| أفاق اسلامية
* تحقيق عبدالله بن ظافر الأسمري:
الإسلام دين اليسر والعدل والانصاف، وهو كفيل بتشريعاته التي انزلها الله عز وجل في كتابه وبيّنها النبي صلى الله عليه وسلم في سنته بحفظ كافة حقوق المسلمين من الضياع، بل واعطاء كل ذي حق حقه فهذا اكمل دين وهو شريعة الله والدين والمنهج الذي ارتضاه لهذه الامة الوسط، وهو حفظ للمسلم وحقوقه في حياته وبعد موته، وذلك بالوصية والارث التي هي احدى تعاليم هذا الدين القويم، وهذا الجانب المهم الا وهو الوصية جدير بالاهتمام والطرح والفقه فيه نظراً لكثرة الجهل فيه والمخالفة الواقعية لتعاليم الشريعة الغراء، ومن هذا المنطلق حرصت «الرسالة» على تناول هذا الموضوع المهم والتطرق اليه وتناول اطرافه والتذكير به، نظراً لان كثيراً من الناس اهمل هذاالموضوع بل لم يعد يتذكره، لذا كان التنبيه لازماً والتذكير حتمياً فإلى الموضوع:
التعريف والاستدلال
في بداية تحدث «للرسالة» فضيلة القاضي بالمحكمة الشرعية بحائل الشيخ عبدالعزيز بن سعود العمار الذي بين تعاريف العلماء للوصية ومنها: تمليك مضاف الى ما بعد الموت بطريق الشرع سواء كان في الاعيان او المنافع، وقيل طلب فعل يفعله الموصى اليه فيما يرجع الى مصالحه، وقيل الامر بالتصرف بعد الموت. وقد دل الكتاب والسنة والاجماع على مشروعية الوصية فقال تعالى:«كتب عليكم اذا حضر احدكم الموت إن ترك خيراً الوصية» وفي السنة ما ورد ان سعد بن ابي وقاص رضي الله عنه مرض بمكة فعاده النبي صلى الله عليه وسلم بعد ثلاث فقال يا رسول الله: إني لا أخلف الا بنتاً أفأوصي بجميع مالي؟ قال: لا قال: أوصي بثلثي مالي قال عليه السلام: «الثلث والثلث كثير» متفق عليه.
واخلص العمار الى ان الوصية مشروعة في القرآن والسنة وعليه اجماع علماء الامة مشيراً الى ان لها اغراضاً متعددة هي:
1. الوصية ببعض المال «الثلث فأقل» وتعيين ناظر لذلك.
2. الوصية بالنظر في اموال اولاده القاصرين.
3. الوصية بتزويج البنات.
4. الوصية بقضاء الدين وكذلك المطالبة بالحقوق التي عند الغير.
5. الوصية فيمن يتولى تغسيله ودفنه والصلاة عليه إماماً.
6. الوصية باتباع الإسلام والتمسك بالسنة.
7. الوصية بطلب من له الحق عليه او غيرهم ان يحللوه ويبيحوه من الاهل والجيران والزملاء طلبة ومدرسين او ممن يعرف انه قد ظلمهم اواعتدى عليهم وقد تكون هناك اغراض اخرى للوصية.
حكم الوصية في المال
ثم يتطرق الشيخ العمار الى حكم الوصية بالمال وقال تتأتى عليها الاحكام الشرعية الخمسة، فتارة تكون واجبة وقد تكون مستحبة وقد تكون مباحة وقد تكون مكروهة وقد تكون محرمة.
أولاً: تكون الوصية واجبة: اذا كان على الشخص حق سواء كان لله او للآدميين ولم يكن على ذلك بينة او كانت عنده وديعة بلا بينه او كانت عنده اموال للغير مثل ان يكون اموال موصى بها وهي عنده خاصة عندما يكون هو الناظر.
وحقوق الله سبحانه مثل ما وجب عليه من حج او زكاة او كفارة او نذر. فانه في مثل هذه الحالات يجب عليه الوصية لاخراج ذلك من ماله لانه واجب عليه وقد اهمل بعض من الناس الوصية وهي في حقهم واجبة لغفلتهم عن الوصية ولأملهم الطويل في هذه الدنيا. فالواجب تنبيههم على كتابة الوصية اذا كانت عليهم حقوق ولم يكن عليها بينة.
ثانياً: تكون الوصية مستحبة: اذا ترك مالاً كثيراً ويريد ان يوصي به فانه يسن له كتابة الوصية وتستحب الوصية للقريب الفقير من غير الورثة لان الصدقة على القربى في الحياة افضل من الصدقة على غيرهم. وكذلك الصدقة للمساكين والفقراء وابن السبيل والعلماء الفقراء او المديونين وغيرهم وفي اعمال البر الاخرى.
