| دراسات
تفشت ظاهرة المخدرات وتعاطيها من خلال الدراسات التي أجريت في مختلف دول العالم، وجميعها أكدت ما تخلفه المواد المخدرة من آثار ضارة مدمرة سواء اجتماعياً أو اقتصادياً أوصحياً، وليس هناك عقار يستثنى إباحته كالحشيش فقد تأكد ضرر هذه المادة أيضاً.
وما زالت المخدرات تمثل أهم التحديات التي تواجه المجتمع العربي بل والمجتمع الدولي بكامله، بعد أن أصبح الإدمان يسبب مشكلات أمنية وصحية واجتماعية، تحتاج معظم دول العالم، وبلغ الإنتاج العالمي من المخدرات معدلات قياسية، وأخذت العصابات الدولية تزداد قوة وتمويلاً وتنظيماً، وامتدت أنشطتها عبر الدول والقارات حتى أصبحت جرائم المخدرات جرائم بلا وطن.
وعلى الصعيدالمحلي، لم يعد الاتجار غير المشروع بالمخدرات شكلاً من أشكال الإجرام البسيط، الذي يمارسه بعض الأفراد داخل الدولة، بل أصبحنا نواجه اليوم عصابات محلية ودولية منظمة، تسعى بكل قواها لتهريب مختلف أنواع المخدرات والمؤثرات العقلية إلى بلادنا، مستغلين موقع الوطن العربي، فضلاً عن المحاولات الإجرامية لزراعة النباتات غير المشروعة كالقنب والخشخاش على نطاق واسع وبالغ الخطورة.
ولا شك أن أساليب مكافحة المخدرات يستهدف تطويرها ودعم أجهزة المكافحة، ويجب أن يؤخذ بعين الاعتبار ضرورة الاهتمام بالشخص المدمن ومكافحة ظاهرة الادمان أولاً، والعمل على رعايته اللاحقة ثانياً، لتكون جنبا الى جنب مع مكافحة التهريب والاتجار للمواد المخدرة.
ومهما اختلف المشرعون في كل الدول العربية أو الأجنبية لتحريم المخدرات أو تجريمها أوإباحتها، فالعودة إلى كتاب الله هو الرأي الذي يسير الجميع تجاهه ويعملون به.
ومن المؤكد أن هذه الدراسات لن تكون في شأن مكافحة المخدرات بل سوف تتم محاولات كثيرة لدراسة هذه الظاهرة أكثر فأكثر حسب ما يقتضيه الوقت وتطور المدنية.. لتكون كفيلة في مواجهة تطوير أساليب عصابات المخدرات.
التوصيات بشأن مكافحة المخدرات:
1 إنشاء دور علاج منفصل عن مستشفيات الأمراض العقلية وتكون هذه الأجهزة خاصة لعلاج الإدمان.
2 ضرورة إعادة النظر في رعاية المتعاطي العائد، لأنه أحق من غيره في طلب العلاج متمشياً مع سياسة المشرع في علاج الإدمان، وذلك يعد دليلاً على أن العائد إنسان مريض قد تمكن منه المخدر، ويحتاج إلى علاج أطول من المتعاطي غير العائد.
3 إعادة النظر في مدة الإيداع بأن لا تقل عن سنتين كحد أدنى، ويبقى الحد الأقصى منها غير محدد على أساس أن مدة العلاج يصعب تحديدها مسبقاً والدليل عودة المتعاطي لتعاطي المخدرات (العائد).
4 عدم نزع صفة الجريمة عن تعاطي الحشيش بعد أن ثبت ضرره على الجسم والعقل بالإضافة لآثاره الاجتماعية والاقتصادية السلبية بالنسبة للفرد والأسرة والمجتمع، نسبة لتعالي صوت إباحة تعاطي الحشيش في بعض الدول.
