| الريـاضيـة
عندما أطلق حكم مباراة البحرين وإيران صافرة النهاية.. بل ربما عندما سجل المنتخب البحريني هدفه الثالث قبل نهاية المباراة بدقائق غير محسوبة في زمن اللقاء.. في الوقت الذي أنهى المنتخب السعودي مهمته أمام تايلند.، فإن ثمة شعورا بدأ يتنامى.. وأحاسيس تتحرك داخل كوامن النفس..
عندما انطلق لاعبو البحرين بالعلم السعودي إلى جانب العلم البحريني يطوفون أرجاء الملعب في فرح طفولي ابتهاجاً ليس بفوزهم على إيران وإنما بالمحصلة النهائية لهذا الفوز.. وهو تأهل المنتخب السعودي لنهائيات كأس العالم..
نعم فرح الأشقاء البحرينيون لفوزهم على إيران.
وفرحوا لأن هذا الفوز يؤكد مستواهم المشرف خلال التصفيات..
وفرحوا لأن مستقبلا واعداً للكرة البحرينية من خلال هذا الفريق الذي وقف نداً لأصحاب الخبرة والتاريخ..
و(نعم).. لأن الفوز على فريق مثل إيران في ظروف كهذه يعني الشيء الكثير..
نعم .. ونعم .. ونعم ..
ولكن ثمة فرحاً هاماً.
وابتهاجاً آخر..
جاء مكملاً لذلك الفرح..
فكان الفرح مضاعفاً..
وكذلك البهجة كانت..
ذلك أن هذا الفوز.. وهذا الانتصار تولّد عنه فرح أكبر... وانتصار اكبر.. وهو تأهل شقيقهم المنتخب السعودي إلى نهائيات كأس العالم..
لهذا جاء التعبير تلقائياً..
وكان الشعور عفوياً..
عندما حدث ذلك..
وفي تلك اللحظات.. التي كانت تنتقل فيها الكاميرا بين المنامة والرياض..
ترصد مشاعر الفرح..
وتسجل مظاهر البهجة..
كانت طبول (العرضة).. تمثل صدى لإيقاع (الصوت) البحريني..
وجاء (السامري) متجاوباً مع ال (يا مال).. في تناغم عجيب.
واغتسلت لآلئ الخليج.. في بحار نفط الصحراء ليشكل هذا كله مزيجا يصعب تحليله ومعرفة مكوناته..
لحظة.. (استيقظت فيها نخلة) من الصحراء متسائلة في همس عمن طوّقها بأصداف الخليج.. ولآلئ الخليج.. ودرر الخليج..؟!
في تلك اللحظة.. لا أرى كيف قفزت إلى ذهني فجأة قصيدة (غازي القصيبي) وأضعه بين قوسين لاحتفظ له بكل الألقاب الرسمية وغير الرسمية..
تلك القصيدة التي قالها عندما كان سفيراً للمملكة في البحرين معبِّراً فيها عن مشاعره ومشاعر أي مواطن خليجي وهو يرى جسراً من البناء يربط السعودية بالبحرين..
ضرب من العشق لا درب من الحجر
هذا الذي طار بالواحات للجزر
فعلاً انه(ضرب من العشق) .. يتراءى أمامنا كل يوم .. وكل ساعة..
يتراءى أمامنا في كل مشروع تنموي مشترك أو موقف سياسي موحد..
(ضرب من العشق) يتراءى أمامنا كل يوم في وشيجة قربى تتصل.. وبذور معرفة تزرع أو علاقة تمتد..
(ضرب) يتراءى في كل مناسبة يلتقي فيها أبناء البلدين .. وشعب البلدين.
(ضرب من العشق) وضع أساسه.. ورعاه قيادة البلدين .. على قاعدة صلبة مبنية وفق أساسات متينة ضاربة في أعماق التاريخ فكان البناء شامخاً.. لا تهزه ريح عاتية..
ولا يتأثر برياح مواتيه..
(ضرب العشق) هذا كان رياضياً.. هذه المرة..
وكان مختلفاً هذه المرة..
فكان مذاقه خاصاً هذه المرة..
كانت أعين السعوديين في الرياض..
وقلوبهم في المنامة..
جعلوا عيونهم هنا للتركيز على فريقهم..
وأودعوا قلوبهم هناك.. أملاً في قدرة أشقائهم على الحسم.. وزفهم إلى المونديال.. وجاءت اللحظة..
واستيقظت نخلة وسنا توشوشني
من طوّق النخل بالأصداف والدرر
نسي البحرينيون فوزهم.. فابتهجوا بالفوز السعودي.
ونسي السعوديون لقاءهم مع تايلند وانصرفوا لمباراة البحرين..
انتقلت الرياض.. إلى المنامة..
وحلّت المنامة.. في الرياض..
وذابت كل الفوارق..
نسيت أين أنا..؟ ان الرياض هنا
مع المنامة مشغولان بالسمر
أنَّى هذا..؟!
