| شرفات
قال أبو الطيب المتنبي في قصيدة يرثي بها والدة سيف الدولة:
تَحَجَّبْ عنكِ رائحة الخُزامى
وتمنع منك انداء الطلال |
يقول العكبري في شرح هذا البيت: الخزامى: نبت طيب الريح. والطلال: جمع طل، وهو المطر الصغار والانداء: جمع ندى. والمعنى: يقول: قد حجب عنك وهي في قبرها طيب الريح والرائحة، وندى الأمطار، لأن المقبور لا يصل الذي ذكر إليه، فذكر أن الرياح مع شدة هبوبها قصرت أن تدركك مع سرعة سيرها، فدل على أنها في بطن الأرض. وأشار بأحسن إشارة إلى اللحد، ثم أكد ذلك بأن قال: تحجب عنك ريح الرياض العبقة، ويمنع منك انداء طلالها الموافقة، واشار «بالخزامى والانداء» إلى الرياض.
لقد أشار أبو الطيب في بيته هذا الى نبت الخزامى وربطه مع المتوفاة لعلو قدرها في حياتها لأنها والدة سيف الدولة. وقد ورد في لسان العرب لابن منظور ان الخزامى نبت طيب الريح، واحدته خزاماه. وقال ابو حنيفة: الخزامى عشبة طويلة العيدان، صغيرة الورق حمراء الزهرة طيبة الريح ، لها نور كنور البنفسج، قال: ولم نجد من الزهر زهرة أطيب نفحة من نفحة الخزامى. ويقول الدمياطي (1965م): خزامى : كحبارى: نبت طيب الريح، أو خيري البركما في الصحاح. واسمه العلمي Lavandula Officinalis.
نلاحظ من بيت شاعرنا السابق أنه ربط بين نبات الخزامى والمطر والندى ، وهذا يوحي لنا أن نبات الخزامى نبات ربيعي يحتاج الى الماء والرطوبة.
وقال المتنبي في قصيدة يمدح بها سيف الدولة ويعتذر اليه:
قد ذقتُ شدة ايامي ولذتها
فما حصلت على صاب ولا عسل |
يقول العكبري عن هذا البيت: الصاب: شجر مر يعصر منه ماء مر. والمعنى: يقول: قد ذقت صعوبة ايامي وسهولتها ورفاهيتها، فما حصلت على صاب من مرها، ولا عسل من حلوها، لان لذات الايام ومكارهها منتقلة فانية، ومستحيلة زائلة، تتعاقب ولا تدوم، وتنتقل ولا تقيم، وما كان كذلك فليس تقطع على استكره مره، ولا تحتم علي استغراب حلوه.
لقد شبه شاعرنا المتنبي في بيته هذا ما كان يواجهه في حياته من شدائد ونكبات بمرارة عصير شجر الصاب، وما مر به في حياته من لحظات سرور ولذة بحلاوة العسل، ومع هذا التشبيه فإنه يقول: قد ذقت شدة ايامي ولذتها فلم اجد فيها مرارة الصاب، ولا حلاوة العسل لأنهما اشد وقعاً منها.
ورد في لسان العرب: العسل في الدنيا هو لعاب النحل وقد جعله الله تعالى بلطفه شفاء للناس. والعرب تذكر العسل وتؤنثه. ويقول الدمياطي (1965م): صابة: جمعها صاب، شجر مر. وفي التهذيب عن الاصمعي الصاب والسلع ضربان من الشجر مران. وفي المحكم الصاب شجر مر. وقيل: هو عصارة الصبر، وقيل : هو شجر إذا اعتصر خرج منه كهيئة اللبن، فربما نزت منه نزية اي قطرة فتقع في العين فكأنها شهاب نار، وربما اضعف البصر. وقال الشاعر في قصيدة يمدح بها شجاع بن محمد الطائي المنبجي:
إلى الثمر الحلْو الذي طيء له
فروع وقحطان بن هود له اصل |
يقول العكبري في شرح هذا البيت: قحطان بن هود: هو ابو قبائل اليمن. وعدنان: ابو قبائل العرب. يريد: ان قحطان هو اصل هذا الثمر، والمراد به الممدوح. والمعنى يقول: اشكو الى الثمر الحلو ، يعني الممدوح الذي طيء له فروع. والاصل قحطان بن هود، جعله كالثمر الحلو الطيب في جوده وحسن خلقه، ومن روى «له اصل» اراد الثمر، ومن روى «لها» اراد الفروع.