5 تقع على علماء المسلمين مسئولية توعية المجتمع بخطورة المخدرات سواء بالمساجد والخطب العامة وخطب الجمعة والعيدين أو عن طريق البرامج الدينية في الإذاعة والتلفزيون، مع تشديدي على ضرورة مواجهة المخدرات إعلامياً، بتركيز حملات إعلامية شاملة جميع وسائل الإعلام التلفزيونية والإذاعية والثقافية وغير ذلك.
6 إنشاء قسم للبحوث الفنية والقانونية في إدارة المخدرات لمتابعة آخر البحوث الفنية، والتي يجريها الخبراء والفنيون التي تجري في الأجهزة المختصة محلياً أو دولياً مثل المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية، والمكتب الدولي العربي لشئون المخدرات، وشعبة المخدرات بهيئة الأمم المتحدة، ومنظمة الصحة العالمية.. والقيام بنشرها بين العاملين في إدارة المخدرات وأقسامها وفروعها.
وإجراء البحوث في شأن مكافحة المخدرات، وإنشاء مكتبة بهذا القسم وتجمع المؤلفات والكتب والبحوث التي تناولت مشكلة المخدرات والقوانين واللوائح والمنشورات والبحوث عالمياً، وكذلك الاهتمام بالباحثين الراغبين بتزويدهم المعلومات الضرورية في هذا الشأن، وخاصة الإحصائيات السنوية.
7 ضرورة إعادة النظر في نص رد الاعتبار لأنه يعد عقبة في طريق المحكوم عليه من أن يمارس حياة كريمة، وتزويده شهادة حسن سير وسلوك لا تظهر سوابقه ولا تقف عائقاً في طريق تشغيله.
8 إعادة النظر في عقوبة الإعدام على أن تكون العقوبة السجن المؤبد، باعتبار أن الحياة هبة من الله عز وجل، وحتى القرآن الكريم لم يجعل في عقوبة الإعدام للقتل العمد من حدود الله ولا يجوز المساس به قصاصاً في النفس رافعاً عن كاهل القاضي الحكم في تنفيذه ملقياً بثقل هذه المسئولية الضخمة على عاتق ولي الدم، فقد ألغت كثير من الدول هذه العقوبة.
9 إن المدرسة جزء من الحياة الاجتماعية، ولذلك يجب أن يشتمل المنهج المدرسي على كل أحداث المجتمع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية وأن يشترك الطلاب في الصراعات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، الموجودة في مجتمعهم وخاصة جرائم المخدرات.
10 تحقيق التناسق بين الجهود المتفرقة للأجهزة المختلفة المعنية بقضية المخدرات.
11 ضرورة إنشاء معهد لتدريب الضباط ومفتشي الجمارك بشأن مكافحة المخدرات وأن يكون كل ضابط يعمل في هذا المجال من خريجي هذا المعهد بالإضافة إلى تنظيم دورات تنشيطية له لتزويده بأحدث الدراسات والبحوث في ميدان المخدرات لرفع كفاءته سواء محلياً أو خارجياً.
12 إنشاء مكتب تابع لإدارة مكافحة المخدرات مهمته القيام بمتابعة المحكوم عليهم أثناء مدة السجن أو بعد الإفراج عنهم وتزويدهم بكل الوسائل الممكنة بهدف علاجهم ومساندتهم برئاسة موظفين مؤهلين علمياً بمختلف فروع العلم (علم اجتماع علم نفس طب قانون).
13 إعادة النظر في قرار تسليم الأشخاص دائماً في جميع الاتفاقيات يتخذ في إطار حرية اتخاذ القرار حيث تنص على مصطلح (يجوز التسليم) ولا تنص على مصطلح يجب التسليم.
14 تجريم عمليات غسيل الأموال في مصاف الجنايات طبقاً لما جاء في اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الاتجار غير المشروع بالمخدرات 1988م.
15 يجب الأخذ بقاعدة التسليم المراقب سواء على الجانب الدولي أو المحلي الذي نصت عليه اتفاقية هيئة الأمم المتحدة لعام 1988م كوسيلة من وسائل كشف عصابات التهريب.