ثالثاً: تكون الوصية مباحة: اذا كان عليه حق لكنه ثابت ببينة او موثوق ببرهان او غيره.
رابعاً: تكون الوصية مكروهة: اذا كان في الورثة فقراء او محتاجون لقوله عليه الصلاة والسلام:« انك اذا تذر ورثتك اغنياء خير من ان تذرهم عالة يتكففون الناس» وكما سبق ان اعطاء القريب افضل من اعطاء البعيد. او كان المورث فقيراً وله ورثة محتاجون فان الوصية في ماله مكروهة.
خامساً: تكون الوصية محرمة وذلك في حالات منها:
1. اذا كانت الوصية لوارث مالم يجزه الورثة لقوله صلى الله عليه وسلم:«ان الله اعطى كل ذي حق حقه فلا وصية لوارث».
2. اذا كانت الوصية بأكثر من الثلث مما يجيزه الورثة لقوله صلى الله عليه وسلم لسعد بن ابي وقاص:« الثلث والثلث كثير» ولما ورد ان رجلاً اعتق ستة أعبد عند موته فأسهم النبي صلى الله عليه وسلم واعتق ثلثهم.
3. اذا كان القصد من الوصية الاضرار بالورثة فان الضرر في الشرع منهي عنه.
4. اذا كانت الوصية على غير اعمال البر وهذه قد تكون عند غير المسلمين لكن المصيبة انها انتشرت عند بعض المسلمين اليوم، فالواجب التنبه على مثل هذا.
تنبيهات
بعدها اكمل الشيخ العمار تنبيهاته قائلا: ثمة امور متعلقة بالوصية يتساهل الكثير فيها:
عدم تحرير الوصايا وعدم كتابة الممتلكات العقارية الموصى بها باسم الوصي فقد تجد الشخص يرث بعض العقارات وتكون فيه وصية ويتركها ولا يسجلها باسم الوصي وهذه مخالفة شرعية واذا الواجب عليه ان يبين ان في هذا العقار او غيره من الممتلكات وصية حتى يبتعد عن المحاذير التالية:
1. انه اذا ترك العقار باسمه ولم يسجله باسم الوصي وجاءه الموت فيبين بعض الورثة انه ملك لهم وقد يعلم ذلك الورثة لكن يكون في الورثة قاصرون فيصعب اثبات ان لهم ملكاً له.
2. ان قد يحجر على الموصي لافلاسه فيحجر على المال الموصى به مع امواله وقد تباع مع امواله لقضاء دينه.
وهذه محاذير يجب على الانسان اجتنابها،ومن اداء الامانة، يجب على الانسان ان يكتب المال الموصى به باسم وصية فلان بن فلان وذلك براءة لذمته.
مما ينبغي التنبه عنه ان الناس قد تعارفوا ان الوصية تكون في الثلث حتى ان بعض الناس اذا اراد ان يكتب وصية قال كتبت ثلثي ولو كان اقل من الثلث والاولى ان يقول الانسان كتبت وصيتي.
ومما ينبغي التنبه عليه ان بعض الناس يكتب وصيته في اضحية او عشاء في رمضان والمشروع ألاَّ تقتصر الوصية على ذلك فاعمال البر كثيرة.
مما ينبغي التنبيه عليه عدم تأخر كتابة الوصية والمشروع هو المبادرة بكتابة الوصية لان الانسان لا يدري متى يفاجئه الاجل وقد سبق بيان بعض اغراض الوصية حتى ولو لم يكن للانسان مال فالمشروع كتابة الوصية.
وأحب ان ابين ان الوصية غير واجبة الا بعدالموت ومعنى هذا انه يجوز للانسان بعد كتابة وصيته ان يتراجع عنها او عن بعضها او يغير فيها مادام حياً. وعلى هذا فعلى اصحاب الفضيلة القضاة وكتاب العدل وغيرهم ممن يوثق الوصايا بان يبينوا للناس عند كتابة وصاياهم انه يجوز لهم التعديل او التراجع مادام حياً وعليهم ايضاً ان لا يضجروا ولا يملوا من تعديل الوصايا والتهميش على سجلات بما يطرأ عليها.
أهمية التنفيذ
وفي نهاية حديثه يذكر الشيخ العمار بقوله للورثة: عليهم ان يتقوا الله في الوصايا التي اسندت اليهم وعليهم الا يضجروا ولا يتضايقوا عندما تسند الوصية الى غيرهم بعد ان كانوا الاوصياء او كانوا يتطلعون الى الوصية وعليهم الا يحملوا على الموصي شيئاً في انفسهم منبهاً في نفس الوقت اصحاب الفضيلة القضاة وكتاب العدل وغيرهم ممن يوثق الوصايا، بمراعاة التالي:
1. ان يذكروا في الوصية كتاب تاريخ الوصية لان كتابة التاريخ مهم في الوصية.