ورد في لسان العرب: الاصل: اسفل كل شيء. والثمر: حمل الشجر. وقيل للولد ثمرة لأن الثمرة ما ينتجه الشجر والولد ينتجه الاب. وأثمر الشجر: خرج ثمره.
يقول ابو الطيب في بيته هذا: شجاع بن محمد الطائي ثمرة حلوة المذاق، وهذه الثمرة فروعها طيء، وطيء اصلها قحطان بن هود. وهنا نعتقد ان شاعرنا قد نظر الى شجرة مثمرة معينة ليمدح بها ممدوحه، فالشجرة لها ساق، والساق هو عضو النبات الذي يحمل الاغصان والاوراق والبراعم والازهار، وهو العضو النباتي الذي ينمو عادة فوق التربة. ويتكون الساق نتيجة نمو الريشة في جنين البذرة وتميزها حيث توجد البداية الاولى للساق. والاوراق زوائد جانبية خضر اللون، تحمل على عقد الساق، وتوجد في آباطها براعم. وتترتب الاوراق على ساق النبات وفق نظم محددة باختلاف الجنس النباتي ويكون نظام توزيع الاوراق عادة ثابتاً بالنسبة للنوع الواحد ويمثل صفة تشخيصية مهمة. والثمار تكون على فروع اغصان الشجرة المختلفة.
نعود مرة اخرى الى بيت شاعرنا السابق نجد ان قحطان بن هود كان هو الاصل، وتفرعت منه طيء، فأثمرت طيء ممدوح الشاعر..!!
وقال أبو الطيب المتنبي في قصيدة يمدح بها بدر بن عمار:
بأبي ريحك لا نرجسنا ذا
واحاديثك لا هذا الشراب |
يقول العكبري عن هذا البيت: قال الواحدي: يريد ان ريحه اطيب من ريح النرجس، وحديثه الذ من الشراب.
لقد وصف أبو الطيب في بيته هذا ان رائحة ممدوحه أفضل وأحسن من رائحة النرجس، وحديثه وكلامه الذ وامتع من شرب الشراب، وهنا نلاحظ ان الشاعر قد ربط بين رائحة ممدوحه ورائحة بنات النرجس، وبين حديثه ولذة الشراب، وبين الشراب والورد.. والنرجس كما يقول ابن منظور في معجمه من الرياحين معروف.
والنرجس ثلاثة انواع اسم احدها العلمي هو Narcissus PseudoNarcissus.
وقال المتنبي في قصيدة يمدح بها سعيد بن عبدالله الانطاكي:
كانهم يردون الموت من ظمأ
وينشقون من الخطِّيِّ ريْحانا |
يقول العكبري عن هذا البيت: الظمأ: العطش. ونشقت انشق، مثل شممت اشم. والخطي: واحد الرماح الخطية، تنسب الى الخط: موضع باليمامة. والمعنى: يقول: لسهولة امر الحرب عليهم، صار عندهم الموت كالماء للعطشان، والرماح كالريحان الذي شم، كل هذا لحرصهم على الموت.
لقد وصف الشاعر في بيته هذا ممدوحه الأنطاكي ورجاله بالشجاعة والاقدام وعدم الخوف، لان الموت عندهم في حومة الوغى كالماء للعطشان المشرف على الهلاك، ورائحة رماحهم الخطية بما عليها من دماء اعدائهم كرائحة نبت الريحان.
ورد في لسان العرب لابن منظور: الريحان: كل بقل طيب الريح، واحدته ريحانة، والجمع: رياحين. وقيل: الريحان اطراف كل بقلة طيبة الريح اذا خرج عليها اوائل النور. ويقول الدمياطي (1965م): الريحان: نبت طيب الرائحة من انواع المشموم. او الريحان: كل نبت كذلك، او اطرافه اي اطراف كل بقل طيب الريح، اذا خرج عليه اوائل النور، او الريحان في قوله تعالى: «والحب ذو العصف والريحان». قال الفراء: العصف ساق الزرع والريحان ورقه.