16 ضرورة توحيد قوانين مكافحة المخدرات عربياً، ومنه دولياً فيما بعد، وذلك لأن كثيراً من المسافرين يجهلون النصوص القانونية المختلفة. وكمثال تعاطي القات في اليمن، فكما هومعلوم غير مجرم، كما أن كثيراً من المسافرين القادمين من اليمن إلى المملكة يحملون معهم نبات القات الذي أصبح مجرما التعامل به.. وكقاعدة قانونية (الجهل بالقانون ليس عذراً) ومن ثم يضبطون متلبسين، وعند التحقيق معهم يتضح عدم علمهم المسبق بذلك وخاصة البعض غير المتعلم منهم.
النصوص القانونية لمكافحة المخدرات في دول الخليج العربية
اعتمدت سياسة الدول الخليجية مكافحة الاستعمال غير المشروع للمخدرات ونظراً لأهمية هذا الموضوع رأيت عرض بعض هذه النصوص على النحو التالي:
عاقب المشرع الكويتي بالحبس مدة لا تزيد عن خمس عشرة سنة وغرامة لا تتجاوز خمسة عشر ألف دينار، كل من استورد المواد المخدرة أو صدرها بقصد الاتجار وبدون ترخيص (المادة 4)، وفي حالة العودة تكون العقوبة بالحبس المؤبد أو المؤقت مدة لا تزيد على خمس عشرة سنة، وغرامة لا تجاوز عشرين ألف دينار، كذلك إذا كان الجاني من الموظفين لمكافحة المخدرات، أما في حالة الحيازة أو الشراء أو البيع أو النقل أو النزول عن المواد المخدرة بقصد الاتجار بأي صورة في غير الأحوال المرخص بها في هذا القانون تكون العقوبة الحبس لمدة خمس عشرة سنة، وغرامة لا تتجاوز 15 ألف دينار في حالة العود، أو إذا كان الجاني من الموظفين المنوط بهم مكافحة المخدرات.
ولكن المشرع البحريني نص في المادة 23 ب من المرسوم رقم 4 لسنة 1973م وشمل كل صور التعاطي (كل من استورد مواد أو مستحضرات مخدرة) أو صدرها بغير ترخيص، وكل من زرع أو أنتج أو استخرج أو فصل أو صنع مواد أو مستحضرات مخدرة بقصد الاتجار، وكل من حاز أو أحرز أو اشترى أو باع مواد مخدرة وغير ذلك، من التعامل غير المشروع للمواد المخدرة. وعاقب عليها بالحبس مدة لا تزيد على عشرسنوات أو بغرامة لا تزيد على عشرة آلاف دينار أو بالعقوبتين معاً.
وبالمقارنة بقانون مكافحة المخدرات الكويتي يتضح أن المشرع البحريني قد نزل بعقوبة هذه الجرائم.. وترفق بالمتعاطي وجعل عقوبة كل من حاز أو أحرز أو اشترى بقصد التعاطي أو الاستعمال الشخصي لمواد مخدرة، الحبس مدة لا تزيد على ثلاث سنوات أو بغرامة لا تزيد على ثلاثة آلاف دينار أو بالعقوبتين معاً.
ويجوز إيداع المتهم أحد المستشفيات بدلاً من توقيع العقوبة بناء على توصية من وزير الصحة، ومن الملاحظ أن أغلب التشريعات والنصوص السابقة تنظر للمتعاطي نظرة رحيمة، باعتباره شخصاً مريضاً، ولكن الغالب أن المتعاطي لا يمتنع عن تعاطي المخدرات بعد الإفراج عنه وعلاجه.. فتضيع كل المحاولات لإصلاحه، وأعتقد أن الحل قد يكون مهما في الرعاية اللاحقة بعد خروجه من المؤسسات العلاجية أو العقابية بالنسبة للعائد، وضرورة خضوعه لفحص (البول) كل شهر ولمدة لا تقل عن سنة من قبل أجهزة مكافحة المخدرات للاستدلال على رجوعه إلى التعاطي مرة أخرى، ثم يسارعون بإدخاله لمدة علاجية أخرى إذا ثبت تعاطيه، حتى لا يبقى هذا المتعاطي يمارس طقوسه المعتادة بالتعاطي وهنا تقع المشكلة.
