| مقـالات
ان تفاعل الانسان الحقيقي مع الحياة الاجتماعية ليس في التنافر والتباهي والمظهرية ولكنه يكمن في التواضع والامتثال الواقعي لمتطلبات هذه الحياة.
هذه المقولة تستحوذ بمنطلقاتها على عقل العديد من الشباب السعودي اليوم، وتستولى على فكره بمفاهيمها. والفكرة السائدة فيها تدور حول مطلب البعد عن المغالاة، والتحول الى البساطة الحقيقية في مواجهة جشع البعض، ليس هذا وفقط، بل فهمهم المتواصل نحو الكسب المادي على حساب الآخرين ايا كانت احوالهم وظروفهم. ومجرد الاقتناع بهذه الفكرة احال الاستقرار النسبي على الوجود للنفس القاهرة لكل استغلال واستعلاء هو الاتجاه السائد والمسيطر على عقول شبابنا الواعد. ولكن ثمة اختلاف بين فكر الشباب وبين بعض القائمين على مرافق المفترض فيها انها وجدت لإعانة الشباب في بعض مواقفه مما يجعله يفكر في البدائل الاخرى حتى يمكنه ان يتنقل ما بين الممكن في حدود المقبول والمتاح.
ويعد هذا تنظيماً سلوكياً تحدده خصائص الشباب عن غيره من الفئات العمرية الاخرى، كما توجهه في تفاعله المتوافق مع بعض المواقف والاشخاص، وتحدد ابعاد واقعه المنطقي، واتجاهاته الفكرية واستجاباته العملية، ورؤيته الإستراتيجية، ومسئولياته الاجتماعية. عزيزي القارئ لا نريد ان نمتد كثيراً في فكر الشباب السعودي في واقعنا المعاصر، ولكن فقط نتناول في مقالنا الحالي خبرة الشباب وتفاعله الحي مع الواقع المعاش وحل مشكلاته ذات التأثير المباشر في مسيرته الاجتماعية التي تشكل وعيه الموجه للسلوك، والتي تجعل هذا السلوك اما مقبولاً او غير مقبول، فيكون مقبولاً من خلال تأثيرها فيه ودوره فيها ودرجة اشباعها لحاجاته، ومدى استجابته لضغوطها، وتوافقه مع معاييرها الاخلاقية، ومحدداتها القيمية.
ان التوافق مع هذه الموجهات يؤدي الى التماسك الاجتماعي المعزز بطرق الفهم والوعي بواقع المسيرة الحياتية الذي تميزه خصائص توجهه في تفاعله مع المواقف وإزاء المشكلات والتعامل مع الجماعات المكونة للمجتمع، وسلوك إنجاز أفراده التي تدفع المسلكيات لنشاط بلوغ الغايات، وتحقيق الأهداف، وثمة علاقة فاعلة بين واقع الانجاز وتحقيق النمو الشامل في المجتمع.
ولذلك فإن المجتمع الناهض المتطور الراقي هو الذي يعظم قيمة الانجاز المتوافق لدى أفراده ويهتم بسبل تحفيزهم لاستمراره، ويتأتى ذلك بالدرجة الأولى من خلال مساندة الشباب وإعانته في تلك المواقف التي تستدعي ذلك، والسماح له بهامش ولو قليل من الحرية في إطار القيم الاخلاقية المعيارية التي ترجع مردود الاداء على اساليبه المتبعة والتي تتسم بالمرونة وأيضا تشجيع الشباب على الاقبال الواثق على الحياة الاجتماعية خاصة تطلعه الى تكوين أسرة متوافقة سوية متى توافرت له اسبابها وكذلك احترام امكاناته حتى ولو كانت متواضعة وقدراته والعمل على ترجمتها لمواقف فعلية، ومحاولة مساندته مساندة واعية، ودعمه دعماً موجباً، وتفعيل هذا الدور عن طريق تحويله الى سلوك يمكنه من حل مشكلاته، ويأخذ بيده ليتجاوز الصعوبات التي قد تعترض سبيله حال الاقدام على مناشط الحياة ولزومية اجتياز متطلباتها في يسر ومرونة وفاعلية وانفتاح عقلي، وتفاعل مع المتغيرات العصرية التي تشمل الافق جميعه، وعدم الجمود امام المواقف الي يمر بها، وعدم التصلب امام دواعي التغيير، والتفاعل الحي مع الواقع الحضاري الذي يعايشه الشباب اليوم، ويخضع لفلسفته، ويعتبرمحدداً يحكم عمله لما يشتمل على قيم تعد موجهاً لأسلوب عمله.
ألا يتطلب ذلك كله الاعتماد على أساليب رشيدة يمكن اتباعها لمساندة الشباب والتي يجب ان ترتكز على الموضوعية والمنطقية على طريق دعم تلك الاساليب، والارتقاء بمنهجية التعامل الجماعي وأساليبه التعاونية لإفادة هؤلاء الشباب وذلك في ضوء ما يتلاءم ويتناسب مع طبيعة المواقف. ونعني بالتعاون هنا تضافر جهود كافة الاجهزة المساندة المختلفة لدعم الشباب.
والجدير بالذكر ان المتغيرات العصرية عامة والمادية خاصة تفرض ولاجدال هذا التعاون بحيث نصل بالشباب الى ان يكون قادراً على بناء اسرة يمكنها ان تعيش في حيز مقبول يتناسب مع واقع مجتمعنا، وحركة نمائه، وأن هذه المساندة، وهذا التعاون يؤهل الشباب للقبول والإقدام على الأداءات المتوافقة مع الهوية الوطنية بثوابتها الأصولية المستمدة من الكتاب والسنة.
نسوق هذا العرض، ونقدم مثلاً يكاد يكون موضحاً لحجم الصعوبات التي تواجه شبابنا المعاصر، وهو استمرارية مسلسل المغالاة في المهور التي اصبح لا يطيقها الشباب ولا يقدر على تحملها، وايضاً المغالاة الزائدة والمثيرة في التعامل مع قصور الافراح التي هي عادة صعب النأي عنها، والتي تصل في متوسطها أحياناً الى 40 ألف و 50 ألف ريال. فماذا يفعل الشباب إزاء ذلك؟ هل يستهل حياته بالاستدانة؟ ام ماذا؟
وفي هذا الصدد نقول لما لا تساهم الجمعيات الاهلية، والاندية لدينا، ومراكز الخدمة والتنمية الاجتماعية، ليس بالمال، ولكن عن طريق اعداد صالات مجهزة تجهيزاً مناسباً، وتقدم بأسعار رمزية، وتخصص لاقامة الافراح فيها، وفي نفس الوقت يمكن الاستفادة منها في المناسبات العديدة المختلفة، وهذا الامر نظنه يخفف من العبء الملقى على كاهل الشباب المقبل على الزواج، والذي يحتاج لتلك المساندة، كما اسلفنا القول، هذا فضلاً عن الالحاح في طلب إعادة النظر مرة اخرى في حجم المهور التي يطلبها اهل العروس وتوابعها، وهذا الموضوع سنتناوله بالمناقشة في مقال لاحق، ان شاء الله وقدر.
|
|
|
|
|