| الاقتصادية
قبل عدة سنوات، ورد مصطلح «الحضارة الأسمنتية» على لسان الشيخ يوسف اسلام حين كان يفرق ما بين نوعين من التنمية الاقتصادية: المظهرية والجوهرية فطرح تساؤلات محرجة للمنظرين الاقتصاديين والاجتماعيين وربما الفلاسفة ايضا: ما هي المقاييس الحقيقية للنمو الاقتصادي؟ وما هي الآليات المناسبة للتنمية الاقتصادية؟ لن نسترجع كتابات مالك بن نبي عن شروط النهضة، ، ولكن يكفينا عناء ان نتجول في عالمنا العربي لنرى ان الحضارة الاسمنتية لم تقدم ولم تؤخر إذا كانت أساسيات النمو الاخرى مهملة أو مؤجلة أو ليست لها الأولوية!!
القارب الذي غرق في عرض بحر جاوة يوم الثلاثاء الماضي كان يحمل أكثر من اربعمائة عربي (فيهم عوائل كاملة) هاربين من الجحيم في بلدانهم الى الرمضاء في بلاد الافرنج، أي انجاز حضاري للنظام العربي هذا؟! ملايين المشردين والمهاجرين والمنبوذين بسحنتهم القمحية وألسنتهم العربية يجوبون العالم بحثا عن مكان آمن تحت الشمس قتلتهم البحار ويسعد بهم سمك القرش وفي أوطانهم يزداد الضجيج عن حضارة جسور وقصور وبيانات وفضائيات ومسابقات وانجازات رياضية وأسمنت وبلك وحديد وعيون القطط!! في قطر عربي يرتفع الطنين عن حضارة البناء وانجازات القيادة من أن ربع الشعب ذهب ضحية النظام وربعه الثاني مشرد مهاجر وربعه الآخر منزوٍ يبحث عن رغيف الخبز وبقي ربع رابع ويمثل أولئك الذين يتلقطون السمع بحثا عن كلام ممنوع أو همهمات خطيرة تقلل من الانجازات الأسمنتية وحضارة المظاهر!!
لو كان هذا يحدث في بلد عربي واحد لقلنا هانت (لكل قاعدة شواذ) ولكن أن توجد ظاهرة الهجرة عند أكثر الدول العربية فإننا نكاد نقتنع ان المجتمعات العربية بأنظمتها الحالية هي مجتمعات اقتصادية طاردة (للبشر والاستثمارات) حتى لو تمت زخرفتها بالاسمنت والأسفلت وزراعة الزهور وأنظمة جذب الاستثمار ومنتجعات السياحة وغير ذلك،
و ركَّز النظام العربي على الإنجاز المادي البحت (هذا اذا عدَّ انجازاً)، ، في بيئات تفتقد الحق والعدل والحرية والانطلاق وروح التحدي، ، الخ، وحتى في موضوع مهمة او واجبات النظام جاء التركيز على تحقيق (الاكتفاء البيولوجي) للشعوب واهملت الجوانب المعنوية في التنمية الحضارية مثل التعليم والشفافية والمكاشفة والمشاركة وغيرها وهذه الاخيرة المسماة المشاركة تمت زخرفتها كذلك فانتشرت البرلمانات التي توزع كراسيها توزيعا وتناقش في اروقتها خطط الصرف الصحي ومقاومة التصحر، ، مع ان العدو على الباب؟!
عندما حاصر المغول بغداد كان الزعيم العربي يجاهد لبناء حضارة ما وتطويرها بأحدث وارقى الادوات الموسيقية في «مدينة نور» تلك العصور (كانت بغداد قبلة الحضارة الشكلية) ، ، فذهبت وذهب لأن الجوهر كان ملوثا والايمان كان مغيبا والحضارة الانسانية الاسلامية كانت في بطون الكتب؟! والمثل نفسه ينطبق بحذافيره على قرطبة (عاصمة العلم المادي في اوروبا في وقتها) والتي افتقدت روح التحدي الحضاري ومعاني الايمان الجوهرية فأصبحت مزاراً سياحيا للذين يتفكرون في أحوال الأمم وشروط النهضة وخصائص التنمية الحقيقية،
sunotaibi@yahoo، Com
|
|
|
|
|