وقال الشاعر في قصيدة يمدح بها بدر بن عمار:
بدت قمراً، ومالت خوط بانٍ
وفاحت عنبراًَ، ورنت غزالا |
يقول العكبري في شرح هذا البيت: الخوط: القضيب. وجمعه: خيطان. والعنبر: ضرب من الطيب. والمعنى: يقول: بدت هذه المحبوبة قمراً في حسنها، ومالت مشبهة غصناً في تثنيها، وحسن مشيها، ،فاحت مشبهة عنبراً في طيب ريحها، ورنت مشبهة غزالاً في سود مقلتيها. وهذا من أحسن التشبيه، لأنه جمع أربعة تشبيهات في بيت واحد. وهذا من باب التدبيج في الشعر، وهو من البديع.
لقد اشار الشاعر في بيته هذا الى نبات البان وشبه تثني محبوبته وحسن مشيها بغصنه . والبان كما يقول الدمياطي (1965م): شجر معروف واحدته بانة.
والحب ثمرة دهن طيب. قال ابو حنيفة: البان ينمو ويطول في استواء مثل نبات الاثل. وورقه أيضاً له هدب كهدب الاثل، وليس لخشبه صلابة. وقال أبو زياد: من العضاه البان، وله هدب شديد الخضرة، وينبت في الهضب.
وثمرته تشبه قرون اللوبيا، الا ان خضرتها شديدة. قال الازهري: ولا ستواء نباتها ونبات افنانها وطولها ونعومتها شبه الشعراء الجارية الناعمة الرافهة ذات الشطاط بها، فقيل: كانها بانة، وكأنها غصن بان. والاسم العلمي لشجرة البان هو :Moringa Aptera.
وقال ابو الطيب في قصيدة يمدح بها بدر بن عمار:
يمنعها ان يصيبها قطر
شدة ما قد تضايق الاسَل |
يقول العكبري عن هذا البيت: الاسل: رماح تصنع من شجر الاسل. وقيل: كل شجر له شوك طويل، فشوكه اسل، ومنه سميت الرماح الاسل، والمعنى:
يقول: يمنح خيله وجيوشه ان ينالها المطر ما قد عمها من تضايق الرماح.
يقول ابن منظور في لسان العرب: الاسل: نبات له اغصان كثيرة دقاق بلا ورق، وقال ابو زياد: الاسل من الاغلاث، وهو يخرج قضباناً دقاقاً ليس لها ورق ولا شوك الا ان اطرافها محددة، وليس لها شعب ولا خشب، ومنبته الماء الراكد، ولا يكاد ينبت الا في موضع ماء او قريب من ماء، واحدته اسلة، تتخذ منه الغرابيل بالعراق، وانما سمي القنا اسلاً تشبيها بطوله واستوائه. والاسل الرماح على التشبيه به في اعتداله وطوله واستوائه ودقة اطرافه. والاسلة: شوكة النخل. وقال ابو حنيفة: الاسل عيدان تنبت طوالاً دقاقاً مستوية لا ورق لها يعمل منها الحصر. والاسل شجر. ويقال. كل شجر له شوك طويل فهو اسل، وتسمى الرماح اسلاً. ويقول الدمياطي (1965م): وعن الاعراب ان الاسل هو الكولان. واسمه العلمي
Cyperus Pa pyrus. وفي اللغة الانجليزية قصب الورق PaperRead.
وقال المتنبي في قصيدة قالها في صباه:
وخضرة ثوب العيش في الخضرة التي
ارتك احمرار الموت في مدرج النمل |
يقول العكبري في شرح هذا البيت: خضرة ثوب العيش: استعارة من خضرة النبات، والنبات اذا كان اخضر كان رطباً ناعماً، ويحمد من السيف ما كان مشرباً خضرة وصف الشاعر سيفه في بيتين سابقين لهذا البيت واحمرار الموت: شدته. وموت احمر، اي شديد، واصله من القتل، وجريان الدم. ومدرج النمل: مدبه، وهو حيث درج فيه بقوائمه، فأثر آثاراً دقيقاً. والمعنى: جعل النصل نصل سيفه مدرج النمل، لما فيه من آثار الفرند، الفرند: جوهر يستدل به على جودة السيف كالآثار والنقط، فيقول: طيب العيش في السيف، اي في استعماله والضرب به.