2. ان يسألوا من ارادوا ان يوصي هل سبق له كتابة وصية ام لا؟ فان كان قد كتب وصية سابقة فهل هذه الوصية ملغية لها او لبعضها أو مؤكدة لها أو لبعضها ام هي زيادة على ما سبق او وصى به حتى تكون وصاياه واضحة.
ضوابط وأحكام
من جهة اخرى تحدث للرسالة فضيلة رئيس هيئة محافظة شقراء الشيخ خالد بن محمد العنقري حيث تطرق الى بعض زوايا هذا الموضوع المهم قائلاً: في الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنهما ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:« ما حق امرئ مسلم له شئ يريد ان يوصي فيه يبيت ليلتين الا ووصيته مكتوبة عنده».
وقال ربما كان على الانسان حقوق للآخرين ولا يدري متى يهجم الموت، فلذلك امر الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم بكتابة الوصية وجعل لها ضوابط ينبغي على المسلم معرفتها..
وتنعقد الوصية بالعبارة، وتعنى اللفظ الصريح، والكتابة اذا صدرت من عاجز عن النطق ولا خلاف في ذلك، وكذلك تنعقد بالاشارة المفهمة متى كان الموصي عاجزاً عن النطق.
ولا تستحق الوصية للموصي له الا بعد موت الموصي وبعد سداد الديون، فاذا استغرقت الديون التركة كلها فليس للموصى له شيء لقول الله تعالى:« من بعد وصية يوصي بها او دين».
ويشرع لكمال الوصية وموافقتها للشرع:
1. ان تكون بالمعروف، اي بالعدل لا شطط فيها.
2. ان تكون على ما شرعه الله على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم.
3. على الموصي ان يخلص عمله لله وان يقصد بوصيته اعمال البر والخير.
شروط واشتراطات
ويذكر الشيخ العنقري هنا الشروط اللازم توافرها في الموصي والموصى له والموصى به فيقول: اما ما يشترط في الموصي فهو كما يلي:
1. ان يكون اهلاً للتبرع.
2. ان يكون مالكاً.
3. ان يكون راضياً مختاراً.
ما يشترط في الموصى له:
1. ألاَّ يكون وارثاً للموصي.
2. ان يكون موجوداً وقت الوصية، تحقيقاً او تقديراً، وعلى ذلك فلا تصح الوصية للمعدوم.
3. ان يكون غير قاتل للموصي.
واما ما يشترط في الموصى به فهو:
1. ان يكون مالاً قابلاً للتوارث.
2. ان يكون المال الموصى به متقوماً في عرف الشرع.
3. ان يكون بعد موت الموصي قابلاً للتمليك بأي سبب من اسباب الملك.
4. ان يكون مملوكاً للموصى حال الوصية.
5. الا يكون الموصى به معصية او محرماً شرعاً.
والوصية تجوز بالثلث ولا تجوز الزيادة عليه لنهي النبي صلى الله عليه وسلم سعد بن ابي وقاص رضي الله عنه عن ذلك كما في الصحيحين، والاولى ان ينقص عنه، لحديث ابن عباس رضي الله عنهما المتفق عليه، قال:«لو ان الناس غضوا من الثلث فان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«الثلث والثلث كثير» قال العلامة ابن باز رحمه الله :«فاذا اوصى الانسان بالربع او بالخمس كان افضل من الثلث ولاسيما اذا كان المال كثيراً وان اوصى بالثلث فلا حرج» وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم تدل على ان لا يجوز لاحد وصية اذا جاوز الثلث مما ترك، فمن اوصى فجاوز الثلث ردت وصاياه كلها الى الثلث الا ان يتطوع الورثة فيجيزوا له ذلك فيجوز باعطائهم. والافضل ان يجعل وصيته لاقاربه الذين لا يرثون، اذا كانوا فقراء، في قول عامة اهل العلم. قاله في المعني «8/394».
قال العلماء: ولا يكلف ان يكتب كل يوم محتقرات المعاملات، وجزيئات الامور المتكررة، كالشيء الذي جرت العادة باستدانته ورده على قرب للمشقة ا.ه. الاعلام «8/10».
وينبغي ان يراعي الموصي اعمال البر ذات الدوام والاستمرار، وان يجعل لناظر الوصية حق التصرف حسب الظروف والاحوال، كما ينبغي ان يكون للناظر على الوصية اكثر من واحد وان يوجههم بمراجعة اهل العلم واخذ رأيهم.