ولكن الغريب أن المشرع القطري قد خفف العقوبات المقررة كثيراً لصور الجرائم المختلفة السابق ذكرها، وفقاً لأحكام المادة 15 في قانون مكافحة المخدرات القطري 19 سنة 1993م بشأن تداول المواد المخدرة جاء فيه (مع عدم الإخلال بأية عقوبة أشد ينص عليها قانون آخر يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على ثلاث سنوات وبغرامة لا تزيد على عشرة آلاف ريال أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من خالف أي حكم من أحكام (المادة 3) من هذا القانون (2).
وأعتقد أن العقوبة المقررة وفقاً لنص المادة 3 من قانون مكافحة المخدرات القطري غير رادعة لمرتكبي هذه الجرائم، عنه في النصوص الأخرى السابق ذكرها.. لذلك أرى ضرورة توحيد قوانين مكافحة المخدرات عربياً، ومنه دولياً فيما بعد، وذلك لأن كثيراً من المسافرين يجهلون النصوص القانونية المختلفة.
وكمثال : تعاطي القات في اليمن، فكما هو معلوم غير مجرم، كما أن كثيراً من المسافرين القادمين من اليمن إلى المملكة يحملون معهم نبات القات الذي أصبح مجرما التعامل به.. وكقاعدة قانونية (الجهل بالقانون ليس عذراً). ومن ثم يضبطون متلبسين، وعند التحقيق معهم يتضح عدم علمهم المسبق بذلك وخاصة البعض غير المتعلم منهم.
لقد نهج المشرع السعودي منهجاً جديداً في إنزال العقوبات الجنائية بحق تجار المخدرات، وأعطى الحق بتفويض أمراء المناطق بتقدير العقوبة على المتهم بعد أن تثبت الإدانة شرعاً، والتعزيز شرعاً لتصل إلى الإعدام في جرائم المخدرات وفقاً لحجم المواد المخدرة المراد الاتجار منها وكبرها، وذلك انطلاقاً من المبادىء الإسلامية لقوله تعالى (ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب لعلكم تتقون).
وأعلنت سلطنة عمان انضمامها إلى اتفاقية الأمم المتحدة 1988 كما جاء في أحكام المادة 1 من المرسوم السلطاني رقم 29/91 بالموافقة على ذلك. وبالرجوع لنصوص اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الاتجار غير المشروع في المخدرات لسنة 1988م (المادة 3) نرى أنها تنص على أن يتخذ كل طرف من أطراف الاتفاقية ما يلزم من تدابير لتجريم الأفعال التي سبقت الإشارة إليها من خلال النصوص السابقة، في إطار القانون الداخلي في حالة ارتكابها عمداً، ومع مراعاة المبادىء الدستورية والمفاهيم الأساسية للنظام القانوني لكل طرف ما يلزم من تدابير، في إطار قانون الدولة الداخلي لتجريم حيازة أو شراء أو زراعة مخدرات أو مؤثرات عقلية للاستهلاك الشخصي، في حالة ارتكاب هذه الأفعال عمداً خلافاً لأحكام اتفاقية سنة 1961م أو اتفاقية سنة 1971م.
وأظن أن الدولة التي تجرم جميع صور التعاطي والتعامل غير المشروع للمادة المخدرة هي أكثر التشريعات قدرة على نجاح دور القانون الجنائي كأداة للحد من انتشار المخدرات وتفشيها في المجتمع، ومن الملاحظ أن هذه التشريعات السابقة لم تتخذ خطاً واحداً بالرغم من تزايد حجم التعاون الدولي وكثرة المؤتمرات الدولية التي تنعقد في هذا الشأن. إن أغلب هذه التشريعات يعتمد في سياتها على العقوبات التقليدية والتدابير الاحترازية كتدبير الإبداع في مصحة للعلاج مثل التشريع المصري والإماراتي والفرنسي والأمريكي، والبعض يعتمد في سياسته العقابية على العقوبات التقليدية وحدها مثل التشريع الكويتي والسعودي.