وأنّى لأبناء البحرين فعل ذلك.؟!
لم يكن اكثر النقاد المحايدين تفاؤلاً يتوقع هذه النتيجة..
ولم يتوقع كثيرون أن يظهر البحرين بهذا المستوى..
ولم يعتقد كثيرون أن يفعلها أبناء البحرين..!
كان أكثر المتفائلين نظرة يميل إلى التعادل..
أو صمود البحرين فترة ما تلبث ان تنتهي.. فالمنتخب الإيراني قوي.. وخبير وهذه فرصته التي لا يمكن ان تفوت..
والمنتخب البحريني أعطى ما لديه.. وبدأ العد التنازلي في مستواه نتيجة نفاد المخزون اللياقي والإصابات..
والمنتخب البحريني فقد الأمل .. ولم يعد أمامه ما يخسره أو يكسبه.. فالمعنويات هابطة والأمل مفقود.. والهدف غير موجود.
هكذا .. كانوا يرون .. ويعتقدون لكنهم ما لبثوا أن التفتوا إلى بعضهم يتساءلون:
ماذا أرى؟ زورقاً في الموج مندفعاً
أم أنه جملٌ ما ملَّ من سفر
إنهما الاثنان .. وربي.
(زورق) بحريني اندفع من خلال الموج فكانت هذه النتيجة.
و(جمل) سعودي ما ملّ من سفر تجاه المونديال.. واعتاد الطريق إليه.
فئة واحدة فقط.. كانت تثق في قوة اندفاع (الزورق) البحريني.. وطول نفس (الجمل) السعودي..
اولئك (أعني الواثقين).. هم الذين يدركون عمق الروابط بين الشعبين البحريني والسعودي.
ويدركون مدى التلاحم بين هذين الشعبين.
ويؤمنون بنوعية العلاقة التي تربط بينهما وتميز هذه العلاقة..
هؤلاء.. هم الذين يؤمنون بحقيقة ثابتة.. يرى الآخرون انها لازالت نظرية مطروحة وهي:
ان الرؤى والتحليلات المبنية على الطرح النظري.. يمكن ان تتلاشى امام الحس الوطني.. وشعور الانتماء.
وهي حقيقة يجب ان تسود بين دول مجلس التعاون.. وبين الدول العربية عموماً..
فشكراً أهل البحرين..
وعاشوا (هل) البحرين..
وعاشت الكرة الخليجية.. رائدة وقائدة في المحافل الدولية..
وعاشت الكرة السعودية.. ممثلاً دائماً لهذه الكرة.. وللكرة العربية عموماً في تلك المحافل وسفيراً فوق العادة..
وهو لقب لم تنله صدفة..
ولم تحصل عليه مجاملة..
ولكنه جاء نتيجة عمل دؤوب.. وثمرة جهد وكفاح.. توالى على زرعه رجال أكفياء
ارسوا قواعد هذه الرياضة منذ عقود.. إلى ان جاء (فيصل الخير) رحمه الله.. وباني مجدها وواضع أسس الرياضة السعودية المعاصرة ليسير على نهجه سلطان ( السعد).. ونواف (البشر) فيصل بن فهد.. سلطان بن فهد.. ونواف بن فيصل.. ورجالٌ مخلصون عملوا.. ومازالوا يعملون معهم.. لارساء قواعد نهضة رياضية شاملة..
عقدان من الزمن.. كانت ومازالت فيهما الكرة السعودية.. سيدة آسيا.. وممثلها الدائم..
عقدان من الزمن.. دانت فيهما الكرة لاقدام السعوديين وخضعت فيهما الكرة لسلطتهم..
وتزينت بهم.. وارتبطت معهم.. برباط روحي.. يأخذ في اعتباره نوع العلاقة وابعادها..
عقدان من الزمن.. اصبح فيهما تعامل الكرة السعودية مع البطولات.. يتم وفق برمجة آلية.
وبنوع من العفوية..
ولم تعد البطولات هما يثقل كواهلنا.. ولا مجهولا نخشى الدخول إلى عالمه..
واصبح اللاعب السعودي.. يتعامل مع هذه المواقف.. بنوع من الدراية.. والخبرة.. كما يتعامل مع مباريات الدوري المحلي.
كل ذلك بفضل الله سبحانه وتعالى.. ثم بفضل الاعداد الذي يسير عليه هذا اللاعب..
والمنهجية المعتمدة في تجهيزه..
والخبرة التي اكتسبها كنتيجة طبيعية لذلك..
لهذا.. لم يكن غريبا ابدا ان يتم ترشيحه مسبقا للتأهل.. وتجاوز هذه المرحلة قبل أن تبدأ..
حتى عندما فقد اربع نقاط غالية في اول مباراتين.. ظلت الترشيحات مقترنة به.
لم يكن ذلك مجاملة..
ولا اطراء في غير محله..
ولا ممارسة لنوع من التخدير الإعلامي.. لكنه جاء عن قناعة بامكانات الكرة السعودية..
