|
| شرفات
قبل خمسة عشر عاماً، وبعد حصوله على الماجستير في الاخراج المسرحي من معهد الثقافة بكييف في أوكرانيا كان أمام المخرج اليمني فريد الظاهري تحد حاسم وصراع بين ما درسه وتعلمه عن المسرح وواقع الحال في علاقة الجمهور اليمني بالمسرح، حينها اختار مسرح الشارع الفقير في ادواته ليكون أداة الصلة بينه وبين جمهوره، وفي مشوار الظاهري خمسة وعشرون عملاً مسرحياً واستعراضياً واربعة عشر عملاً تلفزيونياً موزعة بين قطر واليمن، كما أسس ثلاث فرق مسرحية وهو اليوم أمين عام نقابة المسرحيين اليمنيين وسبق له أن شغل حتى العام الماضي منصب مدير عام المسارح بوزارة الثقافة قبل أن يتفرغ لفرقته التي أسسها بالمشاركة مع شريكته في الحياة والفن زوجته سلمى الظاهري.
الجزيرة التقته في هذا الحوار الذي تحدث فيه عن أعماله ومشواره ومشروعاته الجديدة وحال المسرح اليمني والعربي.
وزراء وسفراء وقناصل خرجوا من عباءة المسرح اليمني
كيف يرى الظاهري بداياته بعد كل هذا المشوار؟
بدأت في السبعينيات بتأسيس فرقة مسرح تعز للمسرح والموسيقى في محافظة تعز، وفيها قدمت عدة عروض في مسرح المنتزه خلال عامي 771978م بلغت سبع مسرحيات، وعندما انتقلت للجامعة في صنعاء ظهر نشاطي في المسرح الجامعي عندما قدمت عرض «هات ما عندك» من تأليفي واخراجي.
وقتها كان الدكتور عبدالعزيز المقالع يشغل منصب رئيس الجامعة فشجعني وقال لي إن مكانك ليس هنا، واعطاني منحة لدراسة المسرح في مدينة كييف بأوكرانيا حيث درست لمدة سبع سنوات بمعهد الثقافة الأوكراني وحصلت على الماجستير في تخصص الاخراج المسرحي عام 1985م، واثناء الدراسة ارتبطت بسلمى وتزوجنا وعدنا معا لليمن، لنبدأ مشوارنا معاً هذه المرة في مدينة «الحديدة» لنقدم عروضنا في شوارعها حيث أسسنا فرقة اسميناها المسرح الوطني عام 1988م.
دراستك للفنون في روسيا لابد أنها ربطتك بالكثير من المفاهيم والمدارس الحديثة، هل وجدت تناقضاً بين أفكارك وجمهورك عندما عدت لليمن؟
بالنسبة لي اعتبرت أن ما درسته فرصة لصقل موهبتي، لكنني تجنبته تماماً، لأنني إذا كنت قدمت مسرحاً كما درسته لكنت توقفت محبطاً منذ زمن طويل، لكنني بدأت بطريقة مختلفة.. أخذت أدرس مجتمعي وأعمل وفق امكانياتي المادية البسيطة خطوة خطوة، عانيت بشدة.. لكنني رغم ذلك كنت أول من بدأ تقديم مسرح الشارع ولأن الطقس عندنا حار كان الكورنيش أفضل الأماكن ومما ساعدني كثيرا في «الحديدة» أن وجدت دعماً حقيقياً من محافظها «عبدالرحمن محمد العثمان» وكان رجلاً متفتحاً جداً، وهو اليوم وزير الصناعة، كان يشجعنا كثيرا ويبث فينا شجاعته ويحفزنا أن نعري مناطق الفساد.. حتى داخل المؤسسات الحكومية وكان يدعو الموظفين المقصودين لعروضنا.
في هذه المرحلة كانت الكوميديا هي ملجؤنا كفن راق يجذب الناس ومن خلاله ننقد سلبيات مجتمعنا. هكذا كانت خطواتي بطيئة حتى توثقت علاقتنا وجمهورنا، فقدمنا بعد ذلك كلاسيكيات المسرح كهاملت وعطيل لشكسبير واعمال مولبير.