وبالرغم من ذلك فإن هذه السياسات العقابية تلتقي في نظام العدالة الجنائية ولكني أرى ضرورة الوقاية قبل العلاج عن طريق الحملات الإعلامية والتنشئة الدينية والاهتمام بالاسرة.
التصدي الإعلامي للإدمان:
لا أحد ينكر قدرة أجهزة الإعلام على صناعة الوعي القومي وتعميقه، ومشكلة مصيرية خطيرة مثل الإدمان، لابد أن يكون للإعلام فيها دور ريادي يستطيع أن يصل به إلى طبقات المجتمع وفئاته، حتى الأميين فيه. ولذلك لابد من وضع إستراتيجية إعلامية شاملة تقدم الرأي الطبي والتربوي والعلمي والأمني من المختصين والمسئولين بأسلوب سهل، سلس يفهمه جمهور المتلقين دون جهد أو ملل، كما نقدم التمثيليات والمسلسلات الدرامية التي تبتعد عن الدعاية المباشرة الفجة، بل تستخدم أسلحة الفن المؤثرة في أقل المتلقين ثقافة والمقنعة لأكثرهم ثقافة.
ولا تعني هذه الإستراتيجية الشاملة الإلحاح الممل على الجماهير أو الحماس الأهوج أو الدعاية الفجة، فهذه كلها أعراض إعلامية فاشلة من شأنها أن تأتي بعكس النتيجة المرجوة تماماً، وإنما تعني دراسة كل أبعاد الظاهرة دراسة إعلامية دقيقة، ثم يخصص لكل بعد على حدة توجه إعلامي يتفاعل معه، وفي الوقت نفسه يصب في الهدف العام والقومي في النهاية، وبذلك يمكن تغطية كل الأبعاد بحيث يسهل الوصول إلى أكبر قطاع ممكن من الجمود، بكل مستوياته الفكرية، وطبقاته الاجتماعية، وفئاته الاقتصادية واتجاهاته النفسية.
ويجب أن نعترف أن الجهود الإعلامية السابقة والحالية لم تؤثر تأثيراً ملحوظاً على ظاهرة الإدمان بدليل استمرارها بل وتفاقمها برغم النبرة الإعلامية العالية التي تميز توجهات الصحافة والإذاعة والتلفزيون والسينما والكتب المنشورة عن كارثة الإدمان، أي أن الرسالة الإعلامية لم تصل إلى المتلقي، سواء كان هذا العجز في عملية التوصيل الإعلامي ذاتها أو في المتلقي أو المدمن الذي لم يقنع بخطورة الكارثة عليه شخصياً لأسباب نفسية واجتماعية خاصة به هو؟!.
وتبدو وعورة المهمة الإعلامية في أن المتلقي أو المدمن إنسان مريض فقد إرادته في اتخاذ القرار الحاسم لصالح صحته ونفسيته ومستقبله، بل وفقد القدرة على استيعاب كثير من المعاني والأفكار التي ترد على ذهنه في حياته اليومية. ولذلك فليس عليه حرج، ولن يؤثر فيه لوم أوعتاب أو تأنيب أوتقريع، فهو يصنع من اللا مبالاة والشرود جداراً سميكاً حوله يصعب اقتحامه والنفاذ إليه، بل نه يصل في بعض المراحل إلى الاعتقاد بأنه لا يعاني من أية مشكلة على الإطلاق، إذا كان المصدر المالي لجلب المخدرات متيسراً له. وبالتالي تصبح المشكلة برمتها مشكلة الإعلاميين والحرج حرجهم.
