| شرفات
يعيش الآن ويعمل الاف البشر داخل ناطحات السحاب ويرجع الفضل في ظهور هذا الاختراع العظيم الى الامريكي «وليام لوبارون جيني» الذي صمم وبنى اول ناطحة سحاب ذات هياكل معدنية في العالم في اواخر القرن التاسع عشر وإن كان نجاحه في تحقيق هذا الاختراع يرتكز على جهود كثير من المخترعين.
ويبدو ان اختراع وانشاء ناطحات السحاب قدر له منذ البداية ان يواجه العديد من المشكلات والعقبات التي حالت دون كماله وتتويجه كأعظم اختراعات العصر الحديث وكرمز لتفوق العقل البشري وقدرته على تحقيق ما يبدو التفكير فيه للوهلة الاولى حلماً او معجزات يصعب تحقيقها على ارض الواقع.
ففي الازمنة التي سلفت «جيني» كان كثير من المباني المرتفعة يشيد باستخدام حوائط مبنية من قوالب سميكة من الطوب والحجارة عند القاعدة وكانت تلك الحوائط هي التي تحمل كل وزن الطوابق العليا تقريباً وكان معنى هذا انه كلما زاد ارتفاع المباني تصبح ثقيلة جداً ومكلفة جداً في نفس الوقت.
وكانت هذه هي المشكلة الاولى التي عاقت تحقيق حلم «جيني» في الوصول الى المرتفعات وبناء ناطحة السحاب وفكر «جيني» في ان هيكلاً مصنوعاً من قضبان «كمرات» متينة سيكون قادراً على تحمل المبنى المرتفع وكانت المادة المثالية لبناء الهيكل المعدني - او اعمدة الصلب المدلفن - قد ظهرت لتوها في الاسواق وكانت اخف وامتن من الحديد الذي كان شائعاً في تلك الايام وبذلك امكن لجيني ان يتغلب على مشكلة الاحمال الثقيلة للمبنى المرتفع.
ثم كان عليه ان يفكر في حل لمشكلة اخرى وهي نوعية النوافذ المناسبة لهذا المبنى وكان بعض صناع الزجاج الفرنسيين قد انتهوا من صنع نوافذ من الزجاج المسطح في نهاية القرن السابع وكان صناع الزجاج هولاء يصبون الزجاج المنصهر في قوالب مسطحة ضخمة يطلق عليها مناضد الصب ثم يسخنون الزجاج في افران لتقويته وامكن بهذه الطريقة انتاج نوافذ كبيرة متينة تناسب ناطحات السحاب وتحل مشكلة اخرى.
ثم كانت المشكلة الاخيرة وهي كيفية الصعود والهبوط في ناطحات السحاب ذات الارتفاع الشاهق فقد كانت معظم المصاعد لا تحمل في البداية سوى البضائع لانها كانت خطيرة اذ كانت المصاعد تتدلى عند نهاية حبل مشدود واذا انقطع الحبل فجأة فإن المصعد يهوي محطماً الى الارض ومعرضاً حياة من فيه للخطر والموت.
وفي عام 1854 اخترع عامل في مصنع امريكي وهو «اليشا جريقز اوتيس» مصعداً آمناً فقد ثبت قضيباً معدنياً مسنناً على جانبي بئر المصعد وكان مصعد اوتيس لايزال يعلق من حبل مع فارق انه إذا انقطع الحبل فإن الاسنان الموجودة على جانبي المصعد تشتبك مع القضيب المعدني وتمنع المصعد من السقوط وهكذا نجح «اوتيس» في القضاء على آخر مشكلات جيني لينطلق نحو تحقيق حلمه ويهدي البشرية اول ناطحة سحاب.
