً عن خبرته في المحكمة والتي تمتد إلى خمسة وعشرين عاماً. في حوالي الساعة العاشرة صباحاً دخلت على أمين المحكمة وحييته بصوت واضح إلا أنه لم يرد على تحيتي. لقد دهشت لهذا الأمر غير المعتاد فقمت بالسلام عليه مرة ثانية بصوت منخفض هذه المرة حتى لا ألفت نظر المراجعين الآخرين فرد على بإيماءة من رأسه. ألقيت معها بنفسي على اقرب كرسي في القاعة انتظاراً لدوري، ناولته الخطاب الذي كان معي والموجه من رئيس المحكمة، فقام بقراءته عدة مرات وببطء ثم نظر إليّ بحدة مما جعلني أعتقد أنه رجل حازم، قوي الشكيمة، وعملي. وبعد فترة انتظار كلها ترقب، سادتها لغة العيون بيننا أمرني بالحضور في الساعة التاسعة من صباح اليوم التالي لكي أبدأ عملي البحثي. بعد خروجي من مكتب السكرتير عنَّ لي أن آخذ جولة في بعض أجزاء المحكمة. ولدهشتي الكبيرة وجدت أنه من السهل على الشخص أن يحضر المحاكمات ويستمع إلى سير المحاكمة من المقاعد الخلفية. لكن يبدو أن الأمر يعتمد في الأساس على القاضي نفسه وعلى مزاج الجندي الذي يقف أمام مكتب القاضي، نعم إن مزاج الجندي ذو أهمية خاصة ان صح التعبير فإن كنت شخصاً مرحاً ودوداً متلطفاً فسوف يصبح دخولك لقاعة الحكم امراً سهلاً.
خطوات تقديم الشكوى
ان طريقة التقدم بشكوى الى المحكمة تتكون من الخطوات التالية: يقوم المدعي في الخطوة الأولى بعرض قضيته على المحكمة، وإذا لم يكن أحد الخصوم مقتنعاً بحكم القاضي فله الحق حسب النظام أن يرفع قضيته إلى لجنة قضائية أخرى وهي محكمة التمييز التي تحال لها القضايا من المحكمة. وقضاة محكمة التمييز يتميزون بأنهم أرفع درجة واكثر خبرة من قضاة المحكمة العامة. ويمكن للمعترض أيضاً أن يستأنف قضيته إلى مجلس القضاء الأعلى إذا لم يكن مقتنعاً بحكم هيئة التمييز، إلا أن القضايا نادراً ما تصل إلى هذا المستوى. أما المحكمة المستعجلة فتقع في مبنى منفصل وهي مختصة بالفصل في المنازعات المالية التي تقل عن ثمانية آلاف ريال. وفي قضايا الجنح والتعزيرات والحدود التي لاقطع فيها.
إن إجراءات رفع القضايا أمام المحكمة تعتبر غاية في البساطة. ويتم ذلك عن طريق رفع)معروض ( إلى رئيس المحكمة يشتمل على تفاصيل الدعوى ويقوم الرئيس بتوجيه هذا الخطاب إلى الشؤون الإدارية بالمحكمة التي تقوم بدورها بجدولته ومن ثم بإحالته إلى أحد القضاة. ثم يتم تحرير مذكرة من صورتين، صورة تعطى للمدعي وصورة للمدعى عليه مع تحديد موعد للفصل في الدعوى أمام القاضي. وإذا لم يحضر المدعى عليه في الموعد المحدد فإنه يتم اصدار استدعاء آخر موجه له لحضور المحاكمة وإذا لم يحضر للمرة الثانية فإن القاضي يبعث أحد عساكر الشرطة لإحضارة أمام المحكمة. وللمدعي أن يرفع شكواه إلى الإمارة أو الى الحقوق المدنية أو الى المحكمة الكبرى، لكن في النهاية فإن الشكوى سوف تجد طريقها إلى المكان المناسب.
صدر في 14/7/1395 المرسوم الملكي رقم 2/64 الذي يؤكد على النظام القضائي فالمادة الخامسة من اللائحة القضائية تحدد المحاكم على النحو الآتي :
1- مجلس القضاء الأعلى2- محكمة التميز 3- المحاكم العامة 4 - المحاكم الجزئية. ولكل من هذه المحاكم احكامها وحدودها.
مجلس القضاء الاعلى: تنص المواد 6،7،8،9، على أن مجلس القضاء الأعلى يتألف من أحد عشر عضواً على النحو التالي:
أ- خمسة أعضاء متفرغين بدرجة رئيس محكمة تمييز يعينون بأمر ملكي ويكونون هيئة المجلس الدائمة ويرأسها أقدمهم في السلك القضائي.
ب - خمسة أعضاء غير متفرغين وهم رئيس محكمة التمييز ووكيل وزارة العدل وثلاثة من اقدم رؤساء المحاكم في المدن ويكونون مع الأعضاء المشار اليهم في الفقرة السابقة هيئة المجلس العامة ويرأسها رئيس مجلس القضاء الأعلى. ويقومون بالاشراف على كافة المحاكم في حدود القوانين الموضوعة كما يقوم المجلس أيضاً بالنظر في المسائل الشرعية التي يرى وزير العدل ضرورة تقرير مبادئ عامة شرعية فيها. ويقوم بابداء الرأي في المسائل المتعلقة بالقضاء بناء على طلب وزير العدل . وكذلك مراجعة واتخاذ القرارات في القضايا المشتملة على أحكام القصاص، إقامة الحدود أو الرجم.
محكمة التميير: تنص لمادة 10 والمادة 13 على تكوين المحكمة من رئيس وعدد مناسب من القضاة. وتتخذ قرارات محكمة التمييز من قبل ثلاثة من القضاة فيما عدا القضايا المشتملة على أحكام القتل أو القطع أو الرجم والتي يجب أن تتخذ من قبل خمسة من القضاة.
المحاكم العامة: تنص المواد 22 و23 على طبيعة المحاكم العامة. وتتكون المحاكم من قاض أو أكثر. ويتم اتخاذ قرار صلاحية وتشكيل المحكمة من وزير العدل بناء على اقتراح من مجلس القضاء الأعلي. ويبت في قضايا هذه المحكمة قاض واحد عدا القضايا التي يحكم فيها بالقتل او الرجم أو القطع حيث يجب أن ينظر فيها مجموعة من القضاة.
المحاكم المتخصصة: تنص المواد 24 و25 على طبيعة المحكمة المتخصصة حيث يتم تعيين واحد أو أكثر من القضاة من قبل وزير العدل بناء على توصية من مجلس القضاء الأعلى. وتتخذ الأحكام من قبل قاض واحد. وتعرف هذه المحاكم بالمحاكم المستعجلة.
ثلاث مستويات
وتقوم بالنظر في القضايا الاخلاقية وجنح الأحداث والمسائل المالية على ألا تتجاوز المبالغ المالية 8000 ريال سعودي.
يتبع
|
|
|
|
|