أما إذا توغل التلفزيون إلى حجرات السجن الرهيبة يقبع المهربون أو المدمنون الذين فقدوا حريتهم بعد أن فقدوا إرارتهم، فإن مجرد هذه المشاهد والمواقف كفيلة بإثارة قشعريرة الخوف داخل المتلقي عندما يرى بعيني رأسه مصير هؤلاء البؤساء الضائعين. كذلك يمكن تصوير تنفيذ أحكام الإعدام في المهربين الذي تثبت إدانتهم خاصة أن الأحكام أصبحت الآن تتسم بالشدة حتى يرتدع المجرمون.
إن تصوير تنفيذ حكم إعدام واحد بالتلفزيون يمكن أن يكون أكثر تأثيراً وفاعلية من حملة إعلامية تستغرق سنوات وتستهلك أموالاً وصفحات وساعات إرسال فالحسم الإعلامي أصبح ضرورة ملحة، فالمسألة ليس مجرد مادة إعلامية تقليدية ولكنها ظاهرة تمس كيان الأمة ومستقبلها في الصميم.
إننا في حاجة إلى الإعلام الذي يهز الأعماق وينفض عن عيون الناس وآذانهم أبخرة اللا مبالاة وأتربة الشرود، وابتسامات الشك والسخرية. وعلى الإعلام أن ينتهج سياسة المصارحة والكشف والتعرية وإلقاء الضوء على كل كهوف الظاهرة المظلمة، والضرب الإعلامي على الوتر الانفعالي لدى الجمهور بعد شدة قد يأتي بنتيجة أكثر فاعلية من الحوار الأكاديمي الرزين الذي لابد أن يجد آذاناً صماء عند المدمن الذي أغلق منافذ عقله وترك قيادة الشرود والضياع. لكن هذا الاتجاه لا يعني التهييج والإثارة وإنما يهدف إلى شحن المدمن بانفعالات مضادة للانفعالات التي اعتادها مع كل جرعة جديدة للمخدر، وعلماء النفس والمحللون النفسيون خير من يقوم بهذه المهمة الإعلامية.
ففي مواجهة مشكلة مصيرية كالإدمان كان على وسائل الإعلام أن تبادر إلى اتخاذ بعض الإجراءات الأولية على سبيل التنوير العاجل، مثل تأليف كتاب علمي سلس يتضمن كل ما يتعلق بالإدمان، ويتم توزيعه على شباب المدارس والجامعات والجهات المعنية، وإصدار نشرة طبية تقوم بتوصيل أحدث طرق العلاج إلى الأطباء والمحللين النفسيين المختصين في هذا المجال، وإصدار نشرة دورية للتعرف بعوامل الإغراء التي تؤدي إلى تناول هذه السموم، وطرق العلاج وكيفية التقدم لمراكز العلاج وتدعيم الجسور بين قنوات الإعلام وتنظيم دورات متخصصة للإعلاميين ورجال الدين والتربية الاجتماعية والنفسية في مجال مكافحة الإدمان وإقامة أكثر من مركز للمعلومات يقوم بصفة دائمة بالإجابة والرد على الاستفسارات الخاصة بهدف توفير الإحساس بالأمان لكل من يرغب في العلاج وتمكينه من مقابلة المختصين لمناقشة مشكلته في أقرب مركز للعلاج. كذلك عقد مؤتمرات ودورات وندوات متخصصة تذيع أجهزة الإعلام بعض أجزائها التي يمكن للجمهور أن يستوعبها خاصة الشباب منه.