لقد شبه ابو الطيب في بيته هذا رغودة العيش وسلاستها بخضرة النبات الناعم الغض. والخضرة في النبات الاخضر ناتجة عن وجود عضيات في خلاياه تسمى بالبلاستيدات الخضراء التي تحتوي على صبغة اليخضور. والنباتات الخضراء تتنوع من الطحالب الراقية، والحزازيات، والنباتات الوعائية. ووجود مادة اليخضور يعني ان النبات ذاتي التغذية، اي يقوم بصنع غذاه بنفسه.
وقال أبو الطيب في قصيدة يهجو بها كافوراً:
نامت نواظير مصر عن ثعالبها
فقد بشمن وما تفنى العناقيد |
يقول العكبري عن هذا البيت: النواظير: جمع ناظر، وهو الذي يحفظ الكرم والنخيل.
والمعنى: يريد بالنواظير: السادات الكبار، وبالثعالب: العبيد والاراذل، فهو يريد : ان السادة غفلت عن الاراذل، فقد اكلوا فوق الشبع، وهو قوله «بشمن»: اي شبعوا، ونفرت انفسهم عن الطعام، يريد انهم قد شبعوا وعاثوا في احوال الناس، وجعل العناقيد مثلاً للاموال.
لقد شبه ابو الطيب في بيته هذا سادات مصر الكبار بالنواظير التي تحمى وتحفظ بساتين الكرم والنخيل، وبالثعالب عن العبيد والاراذل الذين يسطون على الكرم والنخيل بعدما غفل عنها النواظير بعد ما اكلوا وشبعوا وبشموا. وهنا نلاحظ ان الشاعر ربط بين الثعالب والعناقيد التي ترمز الى اموال الناس التي هي في معناها العام ثمر العنب، لان الشائع بين الناس حب الثعالب للعنب.
وقال الشاعر في قصيدة قالها، وقدا جتاز ابن طفج ببعض الجبال، فأثارت الغلمان خشفاً ولد الظبي فالتفقته الكلاب:
فثار من اخضر ممطور ندي
كأنه بدء عذار الامرد |
يقول العكبري: ثار الخشف من مكان أخضر، أي نبات اخضر، وشبهه في خضرته بالشعر اول ما يبدو في خد امرد.
لقد نظر الشاعر في قوله هذا الى التداخل بين بداية خروج النبات الى سطح الارض وبين تربة المكان لون التربة وشبهها بالشعر الخفيف اول ما يظهر في خد شاب امرد، ولم يغفل الشاعر في قوله هذا من ان النبات يحتاج الى الماء اخضر ممطور ندي.
وقال شاعرنا المتنبي في قصيدة يمدح بها سيف الدولة:
رضينا والدمستق غير راض
بما حكم القواضب والوشيج |
يقول العكبري عن هذا البيت: القواضب: جمع قاضب، وهو السيف القاطع. والوشيج: شجر الرماح، وشجبت العروق والاغصان: اشتبكت. والوشيجة: الرحم المشتبكة . وقد وشجت به قرابة فلان، والاسم: الوشيج، والوشيجة، ليف يفتل ثم يشد بين خشبتين ينقل عليها السنبل المحصود. والمعنى: يقول: رضينا نحن بحكم السيوف والرماح ولم يرض الدمستق بذلك، لانها حكمت عليه بالهزيمة والدبرة، وحكمت لنا بالغلبة والظفر، فرضينا بذلك ولم يرض هو.
ورد في لسان العرب لابن منظور: وشجت العروق والاغصان: اشتبكت. والوشيج: شجر الرماح، وقيل: هو ما نبت من القنا والقصب معترضاً، وقيل: هي عامة الرماح واحدتها وشيجة، وقيل: هو من القنا اصلبه.
نتبين من بيت شاعرنا هذا ان الوشيج يجب ان يكون صلباً لتصنع منه الرماح لأنه اي الشاعر ربط بينها وبين السيف القاطع.
|
|
|
|
|