التحول من الكوميديا
وكيف حدث انتقالك من الكوميديا الى الكلاسيكيات؟
بطريقة بسيطة للغاية. كنت اريد فهم جمهوري لأرفع من مستواه.. بداية بالكوميديا البسيطة حتى الكلاسيكيات التي لم نكن نستطيع أن نبدأ بها لجمهور لا يعرف أصلاً ما هو المسرح ولم يكن بإمكانه حتى أن يحضر العروض في ميعادها فكان علي أن أدرس واختار الميعاد الذي يناسبه في الحضور.
ثم بالاستمرار استقرت علاقتنا بجمهورنا ووجدنا عندنا شيئا مختلفاً ليس موسميا ولكنه يحافظ على استمراريته والتزامه، حتى وصلنا إلى مرحلة صار دورنا معه أن نقدم له جرعات ثقافية أكبر، وأن نطور علاقة المتفرج مع العرض حتى يستفزه لمزيد من الفهم والوعي.
رغم اعتزازك بتجربتك في الحديدة، إلا انك انتقلت لتأسيس فرقة الفن الحديث في صنعاء.. لماذا؟
أولاً جاء الانتقال للعاصمة بسبب انتقالي للعمل بها كمدير عام للمسارح بديوان وزارة الثقافة عام 1992م، ولأن هذا النوع من الأعمال يربطك بتقديم أعمال معينة في المناسبات، وعروض تقليدية لم تشبع رغباتي الفنية، ولأنه بحكم منصبي لم يكن بإمكاني تكوين فرقة مسرحية خاصة تأسست فرقتنا «الفن الحديث للمسرح والباليه» باسم سلمى كمديرة لها لندخل مرحلة جديدة بتقديم أعمال متنوعة بين المسرح والعروض الاستعراضية والباليه، حيث أسست سلمى بالفرقة أول مدرسة باليه في اليمن، كما تتولى أيضاً تصميم الأداء الحركي (الكيوجرافي) لعروضنا المسرحية، اضافة إلى مشاركتها بتصميم الملابس والديكور والتمثيل أحياناً. في الحقيقة كلنا نشارك.. ولدي نزار أيضاً يمثل معنا منذ ثلاث سنوات وهو الآن في التاسعة من عمره. هكذا مسرحنا هو كل العالم وحياتنا اليومية.
وهل يجد المسرح الدعم الكافي من الدولة أو المؤسسات الاقتصادية الراعية للفنون؟
ليس هناك اي دعم اصلاً.. نحن نعتمد على أنفسنا واشتراكاتنا كأعضاء بالفرقة، كما أن رأس المال الخاص يسعى للربح السريع ويرفض دخول هذا المجال، في الحقيقة لا يوجد وعي حقيقي بدور المسرح في المجتمع. عندنا في الفرقة شباب تخرجوا من معهد السينما وأكاديميين، لكن لا أحد يفكر في المسرح كشريان ثقافي ومدرسة للممثل توزع للتلفزيون والاذاعة والسينما، بل إن كل المذيعين الآن كانوا ممثلي مسرح. ومن بين أعضاء الفرقة سابقاً كثيرون يشغلون الآن مناصب مهمة.. مثل مستشار الرئيس لشؤون الذرة «مصطفى زهران» ، «وأمة العليم السوسو» سفيرتنا في بولندا وهي بالمناسبة أول سفيرة يمنية، وكانت ممثلة عظيمة، وعديدون من أفراد قنصلياتنا في بلاد عديدة.. أمثال هؤلاء كانوا مؤسسين للمسرح اليمني. أقول ذلك تدليلا على دور المسرح كمنبر استنارة.
أعباء مسرحية
تعدد أنشطة الفرقة ما بين المسرح والباليه والاستعراض ألا يضع أعباء اضافية عليها؟
على العكس طبيعة نشاطنا المتنوع تكفل لنا توفير الدعم لأن الدولة تحتاجنا في أعمال استعراضية في مناسبات مختلفة، فتأتي لجنة لتختار عرضاً نقدمه ويعطونا ميزانيته لأنه لا توجد فرق استعراضية حكومية.. وان كانت هناك فرقة خاصة بالرقصات الشعبية.. ومن جانب آخر يوفر هذا التنوع فرصة تكامل فنون الأداء مما يصنع ممثلاً أفضل وتوفر داخل الفرقة مواهب وخبرات متنوعة توفر لنا فرصا أكبر في تقديم عروضنا بالشكل الذي نريده فنياً.