وإذا كان الإعلام قد تفرع إلى عدة تخصصات الآن، مثل الإعلام الصحي والإعلامي الريفي والإعلام السكاني، فلا بد أن يكون إعلام خاص بالإدمان، يمكنه التنسيق بين أجهزة الدولة المعنية في مجال جهودها في الوقاية والتوعية والارشاد والضبط والعقاب. فعندما تبرز أجهزة الإعلام مثل هذا التنسيق بكل نتائجه الواقعية والمتوقعة، فلا بد أن يكون له أثر كبير في تقليل حجم المشكلة، خاصة إذا كانت التعرية الإعلامية الكاملة مواكبة لهذا التنسيق، ويجب ألا نخاف من تعرض أطفالنا وشبابنا للإدراك الكامل والمعرفة الدقيقة لمعنى الإدمان ونوعيات المواد المخدرة سواء الطبيعية أو التخليقية منها، فالوعي الإعلامي في حد ذاته أمضى سلاحا في المعركة، فالمتلقي يقبل على المادة الإعلامية وهو مدرك تماماً لمدى خطورتها والعواقب المأسوية والمضاعفات المرعية التي ستحلق به، فيعلم إلى أي منقلب سينقلب لو أنه فكر مجرد تفكير في المرور بالتجربة على سبيل الإثارة وحب الاستطلاع.
وفي عصرنا هذا أصبح عالمنا قرية صغيرة بفعل ثورة الاتصالات والإعلام وأصبح أطفالنا وشبابنا يعايشون كل أدوات المعرفة من كل أرجاء العالم، وبالتالي أصبح من المستحيل إخفاء ظواهر العصر وحقائقه عنهم بحجة الخوف عليهم من الانزلاق إلى الهاوية، ولذلك أصبح من الأفضل أن يعلموا الحقائق والواقع من أجهزة إعلامهم الوطنية، فلم تعد ظروف العصر وحركة التاريخ تسمح بأي نوع من العزلة، وطالما أن التيار أصبح متدفقاً وجارفاً فلا بد أن نتعلم السباحة فيه حتى نصل إلى بر الأمان، فالعبرة ليست بالمادة الإعلامية في حد ذاتها، لكنها بأسلوب تقديمها وتوصيلها. فاذا كان التوصيل مسلحاً بأساليب التعليم والتوعية ومناهج الإعلام الاجتماعية والنفسية فلا خوف على المتلقي.
مكافحة غسيل الأموال دولياً
international Whitening Money :
صور مكافحة غسيل الأموال دولياً:
تفشت ظاهرة غسيل الأموال في المجتمعات الغربية من خلال الفترة الماضية مع انتشار وتشعب تجارتي السلاح والمخدرات، وتشعبت هذه الظاهرة لتصل إلى اقتصاديات هذه الدول فطرحت علامات استفهام حول شرعية الأموال المتداولة في أسواقها، وقد اتسعت هذه الظاهرة في مجتمع الغرب، وأصبح العاملون في هذه التجارة غير المشروعة يتربصون بالأسواق الناشئة، أموال العالم الثالث مما بات يتطلب دراسة متأنية لهذه الممارسة للحيلولة دون تغلغلها في اقتصادياتنا.
وتعد جرائم غسيل الأموال من الجرائم المستحدثة، حيث يتم نقل الأموال التي تم الحصول عليها بطريق غير مشروع، من خلال شبكة من الاتصالات الدولية مرتبطة بمشروعات وهمية إلى ان تعود إلى نفس الدولة مرة أخرى بشكل لا يشوبه الشك ليجري استغلالها في الدولة، وكأنها تكونت من مصدر مشروع، ويطلق عليها غسيل الأموال أو الجريمة البيضاء كما تسمى.
وأقترح ضرورة إضافة نص في قانون المخدرات بأن يقوم البنك بإرسال عمليات الإيداع المتكرر بمبالغ ضخمة إلى الجهة المختصة بمكافحة عمليات غسيل الأموال حتى يتم مراقبة الشخص والقبض عليه في حالة تورطه بتجارة المخدرات على أن تتم هذه التحريات بشكل سري حتى لا يكون السبب عدم جذب رؤوس الأموال داخل أي دولة تقوم بسن هذا القانون، وكذلك عدم السماح بتحويل البنوك للنقد الأجنبي المعلوم المصدر إلى أحد البنوك الخارجية إلاّ بعد الحصول على شهادة إخلاء طرف من مصلحة الضرائب ومصلحة الجمارك وإدارة غسيل الأموال.
واتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الاتجار غير المشروع في المخدرات قد عالجت هذه المعاهدة المسائل الخاصة بالاختصاص القضائي ومصادرة أموال المخدرات وتبادل المجرمين وتبادل المعلومات والتعاون القانوني المشترك بين الدول والأجهزة، والنصوص ذات الصلة المباشرة بالبنوك والمؤسسات المالية، ونصوص التجريم التي تتصل بعمليات تحويل وإخفاء الأموال المتحصلة من جرائم المخدرات.
فقد عقد المؤتمر الدولي التاسع لمنع الجريمة بالقاهرة بتاريخ 29 ابريل الى 8 مايو 1995م، وتضمن (البند الرابع) موضوع المخدرات وغسيل الأموال الناتجة عن تجارة المخدرات، طالب المؤتمر بضرورة التعاون الدولي لمكافحة الجريمة بشكل عام، وخاصة مكافحة غسيل الأموال الناتج عن تجارة المخدرات والقبض على تجار المخدرات، وطالب المؤتمر السلطات المصرفية والقانونية في الدول بعدم إخفاء الحسابات السرية المرتبطة بالدخل غير المشروع، فضلاً عن إصدار لجنة الأمم المتحدة قراراً لمكافحة المخدرات عام 1995م الذي عقدته هذه اللجنة لمكافحة المخدرات خلال اجتماعات الدورة الثامنة والثلاثين في الفترة من 14 23 مارس 1995م، وفي النمسا تم بحث التدابير الكفيلة بتعزيز التعاون الدولي في مجال مكافحة إساءة استخدام المخدرات ومضوع غسيل الأموال. وقد أصدرت هذه اللجنة قرارين، أولهما ضرورة الإبلاغ عن الصفقات المشبوهة إلى وحدة مركزية للتحليل المالي والإفصاح عنها، ويتم إنشاؤها في كل دولة وتطور الاتصالات بين أجهزة تنفيذ القوانين من أجل سهولة تحريات أنشطة غسيل الأموال وإحالة من يقوم بها إلى القضاء، والقرار الثاني هو اتخاذ الإجراءات اللازمة لضمان تعزيز التعاون بين برامج الأمم المتحدة المهتمة بمكافحة المخدرات وغسيل الأموال.
وقد قامت عدة دول بتقديم دعوة بصفتهم أشخاص القانون الدولي العام إلى القيام بعمل منسق لضمان فاعلية التدابير المتخذة ضد إساءة استعمال المخدرات.
إن أغلبية الأشخاص غير العاملين في مجال القانون لا يعلمون بأبعاد عمليات غسيل الأموال، وأقتراح تعريف الناس وتوعيتهم بأبعاد المشكلة، باعتبارها ظاهرة خطيرة لتلويث المجتمع وضرورة السعي نحو عقد اتفاقية دولية جماعية وتنفيذها لمواجهة غسيل الأموال. وذلك من خلال التعاون الدولي والاهتمام به في الشريعات المحلية، ولا شك أن الأخذ بهذا الاقتراح يتفق مع ما تطالب به مؤتمرات الأمم المتحدة لمكافحة جرائم الاتجار في المخدرات وعمليات غسيل الأموال، وكذلك الاستفادة من تجارب بعض الدول المتقدمة في مواجهة عمليات غسيل الأموال.
وأقصد بالتعاون الدولي هنا تنسيق الجهود والإجراءات والتشريعات لكافة الدول لمكافحة الجريمة وتعقب المجرمين تجار المخدرات ومصادرة أموالهم داخل البلاد وخارجها، بالاتفاق مع الدول الأخرى عن طريق اتفاقيات ثنائية أو اتفاقيات متعددة الأطراف أو بروتوكولات التعاون الأمني التي يتفق عليها في المؤتمرات أو المحافل الدولية تحت رعاية الأمم المتحدة.
* رئيس مجلس إدارة مجموعة العثيم للصناعة والتجارة
asa100@hotmail.com
|
|
|
|
|