وبعد جيني تعددت المحاولات لبناء ناطحات سحاب اخرى في امريكا وغيرها من بلدان العالم وتسابق المهندسون والمصممون لتقديم اجمل واقوى واعلى ناطحات السحاب في العالم حتى وصل ارتفاعها حاليا لاكثر من 500 متر واصبحت مدينة نيويورك في الولايات المتحدة الامريكية من اشهر المدن التي يوجد بها اعلى ناطحات السحاب في العالم واشهرها مبنى مركز التجارة العالمي ببرجيه الشهيرين والذي احتل مركزاً خامساً كأعلى مبنى في العالم وكان قد انتج في عام 1970 بعد ان انتهى من تصميمه والاشراف على بنائه المهندس الياباني «مينور ياماساكي» بناء على مواصفات كانت جديدة تماماً وقتها تعتمد على اعمدة وهياكل من الصلب المفرغ خفيف الوزن تثبت على هيكل المبنى من الخارج ليتيح الفرصة للارتفاع بالمبنى لأي عدد من الادوار وكان قد بلغ عدد طوابقه 110 طوابق بارتفاع بلغ 410 أمتار.
وبلغ من فخر وسعادةالمهندس الياباني وقتها انه قال ان هذا المبنى سيظل رمزاً حياً لايمان الانسان بالانسان مهما كان لونه او جنسه وان هذا المبنى قادر على تحمل اصطدام طائرة بوينج صغيرة به وكان يقصد ان يحدث هذا بالصدفة وظل الامريكان يفخرون بأنهم اصحاب اختراع ناطحات السحاب وبأن لديهم مبنى مركز التجارة الذي يستطيع تحمل اي شيء الا القنابل النووية.
ولم يخطر ببال الامريكان ان هذا الاسلوب المعماري الذي ابتدعوه وصدروه الى العالم سيصبح مهدداً في يوم من الايام حتى جاءت احداث 11 سبتمبر 2001م لتصيبهم بخيبة امل كبيرة بعد ان عجز اثنان من اشهر ناطحات السحاب في نيويورك والعالم وهما برجا مركز التجارة العالمي عن الصمود امام عمل تخريبي جديد من نوعه..جديد في اسلوبه.. وتبدلت لغة الفخر التي كان يتحدث بها المهندس الياباني مينور ياماساكي وقت بناء البرجين الى بكاء امام شاشات التليفزيون وهو يشاهد حلمه وانجازه ينهار امامه.
وكانت اساليب الدفاع والتأمين ضد هذه المباني الشاهقة تعتمد حتى يوم 10 سبتمبر على التأمين السفلي حتى جاء هجوم 11 سبتمبر من اعلى وقلب كل الموازين.
وكان على العقل الامريكي الذي ابتدع ناطحات السحاب ان يغير فلسفته ليس فقط في فكرة الناطحات ذاتها بسبب الخسارة العالية ولكن في نفس مواد البناء المستخدمة واعادة النظر في نظم تأمين المباني ونظم بناء العمارات والبحث عن مواد ديكور امنة لا ينتج عن احتراقها كل هذا الكم الهائل من الغازات السامة التي تخنق الانسان في ثوان معدودة.
وبدأ جيش من الباحثين والدارسين والمهندسين في البحث عن حلول لتحاشي الاخطاء التي كانت سبباً في فجاعة احداث 11 سبتمبر سواء من حيث الشكل او التصميم الخاص بناطحات السحاب او من حيث مواد البناء وقوة الاحتمال لتتفادى وتقاوم مثل هذا النوع من الهجوم بالطائرات او اي نوع جديد من الهجوم الارهابي.
وقد سارع المهندس المكسيكي البارع «بنجامين فليليكس» بتقديم مشروع هندسي لاعادة بناء برجي مركز التجارة العالمي بتصميم جديد ومبتكر لتلافي اي هجمات بالطائرات مستقبلاً وفي التصميم الجديد يحتوي المبنيان على تجويفين كبيرين في الجزء الاعلى منهما بحيث تمر الطائرات من داخل المبنى دون ان تدمره واقترحت دراسة هندسية جديدة استخدام الاسمنت المسلح في بناء ناطحات السحاب بدلاً من الحديد الذي ينصهر تحت درجات الحرارة العالية ويؤدي الى انهيار المبنى.
ورغم الخوف الذي انتاب الكثيرين من السكان في ناطحات السحاب بعد هذه الاحداث الا انها ستظل اختراعاً وانجازاً بشرياً يستحق الاعجاب والتقدير مهما كانت الاحداث.
علي البلهاسي
|
|
|
|
|