| محليــات
من نعم الله على خلقه، أن جعل من أمنياتهم الخفيَّة...، والمنطوقة، دعاءٌ يتوجَّه به العبد إليه تعالى..، فيتمنَّى عليه...
ومن نعم الله على خلقه، أن جعل الدُّعاء عبادةً..، لذا لا يكون الدُّعاء إلاَّ إليه تعالى..، وهو سبحانه كفيلٌ بالإجابة...، ولأنَّه تعالى سميعٌ مجيبٌ، قريبٌ بصيرٌ، عليمٌ خبيرٌ، فهو بإحاطته تعالى بخلقه وشؤونهم، وشجونهم، يعلم حاجاتهم إليه تعالى، فيمنحهم الإجابة...، وقد وعدهم بها..، ومن ثمَّ قال لهم إنَّه تعالى لا يعبأ بهم لولا دعاؤهم، ذلك لأنَّه أعطاهم، وأعطاهم، وزادهم بالدُّعاء عطاءً...، ثمّ خصَّهم بآخر الليل كي يتجلَّى في خصوصية.... يرى، ويسمع، ويجيب بما هو لائق به تعالى...، ثمَّ ها هو تعالى يوطِّن في نفوسهم الاطمئنان إلى استجابته، ورحمته تعالى، وهو يسأل المسرفين منهم ألاَّ يقنطوا من رحمته الواسعة الشاملة التي لا يعجزها خطأ، أو يضيِّقها إسراف منهم عندما تشاء إرادته تعالى أن تشملهم هذه الرحمة إذ قال تعالى: «... يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم، لا تقنطوا من رحمة الله».
فأيُّ عطاءٍ...
وأيُّ سعةٍ...
وأيُّ رحمةٍ...
بل أيُّ فرصٍ قد بسطها تعالى بين يديّ عبده...؟
ومع كلِّ ما يُعطى هذا العبد من الرحمة، والمغفرة، والتَّجاوز، والرزق، والخير، والنِّعم المختلفة، يظل الإنسان خطَّاء، فضَّاء في غيِّه، وضلاله، وفساده، وتجاوزه، ومكابرته، وغفلته...، والله تعالى يزداد في رحمته، وفي إمهاله...
وتتسع له نوافذ الدُّعاء... هذا الإنسان...،
إن مرض دعا... فشفاه الله تعالى، وعافاه...،
وإن فقر دعا... فرزقه الله تعالى، وستره وأغناه...،
وإن جهل دعا... فهداه الله تعالى، ووفّقه، وأفلحه...،
وإن ظُلم دعا... فرفع الله تعالى عنه الظُّلم، ونصره، وأنصفه..
وإن حُرم دعا... فوهبه الله تعالى، ومنحه، وسدَّده، وكفاه...،
وإن احتاج، كان له تعالى العون، والنَّصير...، والملجأ...، والحسيب...
فأيّ شيء في حياة العبد أجلَّ، وأعظم، وأرحب، من باب الدُّعاء؟...
ومن ذا الذي يلبِّي حتى لو تأخر...، ومن ذا الذي يجيب في اللَّحظة، والحين؟ سواه تعالى رب الكون، القريب منه، المهيمن عليه، المحيط به...، الخبير بخلقه فيه؟...،
فكم أقال بالدّعاء العثرات...؟
وكم سدَّد بالدُّعاء الثّغرات...؟،
وكم حقَّق بالدُّعاء من الأمنيات...؟...،
وكم لجم بالدعاء من الصبوات...؟...،
وكم...، وكم...، والباب الإلهي الفسيح مفتوح...، والعبد يلمس...، ويرى...، ويشعر...، ويجد...،
فهل خلق الله تعالى الخلق، وتركهم هدراً؟ أو تجافى منهم، وخلفهم سدراً.
لا والله، فإنَّه تعالى كافٍ عبده، مقيل حاجته، مجيب دعوته، والإنسان كلُّه إلى خير، في نسق خلق الله تعالى، كما جاء عن نبيِّه المصطفى صلى الله عليه وسلم حيث لم يعجب من أمر، عجبه من أمر المؤمن، الذي «إن أُعطي شكر، فكان خيراً له، وإن مُنع صبر، فكان خيراً له»...
لا أدري لماذا تفكرتُ في أمر الدُّعاء...، فذهبتُ دون العودة إلى مصادر الحديث الشريف، أو أقوال العلماء فيه، إلى قلمي، أدوِّن هذه السطور، عند خاطر مليء بالامتنان لرب عظيم، كريم، رحيم، مجيب، قريب...
فكم رفعت الأم يديها تدعوه لأبنائها، فحفظهم لها...، وكم اتجهت أوجه المكافحين، الكادحين إلى الله فأعطاهم تعالى سؤلهم...، وكم استمعت إلى حشرجة الصدور، ببكاء الخشوع بين يديّ الله دعاء في جوف ليل، أو لحظة صدق...، وكم هالتك دموع المتوسِّلين إليه حنيناً إليه تعالى، وامتثالاً بين يديه، ورضاء بما هو منه، وكم ذلّت له الرِّقاب، في لحظات التصاغر بين يديه أمام عظمته، وكم شجت القلوب، وهي تخفق فرحة بالوصول إلى قمة الخضوع والخنوع له تعالى...
وكم تتسامى النُّفوس بحبه تعالى...
وكم تلهج الألسنة رجاء فيه، وطاعة له...
في كلِّ ضائقة، ليس سوى الدُّعاء، فيفرج ما ضاق بقدرته...،
وفي كلِّ مصيبة، لا يكون دواؤها إلا بالتوجه إليه، فيرفع ابتلاءها برحمته...،
وعند كلِّ نازلة لا يرفعها إلا بالدعاء...
أوَليس الدُّعاء إذن من أكبر نعم الله على الخلق؟...، إذ كيف لو لم يكن هناك باب للدُّعاء مفتوحاً، ولم يُسمح للعبد أن يصل ربه به؟ كيف يمكن أن يكون عليه أمر الإنسان؟...
اللهم: فافتح لنا باب الإجابة لكلِّ دعوة نتجه بها إليك...، وافسح لنا في قدرة الدعاء، ومكنّا من نواصيه، وأجرِه على ألسنتنا جري الماء في الطريق الممهدة، دون أن تعثِّره على هذه الألسنة، أو تصدنا عنه...
اللَّهم: ومكنا من نواصي القول كي يكون به دعاؤنا موصولاً بك، وتكون إجابتك وفاءً بوعدك منك لنا...،
اللَّهم: فإنَّ الإنسان بحاجة إلى رحمتك...، فارحمه...،
واللَّهم: فإنَّ الإسلام لا يعزِّزه سوى نصرك، فانصره فعزِّزه...،
واللَّهم: فقنا الفتن، واحفظنا عن الزَّلل، وارفع عنَّا المحن، وكن لنا نعم الحفيظ، وآمنَّا من الضّلالة، وثبتنا على الحق، وانصره على ألستنا، نصرك له في قلوبنا، تمكينك له في أفعالنا...، واهدنا إلى ما تحب، وترضى....، ولا تغلق عنَّا أبوابك، ولا تصدّ عندك سؤالنا، وامنحنا رحمتك بالإجابة...،
واحفظ لنا قدرتنا على الدعاء...، وأطلق فيه ألسنتنا، فهو منَّا لك...، ومنك الإجابة...، «لا إله إلاَّ أنت وحدك لا شريك لك، سبحانك إنَّا كنَّا من الظالمين»...،
|
|
|
|
|