في عرضك «لا أريد أن أولد» هناك اهتمام واضح بمهارات الأداء بالاعتماد كثيرا على الأداء الصامت والمايم. أم أن الأمر مرتبط بفكرة العرض للتركيز على المونولوج الخاص للبطل؟
حاولت بهذه الطريقة ابراز رسالة العرض من خلال البطل الذي يرفض أن يولد في عالمنا هذا بحروبه وما فيه من جشع وتلوث للبيئة واستغلال الانسان لأخيه الانسان، وعلى جانب آخر جسدت اختياري المسرحي الذي يحتفي بمسرح الصورة، فأرى تكوينات الممثلين كأنها لوحات تشكيلية أمامي، أحاول ترجمتها على خشبة المسرح، يمكنك القول إنها أول مدرسة مسرحية في اليمن تعتمد على هذا الاسلوب. هي رغبة قديمة بدأت عندي منذ السبعينيات، ففي فرقة «شباب تعز للمسرح والموسيقى» كنا نشتغل بانتومايم عبر اسكتشات خفيفة حاولنا توصيل أفكار كثيرة. تطورت معنا هذه الطريقة في أعمال كثيرة من أشهرها «لن ننسى أبداً» 1989م عن علاقة الثورة المصرية باليمن، وامتزاج الدم اليمني والمصري في معركة تحرير اليمن.
المسرح التشكيلي
اضافة للمايم استخدمت اجساد الممثلين كديكور ليكون فضاءات مختلفة أمام البطل المتفاعل معها؟
كما قلت سابقاً.. مسرحنا فقير، والحاجة أم الاختراع،.. الحاجة أجبرتنا على التفكير في مخارج وجماليات مختلفة، هكذا تنوعت استخداماتنا لأجساد الممثلين، بل أتصور أنه لو كانت توافرت لنا الامكانات لنشتري ديكورات وملابس وغيرها، لكانت قللت من ابداع خيالنا، وربما ما كان العمل خرج بمثل هذه البساطة والجمال، فنحن نتعامل مع ما هو ممكن ونبدع داخله.. تكلفتنا لم تتجاوز قطعة قماش على أرضية خشبة المسرح وبدل موحدة الشكل للممثلين وكره.
اضافة لذلك اعتقادي أن لغة الجسد لابد أن تطغى على اللغة المنطوقة فهي تعطي فرصة أكبر للفهم، بغض النظر عن معرفة اللغة.. ولأن مسرحنا في بداية الطريق ما يزال المجال مفتوحاً أمامنا للتجريب في انتظار رأي الجمهور.
وبالنسبة لنا لاقى عرضنا نجاحا كبيراً جماهيرياً كما حاز جوائز كذلك.
وهل منعك فقر الامكانات من استخدام ولو شريط صوت مسجل.. فجعلت اعتمادك على أصوات يؤديها الممثلون كخلفية للعرض؟
لا.. هذا ظرف آخر طارئ.. كان عندنا شريط صوت فقد وضاع في قصة أخرى، حيث تعطلت طائرتنا في مطب جوي بسبب «عثرة في عاصفة ثلجية» مما اضطرها للعودة حيث نجونا بأعجوبة، وحين قررنا مواصلة الرحلة وركوب الطائرة رفض بعض الفنيين خوفاً، وفقدنا خلال ذلك شريط الصوت وبعض التقنيات الأخرى مما أثر نسبياً في الاضاءة وظهر في بعض المشاهد مثل المخاض، اضافة أن العرض الأصلي كان يقدم بعدد أكبر من الممثلين ثمانية عشر اختصروا إلى ستة بسبب ظروف السفر لكن دون الاخلال بمضمون العرض.. وهو في ذاته يتيح فرصاً للتجريب والتغيير.
بارقة الأمل في «لا أريد أن اولد» احتفت بطفل الحجارة وكأنك اخترته املاً.. هل تعمدت ذلك؟
هو عندي يمثل شموخ وطموح الانسان العربي ونضاله حتى ولو بالحجر دفاعا عن حقه في الوجود ومستقبله، ففي مقابل الاستسلام لواقع بغيض يرفضه بطلي والاستمرار في حالة اللا تفكير واللافعل، يأتي فعل طفل الحجارة كإحياء لحق الرفض لواقع ظالم بديلاً عن الاحباط والاستسلام.
عمر محمد
|
|
|
|
|