وايمانا بكفاءة الكرة السعودية.
وادراكاً لجدارة الكرة السعودية.
فكان اللاعبون جياداً اصيلة.. والخيل الاصيلة ( ما تلحق الا تالي) كما يقولون..
لم يكن للصدفة دورها في هذا التأهل.
ولم يكن للحظ مكانة..
فالحظ.. قد يطرق بابك مرة..
والصدفة قد تواتيك هي الأخرى..
لكن ان تتأهل ثلاث مرات متتالية فهذا انجاز كبير..
وان تتأهل في كل المرات عبر اصعب الطرق.. فهذا اعجاز..
وان توضع في اصعب المواقف.. وتواجه حرباً اعلامية.. وتحديا صارخا..
ان تواجه هذا كله..
وتقبل به.. وتعلن قدرتك على مواجهة التحدي..
وتعلن ثقتك بنفسك على تجاوز هذا التحدي..
وتنجح في هذا كله..
فهذا لعمري قمة النجاح..
وقمة العطاء..
وهو اعجاز في انجاز..
وانجاز يمثل الاعجاز..
ومواجهة التحدي.. ليست فقط من خلال الاعلان المسبق..
ولا تخطي الحواجز..
ولكنه في كيفية التعامل مع الظروف المواتية..
وعدم الاستسلام.. أو اليأس.. ومن ثم التفوق على الآخرين.
ان تفقد نقاطا خمساً من اصل ست في بداية المشوار.. وتحول هذه الخسارة إلى كسب متتال (16 نقطة من أصل 18).. الا يمثل هذا قمة التحدي؟!
ان تتجاوز مرحلة اليأس.. متعلقاً بالأمل متطلعاً إلى المستقبل بنظرة تفاؤلية مليئة بالثقة.. الا يمثل هذا قمة التفوق..؟!
التحدي مع الآخرين..
والتحدي مع الذات..
تحد.. لا يمكن ان يكون للحظ فيه دور..
ولا للصدفة مكان..
ولا لمواقف الآخرين أثر..
نعم.. كان اليوم الأخير يوم الحسم..
وكان لفوز البحرين دور..
لكن هذا لا يلغي جدارة المنتخب السعودي واحقيته..
لنقرأ تاريخ التصفيات
ونراجع سيرتها..ونرى من خلالها.. كيف كان الوضع؟!
وماذا اعطى المنتخب السعودي؟!
لا اود ان اطيل في هذه القراءة.. لكن لانني احب لغة الارقام.. ربما بحكم التخصص الاكاديمي او لأنها لغة المنطق والواقع.. فلنجعل من هذه اللغة حكما..
ومن نتائجها اساساً للتقييم.. خاصة مع المنافس الحقيقي.. ايران..
والمقارنة التي اعنيها هي في تعامل كل من الفريقين مع الفرق الأخرى.. ذلك ان اللقاءات الثنائية ربما كانت لها ظروفها كما حدث بالفعل وهي لا تعطي حكما دقيقا في كل الاحوال..
امام الآخرين (البحرين العراق، تايلند) حقق المنتخب السعودي 16 نقطة من اصل 18 فيما حقق المنتخب الايراني 11 نقطة.
وفي الجولات نفسها سجل المنتخب السعودي 17 هدفا مقابل ثمانية اهداف في مرماه فيما سجل المنتخب الايراني 10 اهداف فقط مقابل 7 في مرماه.
بمعنى ان الخطوط الخلفية.. او التعامل الدفاعي مع الخصوم متقارب.. فيما تميز المنتخب السعودي بإمكاناته الهجومية.. وقدرته في الوصول لمرمى الخصم..
الا يكفي هذا دليلا على التفوق..
ودليلاً على الجدارة..
هذا التفوق الذي أهَّل المنتخب السعودي ليحقق ما عجز عنه الآخرون..
وينال ما لم ينله الآخرون..
إن التأهل لنهائي كأس العالم.. ليس بالأمر الهين..
وعندما يكون عبر قارة مثل اسيا بظروفها السياسية.. والديموغرافية.. فإن الامر يزداد صعوبة..
وعندما يكون هذا التأهل وفق اصعب الطرق.. واصعب المجموعات.. فإن الامر يتجاوز المعقول..
وعندما يكون هذا التأهل رغم ذلك كله ثلاث مرات متتالية.. يصبح الامر اعجازا حقيقيا.. وتحدياً كبيراً..
وعندما تكون الكرة السعودية واحدة من منتخبات قليلة تأهلت لكأس العالم في قارات ثلاث (امريكا، اوربا، آسيا) فإن هذه ميزة اخرى تنفرد بها..
هذه حقيقة الكرة السعودية..
بل انها جزء من الحقيقة..
وهذا هو واقع الكرة السعودية.
الواقع المشرق.. الذي ينبىء عن مستقبل زاهر باذن الله.. لانه نتاج ماض مجيد.
البريد الإلكتروني
raseel@la.com
|
|
|
|
|