ومن كتب وصية ولم يشهد عليها جازت، مالم يعلم انه قد رجع فيها فتبطل حينئذ ولا تنفذ. لكن يشترط لثبوتها وقبولها كونها بخط الموصي، او ان يقر ورثته بها، او ببينة تشهد بذلك.
وقال في سبل السلام:«واما كتب الشهادتين ونحوهما مما جرت به عادة الناس فلا يعرف فيه حديث مرفوع انما اخرج عبدالرزاق بسند صحيح عن انس موقوفاً قال: كانوا يكتبون في صدور وصاياهم: بسم الله الرحمن الرحيم. هذا ما اوصى به فلان بن فلان انه يشهد انه لا اله الا الله وحده لا شريك له وان محمداً عبده ورسوله، وان الساعة آتية لا ريب فيها وان الله يبعث من في القبور واوصى من ترك من اهله ان يتقوا الله ويصلحوا ذات بينهم ويطيعوا الله ورسوله إن كانوا مؤمنين واوصاهم بما اوصى به ابراهيم بنيه ويعقوب ان الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن الا وانتم مسلمون. ا.ه. ثم يذكر ما يجب ان يوصى به من ثلث ماله او اقل من ذلك او مال معين لا يزيد على الثلث ويبين وتبطل الوصية بفقد شرط من الشروط الآتية:
1. الرجوع عن الوصية بتصريح او دلالة.
2. عدم وجود تركة تكون محلاً للوصية.
3. تعليق الوصية على شرط لم يتحقق.
4. زوال اهلية الوصي.
5. ردة الموصى له للمعين قبل موت الموصي.
6. رد الوصية من قبل الموصى له.
7. موت الموصى له للمعين قبل موت الموصي.
8. قتل الموصى له الموصي.
9. هلاك الموصى به المعين او ظهور استحقاقه.
10. تبطل الوصية اذا كانت لوارث ولم يجزها الورثة.
اما من فوائد الوصية الدنيوية والاخروية فيبين العنقري انها قربة يتقرب بها الانسان الى الله عز وجل في آخر حياته كي تزداد حسناته او يتدارك بها ما فاته، ولما فيها من البر والاحسان لهم، والتهيؤ للموت والمبادرة بما عساه ان لا يدركه فانه لا يدري متى القدوم، وفي الخبر عنه صلى الله عليه وسلم:«ان الله تصدق عليكم عند وفاتكم بثلث اموالكم زيادة في اعمالكم، والحديث حسَّنه الالباني في الارواء «1641» بمجموع طرقه.
أحكام وحِكَم
وفي حديث آخر «للرسالة» يقول فضيلة رئيس المحكمة المستعجلة بالدمام المساعد الشيخ محمد بن زيد الرقيب حيث اوضح فضيلته بقوله: للوصية اهمية كبيرة لما فيها من اعطاء المسلم فرصة للتقرب الى الله عز وجل بعمل صالح بعد موته حيث ان كثيراً من الناس قد يحجم في حياته وحال صحته عن بذل شيء من المال في وجوه الخير حباً في المال وخوفاً من نقصانه.
وبالنسبة للاخطاء التي قد يرتكبها الموصي عند كتابة الوصية بينها الرقيب بقوله: منها الوصية لوارث فهذه الوصية مخالفة للشرع لما رواه ابو امامة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في حجة الوداع «ان الله قد اعطى لكل ذي حق حقه فلا وصية لوارث» فلا تصح الوصية لوارث، ومنها الوصية باكثر من الثلث لقول النبي صلى الله عليه وسلم لسعد بن ابي وقاص رضي الله عنه:«الثلث والثلث كثير» رواه البخاري. لكن لو اجاز الورثة للموصي الوصية بأكثر من الثلث صحت الوصية.
ومنها الاضرار بالوصية كأن يقر الموصي بكل ماله او بعضه لغير مستحقه او يقر على نفسه بدين لا حقيقة له من اجل ان يحرم الوارث من الارث او بعضه او يبيع شيئاً بثمن بخس او يبيع بيعاً صورياً او يشتري بثمن فاحش من اجل ان يضر الورثة ويمنعهم حقوقهم او يبخسها وهذا العمل لا يجوز ولا تصح هذه الوصية فعن ابي هريرة رضي الله عنه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «ان الرجل او المرأة يعمل بطاعة الله ستين سنة ثم يحضرهما الموت فيضاران في الوصية فيجب لهما النار» رواه ابو داود. ومن الاخطاء كأن يوصي بامور محرمة كالبناء على قبره او ان يكفن بالحرير او يدفن في مسجد او يوصي بشيء من التركة لينفق على امر محرم كنياحة او اقامة ولائم بعد موته فهذه الوصية غير صحيحة وغير نافذة.
|
|
|
|
|